الدكتـــور حسـن علـي مجلـي[c1]تعريف ونبذة تاريخية :[/c]الوقف نوعان : عام وخاص أو ما يطلق الفقهاء عليهما خيري عام وأهلي. والوقف العام هو ما كان على مصلحة عامة كالمدارس و المساجد غير المخصصة لجماعة دينية معينة ، أما الأهلي فما كان على نفس الواقف أثناء حياته أو على ذريته أو أقربائه أو جماعة يهمه أمرها أو دار للعبادة مخصص لجماعة دينية معينة ( ).وقد جرى استعمال اصطلاح ((الوقف الذري أو (الأهلي) أو (الخاص) في اليمن للإشارة إلى الحالة التي يشترط فيها الواقف صرف ربع وقفة ابتداءً على جماعة معينة أو على الواقف نفسه وأفراد أسرته ثم على ورثته من بعده من أولاده وذريتهم وقد يضيف بعض أقاربه وذوي رحمه أو أشخاصاً معينين بالصفة أو الاسم أو على جهة معينة بالاسم أو الصفة كمسجد مخصص لعبادة جماعة دينية معينة أو زاوية صوفية... الخ كمستحقين في ريع الوقف إلى حين انقراض نسلهم كلهم أو بعضهم أو انتهاء صفتهم فإذا انقرضوا أو انتهت صفتهم أو شروط استحقاقهم في الوقف آل [الريع] إلى جهة أو أكثر من جهات البر التي لا تنقطع.وقد أوقف عدد كبير من المسلمين المؤمنين بكافة فئاتهم ومذاهبهم وطوائفهم في اليمن قاطبة وعواصم المحافظات على وجه الخصوص أموالاً طائلة وقفاً عاماً أو خاصاً (أهلياً) بغية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى وتخصيص الأموال الموقوفة للأغراض الخيرية العامة أو الخاصة.وقد حظيت محافظة (عدن) بعدد كبير من الأموال العقارية الموقوفة منذ قديم الزمن حيث استمر الوقف سارياً يتولاه الواقفون أنفسهم حتى قيام [جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية] (سابقاً) التي اصدرت القانون رقم 32 لعام 1972م قضت المادة (5) منه بما يلي : ((تؤمم كل المباني السكنية والتجارية المملوكة للأفراد والمباني السكنية والتجارية الموقوفة وتؤول ملكيتها للشعب ممثلاً بالدولة)).وبعد قيام الوحدة اليمنية المباركة عام 1990م قامت السلطة السياسية الحاكمة بإصدار توجيهاتها إلى حكومة الجمهورية اليمنية بإعادة كافة الممتلكات التجارية ويشمل ذلك الأوقاف الأهلية أو الخاصة التي تم تأميمها أو مصادرتها إلى ملاكها الأصليين وتعويض الملاك بمن فيهم أصحاب الأوقاف الخاصة عن مساكنهم المؤممة. وقد كان صدور قرار إعادة الأموال العقارية المذكورة امتثالاً لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء ونصوص الدستور والقوانين اليمنية المستقاة منهما والتي تقرر حرية التملك وتصون الملكية بكافة أنواعها وفي مقدمتها الملكية الخاصة والتي تعتبر (ملكية الأوقاف الأهلية) شكلاً من أشكالها في العالم أجمع.[c1]ولايــة [ الوقف الأهلي ]:[/c]في بيان من إليه ولاية الوقف، فإن الإجماع الفقهي الشرعي في اليمن عبر العصور، هو أن من وقف شيئاً كانت ولاية ذلك الوقف إليه وليس لأحد أن يعترض، ثم إلى منصوبه وصياً أو ولياً، فإذا نصب الواقف والياً على الوقف أو أوصى به إلى أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف، ولا يجوز للإمام والحاكم (القاضي) أن يعترض من له ولاية الوقف من واقف أو منصوبه أو موقوف عليه معين إلا لخيانة تظهر فيهم، وخيانة الواقف والمنصوب واضحة، وأما خيانة الموقوف عليه فإنما يكون بأن يحاول بيع الوقف أو نحو ذلك، أو يكون المتولي غير خائن إلا أنه ربما عجز عن القيام بما يتوجب عليه، فإن الإمام والحاكم يعرضان له بإعانة أي بإقامة من يعينه، ولا يعزلانه وتعتبر العدالة في متولي الوقف( ).