بيروت / متابعات :بينما بدأ الحضور الميداني والإعلامي لزعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن يخبو ويضمحل، أخذ نجم حسن نصر الله، الأمين العام لـ "حزب الله" اللبناني في الصعود والحضور الطاغي بعد ان أصبح محط أنظار الإعلام، وتحول إلى شخصية بارزة في العالم العربي، وصارت له حظوة كبيرة في الشارع العربي، وخصوصاً منذ 12 يوليو الفائت. الذي شنت فيه اسرائيل عدوانها البربري على لبنان وشعبه . الى ذلك يرى العديد من الكتاب والمراقبين أن الأحداث الأخيرة غيرت الكثير من المعايير، وبدلت من الاهتمامات. ومن أبرز ما سجلوه من ملاحظات، أنه إذا كان بن لادن موضع خلافات واختلافات عميقة وواسعة في العالم العربي ، فإن نصرالله متفق عليه بين قطاع واسع من الجماهير والنخب العربية على السواء، لما حققه حزب الله من إنجازات على صعيد مواجهة إسرائيل، التي مازالت " العدو الأول" في نظر الأغلبية الساحقة من العرب.وآخر هذه الإنجازات صمود حزب الله في وجه أقوى آلة حربية في الشرق الأوسط، وتكبيد الإسرائيليين خسائر في الأرواح، فضلاً عن الأضرار المادية والمعنوية الناجمة عن دك مناطــق شمال إسرائيل بنحو 4000 صاروخ كاتيــوشا. وفي المقابل، تمكن بن لادن من شق طريقه إلى أفئدة بعض العرب والمسلمين الذين يناهضون السياسات الأمريكية، عبر توجيه ضربة موجعة لأمريكا بتدمير برجي مركز التجارة العالمي واستهداف مبنى البنتاغون في 11 سبتمبر/أيلول 1002م.إلا أن زعيم تنظيم القاعدة، على ما يبدو، لم يستطع أن يستقطب إجماعاً تاماً عليه في العالم العربي، لأن إدارته للمعركة مع الولايات المتحدة الأمريكية شابها الكثير من المغامرات غير المحسوبة التي جرّت العواقب الوخيمة على البلدان العربية والإسلامية، فضلاً عن انتهاك أعمال "القاعدة" للمبادئ الإنسانية وقيم الدين الإسلامي. والحال إن ما يفرق أمين عام حزب الله وزعيم تنظيم القاعدة أكثر مما يجمعهما.. فهما يختلفان اختلافاً عميقاً في الأيديولوجية والأهداف والخطاب السياسي والممارسة. وسنحاول أن نستقصي أهم الفروق الجذرية بينهما في النقاط التي سجلها مراقبون، وهي كما يلي :ينطلق الشيخ أسامة بن لادن والسيد حسن نصر الله من مرجعية دينية، الأول سنية سلفية، في حين أن مرجعية الثاني شيعية تعتقد بولاية الفقيه. وبينما يوصف بن لادن بالتشدد الديني الذي يعبر عنه الفكر السلفي الجهادي، والذي يعد بن لادن أبرز رموزه، فإن نصرالله لم تثبت عليه صفة التزمت الديني، رغم صورته وهيئته كرجل دين، وتلقيه العلوم الدينية في الحوزة الشيعية، قبل تفرغه للعمل السياسي.وما من شك في أن بن لادن السلفي يناقض نصر الله الشيعي بالنظر إلى أن المدرسة السلفية " الوهابية" تكفّر الشيعة وتعدّهم من " الروافض"، وقد تجلى هذا الأمر في العداء الذي كان يكنّه أسامة بن لادن وتنظيمه لحزب الوحدة الشيعي في أفغانستان، وفي استهداف الجناح العراقي لتنظيم القاعدة، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، لشيعة العراق.ورغم حالة الاستقطاب الطائفي التي تميّز لبنان، فلم يتهم نصر الله بالتحريض الطائفي كما اتهم بن لادن، وهو ما أكده في لقائه مع مراسل قناة الجزيرة القطرية في 20 يوليوالماضي، مشيرا إلى فشل محاولة " إثارة فتنة سنية شيعية " في لبنان ، بينما نجح تنظيم القاعدة في اثارة الفتن الطائفية في العراق وافغانستان وباكستان من خلال المجازر الدموية التي نفذها انتحاريون تابعون لتنظيم القاعدة وراح ضحيتها مئات المدنيين ممن يصفهم الفكر الوهابي بالشيعة " الرافضة " من النساء والرجال والاطفال والشيوخ .ولئن كان بن لادن زعيم منظمة أممية بعضويتها وأهدافها، والتي تسعى إلى قيادة حركة الجهاد العالمية ضد ما تسميه بـ" قوى الكفر والطغيان، وعلى رأسها الولايات المتحدة"، فإن نصر الله، قائد منظمة لبنانية التكوين والأهداف، وإن كان لها ارتباطاتها الاستراتيجية والمصلحية مع قوى إقليمية مثل إيران وسوريا.