لا تزال كتابة (النص المترابط) في ثقافتنا العربية محدودة جدا بل أشبه بالمنعدمة ، ودونها الكثير من القيود التي لا تزال تقلل من أهمية الانتقال إليها في الوعي والممارسة. فهو ليس فقط تعبيرا عن نزوة أو رغبة ذاتية، ولكنه نتاج صيرورة من التطور في فهم النص والوعي به وممارسته. وكنا قد أوضحنا أن الانتقال إلى النص الإلكتروني ونظيره النص المترابط ما كان ليتحقق لولا الإنجازات التي تحققت في الحقبة البنيوية سواء على الصعيد النظري أو التطبيقي ، فهناك صيرورة وتطور، حيث يترابط اللاحق بالسابق. توجد دلالات هذا النص الذي سطّره الأستاذ يقطين في كتابه من النص إلى النص المترابط لأنه فعلا ما زالت الكتابة العربية تعاني من شحة في كتابة (النص المترابط – التفاعلي) لأنها لم تزل تحاول الدخول في عالم المعلوماتية وشبكة الإنترنت. وبمراجعة سريعة لمعدل تنامي التثقيف الحاسوبي في العالم العربي منذ صدور ذلك الكتاب ليقطين – 2005 نجد أن مستوى التعاطي والتعامل مع الآلة الحاسوبية (الكومبيوتر) أفضل من العقود السابقة لأنها دخلت في مجالات كثيرة منها: - المدرسة: كدرس ثانوي. - البيت: كسلعة منزلية مهمة. - التواصل: كوسيلة اتصال ضرورية. - التسلية: كوسيلة ترفيه. هذا يعني أن الإنسان المعاصر من أقصى بقاع الأرض إلى أقصاها استثمر تقنيات التكنولوجيا، مع الفارق في مستويات الإنتاج والاستهلاك والاحتراف في التعامل معها أو البدائية، لكن بالجملة فالمجتمعات قد دخلته، لذلك يمكننا أن نقول (نحن في عصر التقنية ولا سيما الحاسوبية). بقي سؤال: إذن لماذا العزوف عن كتابة الأدب الرقمي – التفاعلي من قبل أدباء العربية المعاصرين، وهو ابن هذا العصر؟ الجواب في الفقرة الأخيرة من نص يقطين السابق إذ قال (فهو) ليس فقط تعبيرا عن نزوة أو رغبة ذاتية، ولكنه نتاج صيرورة من التطور في فهم النص والوعي به وممارسته. وكنا قد أوضحنا أن الانتقال إلى النص الإلكتروني ونظيره النص المترابط ما كان ليتحقق لولا الإنجازات التي تحققت في الحقبة البنيوية سواء على الصعيد النظري أو التطبيقي. فهناك صيرورة وتطور، حيث يترابط اللاحق بالسابق. أي أنه نتيجة للانخراط في العصر ومهماته، وفعلا أخذت تلك النتيجة تظهر مع بوادر كتابة الرواية الرقمية على يد المبدع سناجلة والآن نحن مع كتابة القصيدة الرقمية الأولى على يد المبدع مشتاق عباس معن. إذن فالأدب أخذ يدخل رويداً رويداً في هذا المجال، وإن جاء متأخراً عن النقد، وهي مفارقة جديدة، فالنقد عادة يأتي بعد الإبداع أي أنه راصد لعملية الإبداع وردة فعل عليها، لكن هذا الأمر أيضاً تغير منذ أن دخلنا عصر الحداثة، إذ أصبح (الناقد المبدع)، أي شاعراً وروائياً وقاصاً ومسرحياً، حالة جد ضرورية، بل أصبحت من أبجديات العمل الإبداعي. فقد جاءت مرحلة البيانات والصياغات التنظيرية مهاداً لتغيير الكتابة الإبداعية ولاسيما الشعر منذ المراحل الأولى من عصر الحداثة، ففي النسخة العربية كانت بيانات نازك وجماعة شعر والستينيين وغيرهم. وما حدث الآن مع الأدب الرقمي هو امتداد لمجريات ذلك الأمر فهو نتاج حداثي أيضاً إذ مهّد النقاد للمبدعين خطاهم، فهضم المبدعون الأسس وكتبوا نصوصهم الإبداعية. ولم يتوقف الأمر عند حدود الإنتاج الإبداعي، بل تعداه إلى طرح التصورات النقدية أيضاً: كتصور الروائي الرقمي المبدع سناجلة (الواقعية الرقمية)، وتصور الشاعر الرقمي المبدع مشتاق عباس معن (المجازية الرقمية). فهو ليس تأخراً بقدر ما هو (نتيجة) طبيعية لتهيّؤ المجتمع، وامتداد ممارسة (حداثية) إن جاز لنا التعبير.
ما سر العزوف عن الكتابة الرقمية
أخبار متعلقة