المرأة الطموحة ..
رغم أن قضية عمل المرأة لم تعد موضع نقاش في زماننا هذا إلا أن الرجل الشرقي لايزال يرفض فكرة تفوق المرأة عليه في أي مجال.. مستنداً في ذلك إلى عادات وتقاليد لازالت موجودة تمنحه حقوقاً كاملة في العمل والطموح والنجاح، وتسلب من المرأة في المقابل حقوقاً مشابهة، وهو ما يؤدي إلى حدوث صراع خفي غير معلن، يحاول فيه بعض الرجال أن يقفوا حائلاً أمام طموح المرأة، التي ينظرون إليها على أنها كائن أقل قيمة.. ومن ثم تسيطر عليهم مشاعر التفوق فقط لمجرد كونهم رجالا، وهو ما يدفعنا إلى طرح تساؤلات عديدة عن طموحات المرأة، وهل تؤثر بالفعل على الرجل؟ ولماذا يريد بعض الرجال الحد من طموحات المرأة.. وتعزيز كيانهم على حسابها ؟ الإجابة بحثنا عنها لدى علماء النفس والاجتماع وعند نماذج مختلفة من النساء والرجال . فاطمة عوض(محامية) تدافع عن طموح المرأة المشروع قائله: هناك رجال كثيرون يتحدثون عن حرية المرأة وحقها في العمل ولكن عند الارتباط يتخلون فورا عن كل ما قالوه وتصبح آراؤهم السابقة مجرد شعارات فارغة ولا يتذكرون سوى ما تربوا عليه من عادات وتقاليد تمنح الرجل كامل حقوقه في العمل والطموح والنجاح وتسلب المرأة حقوقها المشابهة في المقابل، وإذا تمردت على ذلك الوضع وخرجت للعمل وتقدمت ونبغت وجهوا لها اتهاما بالإهمال في واجباتها تجاه بيتها وزوجها وأنها تفضل العمل على الأسرة وأنها بلا قلب ولا عاطفة وأن شخصيتها أصبحت أقرب للرجولة أي فقدت أنوثتها، وأمام هذا السيل من الاتهامات لا تجد الكثيرات سوى التضحية بأي من الاثنين الأسرة أو النجاح في العمل. أما سماح حسن طبيبة (عمرها 45 سنة) فتقول : مهنة الطب لها وضعها الخاص فقد يستدعيني أحد المرضى في ساعة متأخرة من الليل، وكان زوجي يتقبل ذلك أو هكذا كنت أعتقد وفي الحقيقة كان يكتم ضيقه في صدره ولا يصرح لي بذلك وبدأت معاملته لي تتغير، وأخذ يتصيد أخطائي ويتشاجر معي ويتهمني بالإهمال ووصل به الأمر إلى أن طلب مني الاستقالة لأنه يرى أن عملي هو الذي يؤثر على اهتمامي بالمنزل ولم يكن ذلك مفاجئا لي لأنني متأكدة من عدم وجود الرجل الذي يحب لزوجته النجاح والتفوق. اعتقاد شائع إذا كانت هذه هي رؤية النساء فماذا عن وجهة نظر الرجال.. يقول المحاسب عبد المحسن عبدالخالق : أنا لا أعارض عمل المرأة وطموحها ولكني أرفض أن يتعارض ذلك مع واجباتها كزوجة، فالطموح الحقيقي للمرأة هو أن تجعل أسرتها سعيدة وتوفر لأفرادها حياة مستقرة هادئة وطموح الزوجة حتما سيؤثر سلبا على الزواج لأنه لا يوجد زوج يقبل أن تكون زوجته أفضل منه فيصبح هو "زوج الست" ومن الصعب على الرجل الشرقي تقبل هذا الوضع وذلك لا يبخس المرأة حقها كما يعتقد البعض وإنما يصونها لأن الطموح في العمل يستنفد جهد المرأة ووقتها ويعرضها لصعوبات ومنافسات تؤثر على أعصابها، ولذلك تفشل دائما في التوفيق بين عملها ومنزلها ولكن ذلك لا ينفي وجود نماذج لسيدات ناجحات في العمل وفي البيت أيضا ولكنهن قلائل. وهناك رجال يعترفون علنا بأن المرأة تفوقت عليهم في العمل مثلا يقول د. صفوتالعالم الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة: رغم أننا في عصر الإنترنت والأقمار الصناعية إلا أنه مازال هناك اعتقاد شائع بين كثير من الرجال في أن عمل المرأة