رقصة البالا الشعبية ..
د.زينب حزام :فن البالا من الفنون الشعبية المنتشرة في القرى اليمنية وفيها تقام الرقصات الشعبية مع الغناء في حلقات سمر ليلية مع الضرب على الايقاع الغنائي الراقص، ويقفان في صفين متقابلين ويقف الشاعر الغنائي في الوسط مع الملقن وشعر البالا من الأشعار التي تبنى على قافية واحدة على شرط الاستمراراية في الأغنية التي يرددها الجميع وتسلي على الخاطر وتكون البالا في حفلات للسمر في بيت معين أوقرية وكثيراً مايهدف التفاخر بين الفريقين بالكلمات الغنائية والمدح والتنافس وقد تؤدي إلى بعض حالات الشجار بين الفريقين.وتقول إحدى كلمات رقصة البالا والبالا والليل البالابكر غبش سائر في ارض الحبشوالبالا والليل البالابكرت مثل المسافر والطفر في البكاءوكان زادي مع القمة مثل الحجروالبالا والليل البالاوفي رقصة البالا مع الأغنية الشعبية يمكن ان يقف فريقان من النساءلتأدية الأغنية او فريق من الرجال ويستمر السمر حتى مطلع الفجرورقصة البالا من الفنون الشعبية الخالدة التي تم توثيقها والمحافظة على استمراريتها خاصة في المهرجانات الشعبية في منطقة حضرموت ومنطقة اب التي سيقام فيها المهرجان الفني والثقافي للاحتفاء بالذكرى السابعة عشر للعيد الوطني وفي هذا المهرجان الكبير ستشارك فرقة الرقص الشعبي لمدينة اب في رقصة البالا الشعبية والتي تعطي الوجه الحضاري والتاريخي للمجتمع اليمني ومهما كانت نوعية البيئة الاجتماعية فهي تعبير عن الرمز الثقافي والاقتصادي لهذا او ذاك المجتمع.والفنون الشعبية بشكل عام، كما اطلق عليها في العصر الحديث، تمثل الاصالة الوجدانية في التعبير الثقافي والاجتماعي اليمني الموحي به من اعماق الاحساس الشعبي الوطني والروحي بسجية انسانية تعبيرية خاصة ترفدها وتحفزها للنماء دوماً عوامل الحياة ومؤتراثها المختلفة.والفنون الاصيلة في مجتمع ماليست منقطعة الصلات والجذور بغيرها، ان في النمط الفني والتعبير الادبي وان في النغمة الموسيقية والحركة الادائية التطبيقية اذا جاز لنا القول.فالفن الاصيل كذلك اياً كان نوعيه، تحمله سمات التأثير والتأثر ولاتتخلد أصالة الفن اذا كانت وحيدة أي منقطعة الصلات، لان الفن نتاج المجتمع والمجتمع امتداد لغيره فالماضي الانساني متواجد دائماً في حاضر الإنسان فالتقاليد والعادات والقوانين والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والفنون والملابس والأذواق والمأكل والمشرب واللهجات وخصائص الفكر الانساني نفسه ليست وليدة الحاضر، ولكنها حصيلة تجارب وخيرات تمثل تراثاً يمكن تتبع احواله في الماضي القريب او البعيد ومن خلال هذا التراث تتشكل شخصية الجماعية الانسانية وتتحدد درجة وعيها الحضاري.اما انقطاع الجذور وانتفاء الصلات بالنسبة للفن بل للثقافة عموماً مايعنيه هذا، هو انتفاء الاصالة والسيادة التسطيح.وافتقار الفن، وتغليب الترقيع من هنا ومن هناك حتى يصبح الفن مشوهاً بلا هوية او مضمون لايسر شكلاً او مضموناً ولانعني بتأكيدنا عن شرعية الصلات والتأثير والتأثر في مجالنا الفن او غيره، لانعني التبعية وفقدان الهوية والتميز الفني والثقافي وانما التحويل منوط بملكة الإبداع عبر نسيج الكلمات والنغمة الموسيقية فالذي يوحي به التأثير والتأثر من خارج المحيط البيئي المحلي قد يفجر ينابيع بل انهاراً متدفقة من الفنون الحية في البيئة اليمنية ورقصة البالا خير دليل على ذلك، فهي تشمل كل العادات والتقاليد اليمنية وتترجم مشاعر وهموم الناس.