الجزائر / متابعات :شرعت المحاكم الجنائية في الجزائر منذ قرابة الشهرين في برمجة جلسات لمحاكمة أمراء وعناصر الجماعات المسلحة، إيذانا منها بإغلاق باب العمل بتدابير المصالحة الوطنية التي انتهى العمل بها قانونا في 31 أغسطس من السنة الماضية، وإن كانت السلطات العليا قد فضلت إبقاء باب التوبة مفتوحا لستة أشهر إضافية، ويربط المتتبعون بين هذا القرار الذي ترافقه عملية عسكرية واسعة لملاحقة الإرهابيين وبين اندماج آخر تنظيم إرهابي والجماعة السلفية للدعوة والقتال في صلب تنظيم القاعدة، حيث أصبح اسمها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.و قد حكمت المحكمة الجنائية بتيزي وزو (منطقة القبائل شرق العاصمة) على الأمير الحالي للجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر عبد المالك دروكدال (37) عاما المكنى بأبي مصعب عبد الودود، بالإعدام في 21 مارس/آذار بعد إدانته بـ"تشكيل مجموعة مسلحة وتدمير ممتلكات عامة باستخدام متفجرات ومحاولات سرقة" بحسب الصحف الجزائرية.وقد قضت المحكمة الجنائية بباتنة (430 كلم جنوب شرقي العاصمة) أيضا يوم27-03- 2007 غيابيا في حق المتهم نفسه، بالسجن20 عاما بعد إدانته بتهمتي "المساس بأمن الدولة" و"تشكيل مجموعة إرهابية". وحُكم على عبد الودود بغرامة قيمتها500 ألف دينار ( خمسة آلاف أورو)، وحكم كذلك على عشرة أعضاء آخرين في الجماعة التي أصبحت تطلق على نفسها "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي"، غيابيا بالسجن 20 عاما وبالغرامة ذاتها.ومن جهتها نطقت محكمة الجنايات بمجلس قضاء الجزائر العاصمة في الأسبوع الثاني من شهر مارس بالسجن المؤبد في حق الإرهابي الملقب بالقعقاع والذي كان ينشط بولاية البليدة القريبة من العاصمة تحت إمارة كل من "حسان زيتوني" و"عنتر زوابري" و"أبو تراب" وهم على التوالي أمراء الجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر، وقد وجهت له تهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية مسلحة.وكانت محكمة الجنايات بباتنة في سياق متصل قد نطقت قبل أسابيع بالإعدام في حق 37 إرهابيا، بينهم حسان حطاب الأمير السابق للجماعة السلفية للدعوة والقتال ومختار بلمختار المدعو "الأعور"، مسؤول ذات التنظيم في الجنوب الجزائري.وبالموازاة مع ذلك، فتح مجلس قضاء الجزائر الأسبوع الماضي ملف الجهاديين الجزائريين في أفغانستان، ويتعلق الأمر بكل من المتهم مهيدي المدعو "عزيز الله أبو عامر"، والمتهم بولغيثي المكنى "أبوطارق"، اللذين تتابعهما السلطات الجزائرية أمام القضاء بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية تنشط بالخارج، وفي حالة هذين المتهمين فتقول المعلومات المتوفرة أنهما نشطا في الحزب الإسلامي الأفغاني بقيادة الزعيم الأفغاني قلب الدين حكمتيار.ويحدث هذا في وقت تقوم قوات الجيش الجزائري منذ ما يزيد على 15 يوما بأكبر عملية ملاحقة للإرهابين في جبال جرجرة بمنطقة القبائل الصغرى وفي مناطق أخرى من البلاد، وقد أسفرت العملية في أيامها الأولى بجبال بجاية عن مقتل الأمير صهيب وتسعة إرهابيين آخرين معه، وهؤلاء ينتمون بحسب مصادر أمنية إلى تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وقد أدى حصار الجيش لهذه الجماعة الإرهابية بأهالي المنطقة إلى مغادرتها إلى حين الانتهاء من العملية، التي استعمل فيها الجيش المروحيات والمدفعية الثقيلة.وقد سبق للرئيس بوتفليقة الذي يحتفظ بحقيبة وزير الدفاع منذ اعتلائه كرسي الرئاسة لأول مرة في عام 1999 أن هدد في عدة مناسبات بملاحقة الإرهابيين الرافضين للسلم، وقد بادر بوتفليقة غداة انتهاء العمل بقانون الوئام المدني في يناير/كانون الثاني من عام 2000 بحمل سيف الحجاج ضد المسلحين في عملية عسكرية واسعة، ويبدو برأي المتتبعين أن ما يجري حاليا هو عملية "سيف الحجاج الثانية" التي تأتي بعد أزيد من ستة أشهر كاملة من انتهاء العمل بتدابير ميثاق السلم والمصالحة التي انتهت قانونا في 31 أغسطس 2006.و أوضح المحامي فاروق قسنطيني ورئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان حول حظوظ عناصر الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي تحولت إلى فرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في الاستفادة من المصالحة الوطنية، أنه لم تبق هناك إمكانية لكي يستفيد هؤلاء من المصالحة لعدة أسباب منها أن الرئيس بوتفليقة لم يمدد العمل بقوانين ميثاق السلم والمصالحة التي انتهت صلاحيتها في الواحد والثلاثين من شهر أوت المنصرم، وبسبب أن عناصر هذا التنظيم استمروا في القتال، وهذا يتناقض مع فكرة المصالحة ونبذ العنف.ومن المعروف أن رئيس الحكومة الجزائري عبد العزيز بلخادم قال عقب انتهاء آجال العمل بتدابير المصالحة إن "ميثاق المصالحة غير مربوط لا بالزمان ولا بالمكان وأنه حيث يكون السلم فثمة نكون"، لكن قسنطيني الذي يوصف بأنه "عرّاب السلطة" في مجال حقوق الإنسان في الجزائر، له رأي مخالف الآن، بحيث اعتبر أن ما صدر عن بلخادم آنذاك كان مجرد رأي سياسي بينما يتعامل القضاة اليوم مع القانون في حالات هؤلاء المسلحين، وهو ما يفسر بحسبه استئناف مجالس قضاء الجمهورية محاكمة أمراء الإرهاب وعناصر الجماعات المسلحة.ويرى المحلل السياسي عبد العالي رزاقي أن إقدام السلطة على محاكمة عناصر الجماعات المسلحة وأمراء الإرهاب في هذا الظرف بالذات له علاقة بالانتخابات التشريعية القادمة، لأن الهدف منها هو محاولة تخويف الناس من الإسلاميين، ويأتي هذا بعدما انتزعت السلطات حركة الإصلاح الوطني من الشيخ عبد الله جاب الله وسلمتها لخصومه السياسيين الأقل تشددا منه، وبالنتيجة سيكون التيار الإسلامي هو الخاسر الوحيد في الموعد الانتخابي المقرر في 17 مايو القادم.ويرى رزاقي كذلك في تصريح لـ"العربية نت" أن محاكمة الإسلاميين فيها مغازلة للتيار الذي عاد للواجهة ممثلا في شخص سعيد سعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، حيث تنوي السلطة تغييرا في الخارطة السياسية لإحداث نوع من التوازن في خطابها.وبالنسبة للأستاذ في كلية العلوم السياسية والإعلام عبد العالي رزاقي فإنه من المستحيل أن يستفيد عناصر الجماعة السلفية للدعوة والقتال من تدابير المصالحة بعد انضمامهم لتنظيم القاعدة، لأن السلطة قررت غلق ملف المصالحة بلجوئها إلى هذه المحاكمات.