صفحة خاصة بالذكرى (9 ) لرحيل الشاعر أحمد بومهدي
[c1]وربي ماتجاهلتك .. ولابنساك ياعمري[/c]صادف السبت الماضي الموافق الثاني عشر من شهر أغسطس الحالي الذكرى ( التاسعة) لرحيل فقيد الحركة الإبداعية والفنية الأديب الشاعر الغنائي الكبير أحمد بومهدي وفي هذه المناسبة تجدني أستعيد كثيراً من الأحداث والذكريات التي تسارعت وازدادت وطأتها علينا جميعاً في الوسط الابداعي الثقافي وأثرت سلباً على صورة المشهد العام للثقافة والفنون لدرجة إننا لم نعد نستطيع ملاحقتها واستيعابها تباعاً لأنها في الغالب حزينة مؤسفة .يتساقط المبدعون كل يوم كأوراق الخريف تحت وطأة الفقر والمرض والظروف المعيشية القاهرة ، بعد مشوار طويل متعب ومضن مع رحلة البذل والعطاء والابداع المتواصل خدمة للأجيال المتعاقبة والوطن الغالي وعندما تأتي اللحظة المرتقبة للتكريم وجني حصاد عناء السنين لتقديم بعض من ( الوفاء) لذلك المبدع يكون رد الفعل (الجحود والنكران) فيموت مبدعونا ( مرتين) الاولى بالتجاهل والنسيان وهم على قيد الحياة ومن ثم تتوالى هذه)الميتات) للمبدعين من الجهات الرسمية والمختصة بمزيد من ( الإهمال والتغييب) لمن قدموا عصارة افكارهم وجهدهم ولم يبخلوا بصحتهم في سبيل رقي وتطوير مستوى وعي وذائقة المجتمع اليمني على امتداد التاريخ القديم والمعاصر .[c1]قام بتوظيف كل المعطيات الثقافية والأدبية التي أكتسبها بالاطلاع والمعرفة وجعلها تذوب وتنصهر باشتغالاته الإبداعية الجادة ليقدم خلاصته الشعرية المستقلةمن أبرز شعراء الأغنية اليمنية الذين وضعوا بصمات ولبنات واضحة المعالم في تراكيبها وقوامها اللفظي المستند على الايقاع والجرس الموسيقي[/c]تحدثنا كثيراً عن أهمية توثيق أعمال مبدعينا وأرشفتها حفاظاً عليها من العبث والنهب وكيف يمكن أن نحتفي في مثل هذه المناسبات بالمبدعين التي لا تقل أهمية الاحتفاء بهم " بالمناسبات الوطنية" من وجهة نظري والسؤال المهم ماذا صنعنا لهؤلاء المبدعين ولأسرهم بعد مماتهم ؟!فالقاصي والداني يعلم أن الرواتب التي يتقاضاها عمالقة وكبار الادباء والفنانين في اليمن بعد الرحيل لا تساوي أجر ما يتقاضاه (عامل نظـافة"). ماذا فعلنا بهذا الشأن لمبدعينا والسنين تمر على رحيلهم عاماً بعد عام وأسرهم تعاني شدة الاحتياج لبعض من حقوقهم المهدورة؟!إن المتأمل لهذا الوضع المأساوي يشعر بفداحة هذه الجريمة بكل المقاييس !!** يعتبر الاستاذ الشاعر أحمد بومهدي واحداً من أهم شعراء الاغنية اليمنية وممن ساهموا مساهمة فاعلة في وضع بصمات ولبنات واضحة المعالم في تراكيبها وقوامها اللفظي المستند على الايقاع والجرس الموسيقي بل ويمكننا القول إن تجربته الشعرية شكلت جزءاً هاماً وكبيراً من ذائقة وذاكرة المستمع اليمني والمتلقي واثرت في قلب ووجدان كل يمني على امتداد الساحة اليمنية الغنائية التي شكل بها مع المرحوم الفنان الرائع محمد صالح عزاني ثنائياً ناجحاً ومتميزاً كأغنيات: ظن إني نسيته / ظبي شفته / محلى نقشة الحناء / يا أهل ذي الساكن / شلني يادريول / ألا ياطير يا لخضر / بلادي إلى المجد / بالنار والحديد/ داعوني / شي خط لي وغيرها .. كل هذه الأعمال الجميلة المعبرة استطاعت أن تؤثر تأثيراً بالغاً وواضحاً في الذاكرة والوجدان اليمني وفي الجزيرة العربية والخليج العربي بشكل عام .