ندرك جيداً أن عمر الإنسان، لا تكمن أهميته بعدد السنين التي يعيشها، بل بالأثر والبصمات التي يتركها من بعد رحيله، بل وقبل رحيله، فالعظماء الأفذاذ من بني البشر كانوا وما زالوا قليلين بين أقرانهم ربما بسبب التفاوت الكبير بينهم من حيث ظروف معيشتهم وحياتهم، وفي صحتهم ومستويات تعليمهم غنى الأقليات وفقراء الأغلبية، لكن كما نعرف من حياة بعض عباقرة هذا الزمان والزمان الغابر أن بعض المخترعين والمكتشفين في كل مجالات وجوانب الحياة، لم يكونوا أغنياء، ولم تكن حياتهم سهلة ورغدة.وذلك يؤثر إلى وجود فوارق بين الناس تتعلق بظروف بيئاتهم الطبيعية والاجتماعية واختلاف استعداداتهم وميولهم، وحجم ونوعية طموحاتهم وأحلامهم، وبدرجة تطور واقعهم الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والمعرفي والثقافي. ودرجة استشعارهم بما يريدون وكيف يحققونه.والحياة في مراحلها الأولى من حياة الإنسان لا تخضع لتخطيطه هو، بل لأوامر الآخرين وتوجيهاتهم، لهذا تنقضي بعض السنوات الأولى في التجريب والمحاولات التي قد تفشل وقد تنجح.لذلك فإن هناك القليل من الأفذاذ الذين يدركون حقائق الحياة في وقت مبكر، ويساعدهم ذلك على تحديد أهدافهم في الحياة، ويسعون لتحقيق تلك الأهداف مهما كانت الظروف والملابسات؛ والكثير من الناس يتعثرون في هذا المسعى، لهذا يتمنون بعد فوات الأوان أن يطول بهم العمر ليبدأوا من جديد، بعد أن اتضحت لهم أخطائهم وأسباب تعثرهم أو فشلهم، لهذا يرون أن عمراً واحداً لا يكفي، ولهذا يقولون إن العمر الثاني أو العمر الحقيقي للإنسان يبدأ بعد الأربعين أو بعد الخمسين من العمر؛ لكن أعمار الناس في هذا الزمان تتناقص بحكم تعقيدات الحياة وكثرة مطالب الناس الحياتية، وبحكم تناقص دخولهم.إن طغيان الاستهتار والإهمال من قبل بعض الدول والحكومات في الدول النامية الجاثمة على صدور الناس في هذا العالم المتوحش، هي وراء تقصير أعمار الناس وضياع أعمارهم سدى دون طائل – مع أن الموت حق، ولا راد لمشيئة الله – ووراء تعثر أحلامهم وطموحاتهم المشروعة في حياة حرة كريمة توفر للجميع شروط الإبداع والتفرد والتميز بجدارة واستحقاق، لهذا يموت العظماء والأفذاذ والمبدعون قبل الأوان، ولا يبقى غير هشيم من البشر الذين يعيشون حياة أشبه بحياة الكائنات التي تنفع ولا تشفع، تبقى عديمة الإحساس بمصدر ألمها.
|
تقرير
العمر لا يكفي
أخبار متعلقة