ومن هنا يتأسس الفن ويكتسب ملامح محلية تتجدد خصوصيته على مر الايام والليالي فتبرز شخصيته للعيان بهوية فنية وطنية راسخة لاتزيلها العوارض وفي رقصة البالا يجد المستمع لأغنيتها ومشاهدة رقصتها البسيطة التي تحمل حرية الحركة وحرية الايقاع والكلمات الشعرية البسيطة المؤخذة من الواقع، ربما تحمل هذه الرقصة الغنائية بعض السلبيات لأنها تهدف المفاخرة وربما تنتهي بالعراك ولكنها جزءاً من التراث الشعبي التاريخي الزاخر، قائم على اجناس حضارية عميقة متوالية ومتعاقبة مازال طابعها ممثلاً بجوانب شتى من حياة المجتمع اليمني الى يومنا هذا خصوصاً التراث الحميري.وهناك العديد من الرقصات الشعبية تختلف من منطقة الى آخرى وترتبط مباشرة بحياة البحر التغني بجمال مناظر الجبال عند المساء كما نجد الفن المتميز لاغاني الصيادين في صيره ونجد تنوعاً في التعبير الوجداني واختلاف في التصوير والطرح ونجد صوراً مختلفة للرقص الشعبي مثل " الشرح " المنتشر في الاعراس والحفلات الشعبية، ورقصة الصيادين المنتشرة في الاحياء الشعبية ويصحب هذا الرقص الجميل رائحة العود والبخور الذي تميزت به اليمن منذ القدم، تصحبها جلسات شرب القهوة اليمنية المميزة ونجد مجالس القات منتشرة في اليمن وتشمل مجالس للرجال ومجالس للنساء يتخلل بعضها جلسات الطرب والغناء والرقص اضافة الى الرقصات المرتبطة بحياة الانسان اليمني في الريف والمدينة والبحر والصحراء والتي تمثل العادات والتقاليد اليمنية وكذلك الفروسية في ميدان الرجولة وهناك رقصات يمنية يشهر فيها الراقصون السلاح من سيوف وخناجر وبنادق، وهم يرقصون على انغام الطبول بوضوح في المناطق الشمالية من اليمن.اضافة الى العديد من الرقصات الشعبية المختلفة المتعلقة بالصيادين اليمنيين والبحر تصحبها الاغاني الشعبية والدعاء الى الله..ليمنحهم الرزق الوفير من الصيد والتغلب على مخاطر البحر وعودتهم بالسلامة لذويهم وهذه الرقصات الجميلة نجدها من المناطق الساحلية اليمنية.واذا كان بعض هذه الفنون قد ارتبط بتسمية بما يوحي انها قد وفدت من خارج اليمن، فإن الدارس لهذه الفنون والمتعمق في تكويناتها وتفاصيل تقسيماتها نجدها يمنية من حيث جوهرها ونمطها الاصلي مع ملامح التأثير الخارجي في بعض الاوجه او الجوانب وذلك على شكل طقوس احتفالية ربما لها صلة بعادات وتقاليد دينية او اجتماعية قديمة وفدت من المناطق الشعبية و تأثرت الفنون الشعبية في عدن بالفنون الشعبية الهندية.ان الفنون الشعبية التقليدية في اليمن لها اصالتها في اساسها يمنية في مبناها متميزة في النكهة والطعم ما يجعلها ذات شخصية متفردة بطابعها البيئي الخاص.ان الفنون التقليدية في اليمن تعكس اوجها من التراث الحضاري الانساني العربي وربما الهندي والافريقي في بعض المكونات وهذا شأن التأثر الحضاري على مدى الازمنة والعصور.ان التراث الفني اليمني يمثل اليوم احد أوجه التنوع والتفاعل الاصيل في هيكل الفنون التقليدية في اليمن، اكان ذلك على شكل ابداع وجداني او عطاء علمي تطبيقي يمثل العادات والتقاليد اوجه من انماط الحياة الاخرى.