ومع أن لخطاب حزب الله بعداً " فوق وطني"، بالنظر إلى أنه يرى أن الصراع مع إسرائيل صراع الأمة العربية والإسلامية بأسرها، إلا أن الحزب في ممارسته لفعل المقاومة لا يتجاوز حدود الدولة اللبنانية، على النقيض من بن لادن الذي يرى في العالم كله ساحة ممكنة لـ " الجهاد" ضد الولايات المتحدة الأمريكية. أما نصر الله، منذ أن تولى قيادة حزب الله، لم يتورط في أعمال عنف خارج الساحة اللبنانية والمناطق الحدودية مع إسرائيل. ربما يكون صحيحا ان ابرز عناصر الاختلاف بين الرجلين تتجسد في أن رؤية بن لادن للعالم تقوم على المفاضلة بين الإيمان والفكر، بتقسيم العالم إلى "فسطاط إيمان وفسطاط كفر"، في حين أن رؤية نصر الله تتجاوز ثنائية الكفر والإيمان المتصلبة، وتقترب إلى الاعتدال السياسي، والتعاطي مع السياسات المحلية والإقليمية والدولية ، لكنه من الصحيح ايضا ان خطاب بن لادن لم يتمكن بسبب صداميته وتبسيطه الشديد للسياسة والعلاقات الدولية، من كسب تأييد النخب، بينما استطاع نصر الله بخطابه " البراغماتي" أن يستدرج تأييد النخب السياسية ، مثلما حاز إعجاب الجماهير في وقت واحد.وبالنظر إلى أن بن لادن تبنى أسلوب الخروج على الأنظمة العربية التي يصفها بـ"المرتدة"، خصوصاً النظام في المملكة العربية السعودية، فقد غدا طريداً من وطنه، إلى أن وجد ملاذاً لدى نظام طالبان في أفغانستان، قبل أن يطاح به على أيدي القوات الأمريكية في نهاية العام 2001. وهكذا، لم يحرص بن لادن على اكتساب الشرعية السياسية، لأن"جهاده" بحسب منطلقاته الفقهية السلفية لا يقر بشرعية الأطر القانونية والرسمية للدولة العربية والمجتمع الدولي .. وعلى العكس منه نصر الله الذي استطاع منذ انتخابه أميناً عاماً لحزب الله في العام 1992 أن يدخل الحزب إلى مؤسسات الدولة اللبنانية، التشريعية والتنفيذية، مما أكسبه الصفة الشرعية والتمثيلية في مؤسسات الدولة. وقد خلصت العديد من الدراسات والابحاث الى ان بن لادن وانصاره لا يتورعون في محاربتهم لأمريكا والأنظمة العربية الحليفة لها، عن استهداف المدنيين، مسلمين وغير مسلمين. فالمدنيون، وفق فكر القاعدة متترس بهم من قبل الكفار ويجوز قتلهم حتى لا يكون التترس بهم سببا في تقوية شوكة الكفر، ، بل إن أعضاء القاعدة يترخصون في دماء المدنيين بدعوى " أن من قتل من المسالمين يبعث على نيته يوم القيامة." بحسب احدى الفتاوى الفقهية لابن تيمية التي تتعارض مع مبادئ اتفاقية جنيف التي وقعت عليها كافة الدول الاعضاء في الامم المتحدة و تمنع قصف المدنيين اثناء الحروب حتى وان تمترست بهم الاهداف المقصودة بين الجيوش المتحاربة ".أما بالنسبة إلى حزب الله، فالقتال ضد إسرائيل موجه بالأساس إلى جنوده وآلته الحربية، وهو لا يستهدف المدنيين الإسرائيليين إلا مضطراً وكرد فعل على استهداف إسرائيل للمدنيين اللبنانيين، على حد قول حسن نصرالله.وفي سياق المواجهات الأخيرة بين مقاتلي الحزب وإسرائيل، أشار نصر الله، في خطابه المتلفز الذي بثته قناة "المنار" في 3 أغسطس الجاري، إلى أن القصف الصاروخي لحزب الله على مناطق شمال إسرائيل إنما هو رد فعل على قصف إسرائيل للمدن اللبنانية. وأكد أنه "على استعداد لوقف قصف البلدات والمستوطنات الإسرائيلية في حال أوقفت إسرائيل قصف القرى والمدن اللبنانية والأهداف المدنية"، ودعا إسرائيل إلى حصر المواجهة بين المقاتلين فقط.ويذكر أن حزب الله كان ممن دان استهداف القاعدة لبرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك معتبراً أن " قتل المدنيين الأبرياء لا يخدم أي قضية. "وبرغم أن الولايات المتحدة تضع حزب الله إلى جانب تنظيم القاعدة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، فإن دولاً كثيرة لا تصنف حزب الله كمنظمة إرهابية. هذا فضلاً عن أن الحزب في نظر الشعوب العربية حركة مقاومة ذات هدف مشروع وفق الشرائع والقوانين الدولية. يأخذ كثير من المعلقين العرب على زعيم تنظيم القاعدة أنه في غمرة عدائه الشديد لقوى "الكفر والإلحاد" (الاتحاد السوفيتي أولاً ومن ثم الولايات المتحدة) على حد قوله، غفل عن القضية المركزية للعرب والمسلمين، وهي قضية فلسطين.. فيما وجه نشاطه صوب كل الساحات في العالم، من أفغانستان مروراً بالبوسنة والهرسك والشيشان وصولاً إلى العراق، عدا ساحة الصراع العربي الإسرائيلي.