يمثل عائقاً أمام استمرار حياتها العائلية حتى بعد أن أثبتت المرأة عكس ذلك بنجاحها في تحقيق توازن بين البيت والعمل وأكبر دليل على ذلك وجود نماذج كثيرة مشرفة تفوقت على الرجال في المجال الإعلامي بشكل ملحوظ، فمعظم الأساتذة والمبدعين في الإعلام سيدات، وأنا أرى أن قضية عمل المرأة لم تعد موضع نقاش فقد نجحت كوزيرة وسفيرة ومدرسة إلى جانب أمومتها وأثبتت جدارتها ولايمكن أن نبخسها حقها تحقيقا لرغبة ضعاف النفوس ممن تسيطر عليهم الأنانية. بعض التنازلات وعن كيفية نجاح المرأة في تحقيق طموحاتها يقول د.عادل صادق أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس: إن هذا مرهون بنجاح المرأة في تجنب استعراض تفوقها وأن تحاول دائما أن تشعر زوجها بأن تفوقها من تفوقه ونجاحها لا ينقص من نجاحه ويكون لديها استعداد لتقديم بعض التنازلات لتحافظ على أسرتها وخاصة إذا كان زوجها لم يتشبع بعد بروح العصر ولم يقتنع بعد بأن المرأة إنسان يملك عقلا وقدرة على الإبداع والإنتاج قبل أن تكون جسدا ووعاء للجنين. ويضيف د."صادق" فيقول : طموح المرأة لا يؤثر إلا على شخصية الرجل الضعيف فقط لأن الرجل القوي الذي يثق في نفسه يحترم المرأة ويساعدها على تحقيق طموحها ويعتبرها سندا له لأنها أكثر قدرة على العطاء من غيرها، والرجل الذي يريد أن يحد من طموح المرأة يهدم بذلك ركنا من أركان المجتمع، فزواج الرجل من امرأة متفوقة ونجاحه معها ليس صعبا ولكنه يتوقف على مهارة المرأة وقدرتها على إشعار زوجها بأنها تحتاج إلى وقوفه بجانبها دائماً. ويقول د.صادق أنا لا أتفق إطلاقا مع الاعتقاد بأن طموح المرأة يقف عائقا أمام إحساسها بأنوثتها وجمالها لأن الجمال الحقيقي ينبع من داخل المرأة، والعمل يزيدها إحساسا بذاتها، وبالتالي يزيدها ذلك أنوثة على أنوثتها. فهم خاطئ بينما يرى د.يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي أن التكوين النفسي للرجل يدفعه للإحساس بالراحة عندما يعرف الناس أن منزل الزوجية مفتوح بإمكانياته وأمواله هو فقط وأن زوجته تستمد كبرياءها ووضعها الاجتماعي من مكانته ووضعه هو، وأي صورة خلاف ذلك يرفضها المجتمع أيضا يرفضها لذلك يحاول الرجل بشكل دائم تعزيز كيانه على حساب المرأة، ويسعى لاختيار شريكة حياته على أسس تتفق مع مكوناته الشخصية وطبيعة تكوينه النفسي، وإذا شعر أن شريكته سوف تبدو أكثر نجاحا وأوسع انتشارا فإنه يخشى الارتباط بها لأنه يعتقد أن نجاحها سيجعلها دائما في وضع مقارنة معه ويعيش في قلق دائم خشية أن تتفوق عليه لذلك نجده دائما يعمل بميكانيكية دفاعية لا شعورية تخفي ضعفه وقلة حيلته أمام المرأة بأن ينتهز أقل تقصير منها في منزلها، أو تجاه أولادها ويفتعل المشاجرات ليتهمها بالإهمال ويرجع ذلك إلى اهتمامها الزائد بعملها لأن هناك اعتقاداً راسخاً في أذهان الكثير من الرجال بأن نجاح المرأة في عملها لابد أن يكون على حساب حياتها الخاصة أو على حساب مشاعرها وإحساسها بأولادها وبيتها، وهذا فهم خاطئ لأن عمل المرأة يجعلها أكثر احتكاكا وأكثر تجربة وخبرة وذلك ينعكس على تصرفاتها مع زوجها وفي تربيتها لأطفالها لأنها ستصبح أكثر فهما وتقديرا لظروف عمل زوجها وأكثر إحساسا باحتياجه للراحة والهدوء في البيت لأنها مثله تكون في حاجة إلى ذلك. غيرة الرجل ويـرى د.