ويستبان من ذلك أن الولاية على الممتلكات الموقوفة وقفاً خاصاً (أهلياً)، إنما هي للواقف ثم لمنصوبه ثم للموقوف عليه ثم للقضاء، حيث أن المقرر شرعاً وقانوناً والمتواتر فقهاً وقضاء هو أن ولاية الوقف تكون لمن عينه الواقف إذ أن الوقفية تعتبر بمثابة قانون لا يجوز انتهاك نصوصها ما دامت لا تخالف مقصداً شرعياً، وهذا هو ما نصت عليه المادة (49) من [قانون الوقف الشرعي] ونصها كالتالي :((الولاية على الوقف للواقف ثم لمنصوبه أو ولياً ثم للموقوف عليه ثم لذي الولاية العامة والحاكم أو من يعينه أحدهما لذلك. ويجوز لذي الولاية الخاصة إسناد الولاية لمن يرى فيه الصلاح بغير عوض)).ويتضح من النص القانوني السالف تقريره الصريح بأنه لا سلطة لذي الولاية العامة (وزارة الأوقاف أو أي مكتب تابع لها) على الأوقاف الأهلية مطلقاً مع وجود الواقف والموقوف عليهم وتوليهم وقفهم بأنفسهم ويليهم في ذلك القضاء وليس [الحكومة] ممثلة في [وزارة الأوقاف].وذلك هو ما تؤكده المادة (62) من قانون الوقف الشرعي التي ورد فيها أنه:((لا يجوز اغتصاب الوقف، وإذا اغتصب وقف وجب على متوليه استرجاعه ويجب على المغتصب إرجاعه ... الخ)).وهو أيضاً ما قررته صراحة المادة (75) من ذات القانون والتي تنص على الآتي:((مع قيام وزارة الأوقاف والإرشاد بالولاية على الأوقاف العامة التي تحت نظارتها وبقاء الولاية الخاصة على الوقف المتعلق بمسجد وتوابعه لمن هي ثابتة له شرعاً...الخ)).وإذا كان الأمر كذلك فإنه يحظر - من باب أولى - على [مكتب وزارة الأوقاف] حيثما كان إحلال نفسه محل [المتولي الشرعي] للوقف . لذلك فإن غصب مكاتب الأوقاف للوقف الأهلي تحت مسمى ((توليها)) يعد باطلاً بل جريمة مدنية تعطي الواقفين الحق في استعادة الوقف الخاص بهم من الغاصبين وفقاً لمواد القانون المدني بشأن الغصب والفعل غير المشروع وقانون الوقف ولائحته ومبادئ الشريعة الغراء والقضاء اليمني حيث تنص المادة (59) من لائحة قانون الوقف على ما يلي:((يجب على متولي الوقف حماية أموال الوقف واسترجاع المغتصب منها والرجوع على المختص بالضمان والغلة وفقاً للقواعد الشرعية والقانونية)).وهذا هو أيضاً ما صح عند الفقهاء اليمنيين عامة حيث ورد في (شرح الأزهار)، المجلد الثالث ص (488) ما يلي :((إن من وقف شيئاً كانت ولاية الوقف إلى الواقف)).إن مقتضى إعمال نصوص الدستور و القانون وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء والإجماع الفقهي هو أن: [وزارة الأوقاف] ومكاتبها المبثوثة في كافة المحافظات لا ولاية لها على الوقف الخاص مطلقاً وإنما الولاية مقصورة، شرعاً وقانوناً، على الواقفين المتولين وقفهم بأنفسهم أو من يختاره الموقوف عليهم متولياً لوقفهم الخاص. وهذا هو ما استقر عليه أيضاً التطبيق القضائي في اليمن، وعلى سبيل المثال نورد المبدأين القضائيين التاليين :المبدأ الأول: تكون ولاية الوقف إلى من عينه الواقف( ).المبدأ الثاني: إذا كان ثمة ولاية من الواقف عمل بها فولاية الواقف إلى من ولاه إلا من ظهرت خيانته ببيع أو غيره فلا ولاية له.والخلاصة مما سبق إيراده بإيجاز شديد هي : [أن وزارة الأوقاف] ومكاتبها لا يملك أي منهما الحق في أن يصير متولياً للوقف الأهلي رغم إرادة الواقفين والموقوف عليهم وبما يناقض مصالحهم المشروعة وبالتالي ليست له أية سلطة على العقارات الموقوفة وقفاً خاصاً ناهيكم عن مصادرتها لحسابه الخاص. وصرف عوائدها على موظفيه بدلاً من الموقوف عليهم( ).