صباح الخير
معايير التطور والتقدم في أي مجتمع من المجتمعات الحديثة ترتكز على مدى تطور قوى العمل من ناحية ومن ناحية أخرى على مستوى تطور علاقات العمل وقيمه ، وعلى ميزان الحقوق والواجبات السائدة فيه ، وبدرجة أكبر على مستوى وعي الناس بحقوقهم وواجباتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرقابية ، ومستوى مشاركتهم في صناعة القرار على أي مستوى كان . ويتجسد ذلك كله في نوعية الإدارة ونظمها ولوائحها المقرة دستورياً وقانونياً والمتجددة وفقاً لكل مرحلة لاحقة من مراحل تطور الإدارة بأجهزتها ومؤسساتها وآليات عملها. ففي الإدارة المتقدمة ، لم يعد هناك مساحة للروتين والتعقيد الإداري المكتبي ، لم يعد هناك مساحة للعدائية والمزاجية والانتقائية في ممارسة العمل الإداري اليومي في مختلف الهيئات والمؤسسات المعنية بإدارة شؤون الناس واحتياجاتهم ومطالبهم الحياتية والعملية . وفي بلادنا عرفنا نموذجاً من الإدارة الراقية في عهد المستعمر وبعد الاستقلال ، وكل ايجابيات تلك الإدارة كادت تتلاشى للأسف الشديد ، لم نسمع إلا قريباً أن الوظائف تباع وتشترى ، وأن البعض لديه أكثر من وظيفة ، وأن معايير التوظيف في بعض الأحيان تأخذ بالمحسوبية والرشوة بدلاً عن المؤهل والخبرة وأن المسؤولية القيادية تخضع أيضاً في بعض الحالات لمعايير بعيدة عن معيار استشعار المسؤولية والأمانة والجدارة والنزاهة ، فكيف لنا نتقدم ونتطور في مثل هكذا أوضاع ..؟! وبالرغم من أن الانتخابات الديمقراطية الحقيقية تكفل قيام إدارة ذاتية يدير فيها الشعب شؤونه بنفسه وفقاً للدستور والقوانين ، الا أن آلية تحقيق هذه العمليات بصورتها الفاعلة لازالت تحتاج إلى جهد أكبر ، لان حرية الاختيار ومقاييس الاختيار لازالت قاصرة ، بحكم تدني وعي المواطن.و الجانب الغائب في المسألة هو اتحاد نقابات العمال ، التي تقلص دوره مقارنة بالنقابات المهنية الأخرى وكل منظمات المجتمع المدني وضعف الأحزاب وهشاشتها ، لذلك كله ظلت علاقات العمل معيقة لتطور قوى العمل والإنتاج ، لغياب الحقوق والواجبات ، مما طبع على مجتمعنا الطابع الاستهلاكي البحت. إن تحسين الإدارة ورفع فاعليتها وعلى كل المستويات هما المدخل الوحيد لاجتثاث الفساد والترهل الإداري ، والتخلص من عبثية التعامل مع قضايا الناس السياسية والوطنية بوجه عام ، فالإدارة العلمية والمنظمة والمعتمدة لأساليب التخطيط والأرشفة والتوثيق مع الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة ، يمكن أن تحدث نقلة نوعية في إدارة الشأن العام والخاص والفردي ، وتوفر الوقت والجهد الضائع في هذه التعاملات اليومية ، إذ تلك هي معايير التقدم والتطور والنهوض بأوضاعنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية ، وكذا الأمنية والدفاعية ، والدبلوماسية ، وبها فقط نرفع فاعلية نشاط الدولة والمجتمع معاً لنحرز التقدم السياسي والاجتماعي المنشود .