روبرتاج/محمد فؤاد:كثيراً ما يستوقفك وأنت في السيارة عند الإشارات الضوئية مشهد لطفل يحمل علب المناديل الورقية يتدلل لكي تشتري منه واحدة، وعادة تكون لديه قدرة على الإقناع لتشتري منه، وسرعان ما يتبعه آخر يحمل قطعة من القماش ودلواً او تنكة من الصفيح كدروع بشرية تنتحر على الزجاج الأمامي للسيارات ، وآخر يبيع حلاوة المجلجل أو عقود الفل أو حتى كروت شحن الموبايل تحت لهيب الشمس وفي ظلام الليل ، وهكذا يتجمع حولك عدد من الأطفال الذين تشعر أمامهم بالحيرة والرأفة لحالهم وهم يجوبون الشوارع والأزقة بحثاً عن الزبائن من أجل كسب رزقهم بهذه الطريقة، مما يدعوك للتساؤل هل يعقل أن يترك الآباء أطفالهم عرضة لمفاجآت الشوارع هكذا؟.وفي الشارع قد يجد الأطفال ظواهر غريبة بعيدة عن عيون الآباء وحساباتهم فيصبح هؤلاء الأطفال ضحية نزوات ربما تجرهم إلى مهاوي الرذيلة التي تتمثل بمضغ القات و بممارسة التدخين وشرب الخمر والحبوب المخدرة والإدمان على ممارسة أساليب الاحتيال والسرقة وغيرها من الظواهر والعادات المرفوضة في المجتمع، حتى أصبح البعض منهم بالفعل يمارس أسلوب السمسرة وبيع المسروقات والخردة أو التسول لحساب جماعات لا يهمهم سوى إرضاء نزواتهم غير الإنسانية بالكسب السريع على حساب صحة وسلامة المجتمع والذي يكون أول ضحاياه الأطفال.. ثم أليست هذه الأفعال هي التي تؤدي إلى التسرب من الدراسة؟.. أن جولة واحدة في شوارعنا والمحافظات تجعلنا ندرك حجم الكارثة المحدقة بالأطفال والتي أصبحت تكبر يوماً بعد يوم، فمن يقف وراء استشراء هذه الظاهرة؟ وما هي العوامل المساعدة لها ؟ أعزائي القراء تعالوا معا لكي نتعرف عن الأسباب.[c1]ظروف خاصة[/c]أول المتحدثين طفل عمره لا يتجاوز الخمسة عشر عاماً، اسمه (س،ع،م) وهو يعمل بائعاً للموز في أحد الشوارع ، تحدث عن الظرف الذي دفعه للعمل في هذه المهنة قائلاً: إن الظروف التي تعيشها عائلتي في هذه الأيام اضطرتني إلى العمل كبائع لفاكهة الموز وأنا أتجول بالعربة من حارة إلى أخرى طوال النهار في الطرقات والتي تلاقي إقبالاً كبيراً من المواطنين ، وهو ما يدفعني لكسب رزقي منها خاصة وان راتب والدي التقاعدي لا يكفي «. وأضاف: «عملي هذا هو مهنة سهلة ومكسبها كبير جداً قياساً إلى حجم المباع منها، أما بالنسبة إلى دراستي فقد أنهيت الدراسة الابتدائية بتفوق ثم تركت الدراسة لتلبية متطلبات العائلة، فأنا المعيل الأول لها.. إذن فلا حاجة لإكمال الدراسة».أما الطفل (ا،س،ف) (13 عاماً) والذي يعمل كبائع مناديل ورقية وبخور فقد طلب منا إيقاد سيجارته التي كان يحتفظ بها خلف إذنه اليسرى وقبل أن يجيبنا سحب نفساً عميقاً منها ونفث دخانها الكثيف ثم قال: «لا تسألني لماذا تركت الدراسة؟ فأنا لي عائلة تتكون من عشرة أفراد فقد توفى والدي وترك لي عبئاً ثقيلاً جعلني أترك الدراسة وألجأ إلى العمل لسد رمقهم وتلبية جزء من رغباتهم التي لا تنتهي، أما والدتي فتعمل (فراشة) في إحدى المدارس .[c1]معيلون صغار[/c]فيما يقول الطفل(ك،م،س)(15 عاماً) ويعمل بائعاً للصور والآيات القرآنية والهدايا الصغيرة في كورنيش ساحل أبين : «إننا نعمل ليلاً ونهاراً في بيع هذه الهدايا بين كبائن العائلات التي تحضر لتستجم سواء بالنهار أو الليل تم نتجول في الأسواق والمحال التجارية والمطاعم لبيع بضاعتنا، وهي مهنة متعبة لكنها مربحة أيضاً فلا حاجة إذن إلى الدراسة ووجع الرأس ومتطلباتها من الأحذية والملابس ودفع الرسوم لإدارة المدرسة ومجاملة المعلمين الخاصة.وآخر المتحدثين من الصغار (ص،م،ي) (14 عاماً) ويعمل ملمع أحذية قال: «لقد تركت الدراسة بسبب سوء حالة صحة والدتي التي تعاني من مرض السكر وضغط الدم، وأخي الأصغر المعاق حركيا ويحتاج إلى متطلبات كبيرة مرمية على عاتقي لتأمين حياتهم ، وهذا ما جعلني أعمل في مختلف الأعمال لغرض توفير مبالغ لعلاجهما.. أما بالنسبة لدراستي فانا أكملت الابتدائية وتركت الدراسة لأتكفل بمبالغ العلاج والمعيشة وأساعد والدي الذي يعمل مع أحد النجارين».لنلتفت إلى هذه الظاهرة ونسهم في عملية الحد منها من خلال البرامج التي أعدتها المنظمات الإنسانية ومنها (مركز الطفولة الآمنة) و(الحدث)إلى جانب جمعيات اخرى تهتم بتقديم خدماتها للأطفال اليتامى وفاقدي الرعاية الأبوية ممن يتسكعون في العمل بالشوارع العامة حيث تقدم لهم خدمة الإيواء والإصلاح والتأهيل لكي يتم دمجهم بالمجتمع بعد تحويلهم إلى أطفال أسوياء.يقول احد المدرسين : إن من أبرز الأسباب التي تقف وراء استفحال هذه الظاهرة هي قساوة الظروف التي تواجهها أغلب العائلات اليمنية وعدم قدرتها على مواجهة متطلبات المعيشة التي راحت تتعقد يوماً بعد يوم نتيجة عدم كفاية الرواتب التي يتقاضاها الموظفون حالياً مما دعا الأبوين إلى تعويض ذلك من خلال زج أبنائهم في مختلف الأعمال وإجبارهم على ترك الدراسة دون مراعاة النتائج، الأمر الذي انعكس على المستوى العلمي لهم في الدراسة وشجعهم على ظاهرة التسرب من المدرسة».إذن نحن بحاجة لقيادات مستقبل خالية من العقد وهذا لا يتحقق إلا من خلال الاهتمام بالأطفال وتوفير كافة السبل لهم ليكونوا قادة المستقبل كي يعبروا بالوطن إلى بر الأمان لا إلى البحر الظلمات.