[c1]اغتصاب [ الوقف الأهلي ] انتهاك للملكية الخاصة:[/c]إن قيام مكاتب الأوقاف في (عدن) وغيرها بالاستيلاء غير المشروع على الممتلكات الخاصة والعقارات الموقوفة وقفاً خاصاً (أهلياً) بالمخالفة لإرادة الواقفين والموقوف عليهم يعتبر مصادرة لها ، ومن ثم انتهاكاً لنصوص الدستور والشرع و القانون التي تقرر حرية التملك وصيانة الملكية الخاصة وكذا ملكية الوقف الأهلي حيث تنص المادة (7) من الدستور اليمني على ما يلي:((..... جـ- حماية واحترام الملكية الخاصة فلا تمس إلا للضرورة ولمصلحة عامة وبتعويض عادل وفقاً للقانون)).كما تنص المادة (20) منه على ما يلي :((المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي)).وفي المادة (22) نُصّ على الآتي :((للأوقاف حرمتها، وعلى القائمين عليها تحسين وتطوير مواردها وتصريفها بما يكفل تحقيق أهدافها ومقاصدها الشرعية)).كذلك إن مصادرة وزارة الأوقاف ومكاتبها بالمحافظات للممتلكات الموقوفة وقفاً أهلياً وبالمخالفة لإرادة الواقفين والموقوف عليهم واستغلال عوائد الممتلكات لصالح موظفيها ومن إليهم الخاصة وحرمان الموقوف عليهم من عوائد وقفهم يعد خرقاً لنصوص قانون الوقف النافذ الذي تنص المادة (53) منه على أنه:((ليس لذي الولاية العامة والحاكم إبطال ولاية أو تعيين ولي آخر ما دام الولي مستوفياً لشروط الولاية)).[c1] حكم اغتصاب [ الوقف الأهلي ] ومصادرته: [/c]يلزم لاستكمال جوانب هذا البحث الموجز حول هذه المسألة الهامة إيراد الملاحظات التالية حول اغتصاب [الوقف الأهلي] ومصادرته:[c1]الملاحظــة الأولـــى:[/c]إن قيام وزارة الأوقاف ومكاتبها في المحافظات باستغلال الوقف الخاص و(الأهلي) لصالح موظفيها وأغراضها الخاصة وصرف عوائده لغير المستحقين وغير الموقوف عليهم هو تصرف مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء و الدستور والقانون، وهذا هو ما تؤكده المادة (56) من قانون الوقف الشرعي التي تنص على ما يلي :((لا يجوز التصرف في الوقف إلا بإذن الجهة المختصة وفي الأحوال المبينة في هذا القانون)).[c1]الملاحظــة الثانيــة: [/c]إن استيلاء وزارة الأوقاف ومكاتبها على أموال الواقفين وقفاً خاصاً والتصرف بعوائدها لحسابه الخاص إنما هو من قبيل المصادرة السياسية المحظورة دستورياً ودولياً والغصب المحظور شرعاً وقانوناً، فالغصب كما عرفته المادة (1119) من القانون المدني اليمني هو:((الاستيلاء على مال الغير أو حقه ، عدواناً بدون سبب شرعي)).[c1]الملاحظــة الثالثــة:[/c]إن مكاتب الأوقاف في المحافظات وخاصة في (محافظة عدن) ( ) وقد ثبت غصبها للمحلات التجارية والعقارات السكنية المملوكة للواقفين وقفاً خاصاً أهلياً والموقوف عليهم من بعدهم فإنها تكون هي وقيادتها الرشيدة المتمثلة في (وزارة الأوقاف) ملزمة بإعادة الأموال المغصوبة وفوائدها وعدم التعرض للواقفين من الانتفاع بوقفهم الخاص وتسليمهم كافة الإيجارات وأية مبالغ أخرى تحصل عليها الغاصبون خلال فترة غصب للممتلكات الموقوفة وقفاً خاصاً سواء (المحلات التجارية) أو السكنية. وذلك عملاً بأحكام المواد (1120، 1126 ، 1130) من القانون المدني اليمني حيث تنص المادة (1130) منه على ما يلي:((يلزم الغاصب رد فوائد العين المغصوبة الأصلية كما يضمن العين بأوفر القيم)).ومن المبادئ المقررة بواسطة المحكمة العليا للنقض والإقرار في هذا الصدد المبدأ التالي:يجب على جهة الوقف إرجاع المال الذي أنفقته إذا ثبت أنه مال مملوك للغير مع التعويض إن كان له مقتضى))( ).