أحـمد المجدوب الخـبير بمركز البحوث الاجتماعية بالقاهرة أن غيرة الرجل من كفاءة المرأة هو نوع من الغيرة اللاشعورية لأنه لايزال يعيش في أفكار وعقليات الماضي بالنسبة لوضع الرجل في المنزل والحياة الزوجية وليس هو المسئول الأول عن ذلك، فالرجل يقضي طفولته وشبابه محاطا بتقاليد قديمة تؤمن أن المرأة كائن أقل قيمة لذلك يوجد لدى الرجال شعور دائم بالتفوق لمجرد كونه رجلا ويكره أن تتفوق عليه المرأة في أي مجال، وهو في الغالب يحجم عن الارتباط بالفتاة الطموحة أو الناجحة في عملها ويفضل المرأة الضعيفة الكسولة لأنها ترضي غرورة وتشعره دائما أنه الأفضل. ويؤكد د. المجدوب أن المرأة الناجحة في عملها، ناجحة أيضا في بيتها لأن نجاحها هذا يشعرها بكيانها ويمنحها الثقة بنفسها وينعكس ذلك بالضرورة على أطفالها الذين تغرس فيهم بذرة الثقة في أنفسهم ليشبوا وهم أكثر صلابة في مواجهة المشكلات، وذلك على اعتبار أن فاقد الشئ لا يعطيه فإذا شعرت الزوجة أنها تابع لن تستطيع أبدا أن تعلم أولادها الاستقلالية والاعتماد على النفس، وذلك عكس الأم العاملة التي تمنح أولادها الفرصة للاعتماد على النفس والسير في طريق النضج بسرعة، وللأسف هناك كثير من الأمهات يؤمن بأن رسالتهن وأهدافهن في الحياة هي تربية أبنائهن، وأن هذه الرسالة تنتهي بانتهائهن من تربيتهم وخروجهم من البيت مـستـقلين بحياتهم.. وتعتقد أنها بذلك تمنحهم الاهتمام والرعاية . حق مشروع وتقول د.عزة كريم الخبيرة بمركز البحوث الاجتماعية بمصر: إن الطموح حق مشروع للمرأة وليس تمردا كما يعتبره البعض ممن يتهمونها بمحاولة الخروج على ما تعارف عليه المجتمع فالمرأة والرجال عضوان في المجتمع يكمل بعضهما البعض ولكن لا يجعلها تتناسى دورها كزوجة وأم فيجب أن يكون بيتها رأس أولوياتها ثم يأتي بعد ذلك العمل لأنه مهما تفوقت المرأة ومهما استقلت اقتصاديا لن تتمكن من الاستغناء عن الأسرة وهناك قاعدة تبنى عليها أي أسرة، وهي توزيع الأدوار فمنذ قديم الأزل والرجل صاحب الدور الأول والأساسي في العمل وتحمل المسئولية الاقتصادية والمرأة لها دورها الأول في تكوين الأسرة ورعايتها، وذلك الوضع يتفق مع طبيعة البشرية وطبيعة أي مجتمع وأي وضع عكس ذلك غير مقبول. وتؤكـد أن عمل المرأة لا يقل أهمية عن عمل الرجل و90 من مجالات العمل تدخل فيها المرأة وتثبت جدارتها ولكن يجب أن تكون المرأة واضحة ومحددة تماما في أنها ستكون زوجة وأن أسرتها لها الحق الأول في رعايتها ثم بعد ذلك العمل، وهذا الوضع لا يقلل من شأن المرأة إطلاقا بل على العكس يتيح لها الفرصة لإثبات كفاءتها في ظل الدورين دورها كأم وربة أسرة ودورها كعاملة وموظفة في المجتمع. وتضيف : نحن جميعا نتفق مع القول بأن الشئ إذا زاد عن الحد انقلب إلى الضد خاصة وأن هناك بعض السيدات تصل طموحاتهن إلى درجة تجعلهن يرفضن الزواج حرصا على التفوق والتميز وبعضهن يعملن صباحا ومساء وذلك يؤدي إلى حدوث خلل في المجتمع، لأن هناك قوانين اجتماعية لابد أن تحترم حتى يتوازن المجتمع ومن ضمن هذه القوانين توزيع الأدوار والتوافق بين الرجل والمرأة لكي لا يحدث صراع.. ومن أهم القوانين الاجتماعية التي يجب أن تحترمها المرأة ألا ترفض الزواج من أجل العمل، فالزواج ضرورة دينية واجتماعية.