** امتلك الشاعر أحمد بومهدي مفردات وأدوات شعرية متميزة ومتفردة واستطاع أن يوظفها توظيفاً شعرياً بديعاً جمع فيه بين النص الشعري العامي والشعر الفصيح ليرتقي بمفرداته الدارجة الى قالب سمي بالنص الغنائي ( الوسط) مكنه من القيام بذلك الدورالرائع قدرته الشعرية الفائقة وأدواته الفنية المتمكنة بالاضافة الى المخزون الكبير الذي يحفظه عن ظهر قلب من التراث والفلكلور اليمني بكل أشكاله وألوانه خاصة في جوانب الشعر والغناء والرقص الشعبي، فاستطاع بذلك أن يجعل كل تلك المعطيات الثقافية والادبية تذوب وتنصهر باشتغالات جادة ليجعل لتجربته كياناً مستقلاً جسده في قوالب شعرية بديعة متناسقة ، الأمر الذي أعطى لتجربته الشعرية ميزة التفرد والخصوصية والاستمرارية وللتأكيد على ذلك نختار بعضاً من أبيات قصيدته الرائعة ( لحظة لقاء) التي أهداني إياها قبل مماته :[c1]انتظرتك .. وابتدأ قلبي يدق .. ساهن لوصلكوأتهمتك .. قلت ياقلبي اكيد .. ناسي لوعدكما عذرتك .. انتظرتك ... طالما قلبي يحبك وجيت في الموعد ورحب قلب يتلهف لوصلك ياشبيهة الظبي في جيده .. ترفق بي ترفقباك طول العمر تؤنسني .. وتهواني وتعشقباك تغرف من أحاسيسي .. وحبي ذي تدفق كم فرح قلبي بليله... حلمنا فيها تحققنفترق ؟ كلا ولابانفترق طول الحياهبانظل نحيا لهذا الحب ذي أثمر جناهبانظل نشرب كؤوس الراح من هذي الشفاهمانهم قول الشواني لا ولا.. كيد الوشاه[/c]** أتسم الشاعر أحمد بومهدي بالطيبة والتسامح ونقاء السريرة وبالخجل ونكران الذات .** عشق الشاعر أحمد بومهدي صوت الفنان الرائع والرقيق محمد صالح عزاني وقدم له أجمل وأروع أشعاره وقصائده العاطفية والوطنية وشكلا معاً ثنائياً متميزاً وناجحاً أثمر بظهور العديد من الأعمال الجميلة والقوية شكلاً ومضموناً ، وجدير بالذكر أن الشاعر أحمد بومهدي كان من المتنبئين والمتحمسين المبشرين بموهبة العزاني ( كملحن) وظل الى جواره يدفعه ويشجعه في الخوض في مجال التلحين بكل ما لديه من قدرة وامكانات إلى أن وقف العزاني ( الملحن ) على قدميه واصبح فارساً لا يشق له غبار ومما لا شك فيه أن موت العزاني كان له الأثر البالغ والأليم في نفس الشاعر أحمد بومهدي فأحس بموته من الوهلة الأولى بالخسارة الكبيرة ، وبالفعل لم يكن موت الفنان المبدع محمد صالح عزاني خسارة فنية على شاعرنا المبدع أحمد بومهدي بل على الوطن اليمني بأسره فلم يستطع أي صوت وملحن بعد العزاني أن يملأ الفراغ الذي تركه فظل شاغراً في ساحة الغناء اليمني حتى كتابة هذه السطور.** كان فقيدنا عضواً في اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين وعضواً في اتحاد الفنانين وعضواً مؤسساً لجمعية تنمية الموروث الشعبي وعضواً مؤسساً لجمعية يحيى عمر .** للأستاذ أحمد بو مهدي اهتمامات ثقافية وأدبية كبيرة جداً فقد تميز بكتاباته وابحاثه الجادة في جانب التوثيق المقروء والمسموع والمصور ولديه مكتبة غنية بالأعمال التراثية الشعبية والعربية ومكتبة ثقافية تشمل أمهات الكتب في الشعر والأدب والتاريخ ، كما كان رحمه الله مرجعاً يعود إليه كل المهتمين والمثقفين والفنانين في الداخل والخارج ولعلني أتذكر أن الباحثة العربية الدكتورة شهرزاد قاسم كانت شديدة الحرص على زيارة الاستاذ أحمد بومهدي فقد قدمت العديد من البحوث العلمية عن الغناء والموسيقى اليمنية واستفادت كثيراً من مكتبة شاعرنا وثقافته بالاضافة الى توافد العديد من المثقفين والأدباء الى منتداه كالاستاذ عبدالرحمن الملاحي والاستاذ عبدالله الحداد والدكتور نزار غانم وآخرين .** لم يبخل شاعرنا الكبير رحمه الله بتعاونه ومساعدته الادبية والفنية والمعنوية على أجيال متعاقبة من الفنانين كباراً وصغاراً منهم على سبيل المثال الاساتذة / محمد مرشد ناجي / محمد محسن عطروش / أحمد باقتادة / كرامة مرسال / محمد سالم بن شامخ/ عبدالكريم توفيق / عصام خليدي / أحمد بن غوذل / مدهش صالح / أحمد ناجي / أمل كعدل / منى همشري / سعيد أحمد بن أحمد / علي حسين الكيلة / نوال محمد حسين / فضل كريدي / محمد المحسني .[c1]في الختام :[/c]قدم أحمد بومهدي رحمه الله للوطن عطاءً كبيراً وغريزاً في كثير من الفنون والابداع ولم يأخذ ما يستحقه ويليق بمكانته وبتاريخه الحافل والزاخر بتجليات الابداع الحقيقي وروعته هكذا دائماً حال مبدعينا الذين يموتون جسداً ويعيشون فينا وفي ذاكرة الوطن الى ماشاء الله .