[c1]الملاحظــة الرابعــة :[/c]إن غصب ((الوقف الأهلي)) بواسطة [وزارة الأوقاف] ومكاتبها قد جعلها وارثاً غير شرعي لمظالم الحزب الاشتراكي وقوانينه وأنظمته في مجال التأميم والمصادرة لممتلكات المواطنين الموقوفة وقفاً خاصاً (أهلياً) مما ألحق بهم أضراراً مادية ومعنوية جسيمة نتيجة حرمانهم من الانتفاع بالأوقاف الخاصة بهم الأمر الذي يخول لهم المطالبة التعويض عن تلك الأضرار المادية والمعنوية استناداً لنصوص الشرع والقانون وعلى الأخص المادتين (304، 352) من القانون المدني اليمني.ولا شك أنه مما يثير الاستغراب والسخرية أن تصير وزارة الأوقاف ومكاتبها أثراً حاكماً من آثار الدولة الاستبدادية الشمولية اليمن كانت تحكم في جنوب اليمن قبل الوحدة ولعل ذلك هو بسبب فساد بعض القائمين على شئون الوقف الساعين لالتهام الممتلكات الموقوفة واستغلالها والتصرف فيها لحسابهم الخاص على نحو غير مشروع وحرمان الموقوف عليهم والمصارف الخيرية المخصصة لها منها بصورة لم يشهد له العالم الإسلامي مثيلاً لها إلا في اليمن.[c1]نتائـج مصــادرة الأوقــاف الأهليــة:[/c]ترتب على اغتصاب الأوقاف الأهلية [الخاصة] ومصادرتها لصالح وزارة الأوقاف ومكاتبها نتائج خطيرة منها ما يلي:[c1]النتيجــة الأولـــى:[/c]لقد أدى مصادرة وزارة الأوقاف ومكاتبها للأملاك الموقوفة وقف أهلياً [خاصاً] إلى حرمان الموقوف عليهم من عوائدها بالمخالفة لإرادة الواقفين التي تعتبر شرعاً وقانوناً بمثابة [نص قانوني] ملزم للجميع. [c1]النتيجـــة الثانيــة :[/c]لقد ألحق اغتصاب مكاتب الأوقاف للأملاك العقارية الموقوفة وقفاً خاصاً أضراراً جسيمة بها وبالواقفين حيث أهملت إهمالاً تاماً ولم يتم إصلاح أو ترميم أي عقار منها بل صرفت عوائدها [لصالح المغتصب] الرسمي ومنافع أصحابه الشخصية خلافاً لنصوص الدستور وعلى الأخص المادة 22 منه وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء ونصوص القوانين النافذة قانون الوقف ولائحته التنفيذية ... الخ.[c1]النتيجـــة الثالثــة:[/c]لقد أدى إهمال [وزارة الأوقاف] ومكاتبها للأوقاف الخاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية وعلى الأخص [محافظة عدن] واستغلالها لصالحه على نحو غير مشروع وبالتواطؤ مع معظم المنتفعين بالممتلكات الموقوفة إلى أضرار جسيمة بها، وعلى سبيل المثال فقد تم تحويل عدد منها إلى مستأجرين من الباطن كذلك باع بعض المنتفعين الأموال الموقوفة بما يسمى (حق المفتاح)، بموافقة وتواطؤ بعض الفاسدين في مكاتب الأوقاف، ومن ذلك أيضاً التنازل عن المحلات التجارية على نحو غير مشروع بل وبيعها أو تحويل المحلات التجارية إلى مساكن خلافاً لطبيعتها وتواطؤاً ضد الواقفين والموقوف عليهم ووجوه البر الخاصة بهم ومصارف الوقف التابعة لهم كالمؤسسات الخيرية ومنها المساجد المكرسة للعبادة والمخصصة لبعض الجماعات الإسلامية في اليمن( ).من أخطر النتائج المترتبة على اغتصاب [الوقف الأهلي] و((تأميمه)) أو ((مصادرته)) بواسطة [وزارة الأوقاف] ومكاتبها أن تسبب ذلك في تشويه سمعة اليمن في الخارج وعزوف الناس عن وقف أموالهم وقفاً أهلياً أو عاماً مما سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى صيرورة نظام الوقف مجرد بقايا نهر جف ماؤه وانقطعت ينابيعه.وفي الختام فإننا نتساءل بإلحاح : إذا كانت [وزارة الأوقاف] ومكاتبها قد أضاعوا معظم [الأوقاف العامة] فماذا سيكون مصير الأوقاف الأهلية - الخاصة - الغاصبين لها منذ قيام الوحدة اليمنية وحتى الآن؟والله من وراء القصد،،،* أستاذ القانون الجنائيكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء
|
دراسات
الوقف الاهلي في اليمن
أخبار متعلقة