وهو في ذلك يرى أن القوى الغربية الكبرى تستهدف البلاد الإسلامية انطلاقاً من عدائها "الصليبي" للمسلمين، لذا فإن الصراع بالنسبة إليه ديني، وهو امتداد للصراع الإسلامي الصليبي الذي يعود إلى القرون الوسطى. أما نصر الله، فقد وضع نصب عينيه على الصراع العربي الإسرائيلي، معتبراً أن إسرائيل هي العدو الأول للبنان والمنطقة، واستراتيجيته تنحصر في مقاومتها، دون فتح جبهات مع قوى دولية أخرى، كالولايات المتحدة، رغم أن نصر الله (كما في خطاباته خلال العمليات العسكرية الأخيرة) يقر بأنها تساند إسرائيل وتدعمها وتؤيدها في "احتلالها لفلسطين وعدوانها على لبنان."تأسيسا ً على ما تقدم يعتقد بعض المعلقين أن الشعوب العربية وجدت في حسن نصرالله تعويضاً عن القائد الذي تحلم به وتفتش عنه منذ رحيل الزعيم العربي جمال عبدالناصر. ومن هنا ليس غريباً أن يتجه بعض الكتاب والمحللين السياسيين الى المقارنة بين كاريزمية عبدالناصر ونصر الله، رغم الاختلاف الأيديولوجي بينهما. بل إن بعض كتاب اليسار العربي، أخذوا يعقدون مقارنة بين نصر الله والثائر اليساري الراحل تشي غيفارا.ومما له دلالة ان الناس اصبحوا منذ بدء الحرب اللبنانية الإسرائيلية ، يترقبون خطابات أمين عام حزب الله، ويتسمرون أمام التلفاز لمتابعة إيجازه الميداني والسياسي، وبعد انتهائها ينتظرون تحقيق ما وعد به من "مفاجآت المقاومة " كما اصبح مألوفاً رؤية صوره ترفع في التظاهرات التي خرجت في معظم المدن العربية منددة بـ "الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان"، ومشاهدة اللافتات التي يحملها المتظاهرون، والتي وصف فيها نصر الله بـ"رمز المقاومة"، و"سيد الأمة العربية"، وسماع هتاف الجماهير "يا الله يا الله انصر حسن نصر الله."وفي ظل الشعبية العربية والإسلامية التي حظي بها نصر الله وحزب الله، وطغيان كاريزميته على بن لادن، خلال المواجهات بين مقاتلي الحزب وإسرائيل، فسر بعض المعلقين خطاب أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، الذي بثته قناة "الجزيرة" القطرية في 30 يوليو الماضي، وتهديده بأن القاعدة " لن تسكت عما يجري في غزة ولبنان"، فسره هؤلاء المراقبون بأنه جاء - فيما يبدو - خشية من سحب حزب الله وأمينه العام بساط التأييد الشعبي والجماهيري من تحت القاعدة وزعيمها.ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة الآن.. هل تحوُّل نصر الله إلى رمز لمقاومة إسرائيل وهزيمتها في منظور المواطنين العرب، وهو ما تؤكده نتائج الاستطلاعات على المواقع الإلكترونية العربية والعالمية.. فوفق الاستطلاع المطروح على موقع شبكةCNN الاميركية يرى 75 في المائة من المشاركين أن حزب الله هو المنتصر في الحرب، مقابل 25 في المائة اعتقدوا بان قادة دولة إسرائيل وجيشها سيتمكنون من القضاء على أمين عام حزب الله خلال أيام معدودة !!.. وهذا ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، في خطابه أمام الكنيست في اليوم الذي بدأ فيه وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية (21 أغسطس الجاري)، إذ توعد نصر الله بالقتل قائلاً: "حسن نصر الله ... ميت لا محالة دون أي صلة بوقف إطلاق النار ... وحكمه سيكون حكم أحمد ياسين"!. يبقى القول أن نصر الله يختلف جذرياً عن بن لادن، بيد أن أهم ما يشترك فيه بن لادن ونصر الله أنهما مستهدفان.. فالأول مستهدف أمريكياً، وهو يلوذ بكهوف الجبال أو بإحدى القبائل على الحدود الأفغانية الباكستانية، بعيداً بآلاف الأميال عن وطنه وأهله.. وأما الثاني فهو مستهدف إسرائيلياً، إلا أنه متوار عن عدوه بين قومه وعلى أرضه.. وقطعاً لن يضيع "عدو" كل واحد منهما أي فرصة للقضاء على خصمه.!
نصر الله خطف من بن لادن الأضواء والأنصار والقلوب
أخبار متعلقة