أيام سوداء مقرفة نعيشها بتفاصيل موحشة ومحزنة ومملة على قاعدة أغنية الفنان الشعبي الراحل حسن الأسمر (كتاب حياتي يا عين ما شفت زيه كتاب .. الفرح في سطرين والباقي كله عذاب) .. ولا نعلم متى سينتهي هذا العذاب واللحن الحزين الذي يعزفه مسؤولونا بكل حرفية ومهارة واقتدار.
على الجميع أن يدركوا جيداً، وأقولها بكل ثقة وايمان واحساس بالمسؤولية، انه لن تقوم لنا قائمة ولن نخرج من شرنقة هذا الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والنفسي إلا بإيلاء المزيد والمزيد من الرعاية والاهتمام الكبير لجنود ومقاتلي وذخيرة العلم والمعرفة من معلمين وتربويين وأكاديميين فهم شموع اليوم ومشاعل الغد الجميل الذي ننشده جميعاً وبألق منقطع النظير، أما أن تستمر مسيرة حياتهم الصعبة والمؤلمة في سفر يومياتهم الحبلى بالنواقص والرتابة والتكلس وقلة الحيلة في رواتب لا تسمن ولا تغني من جوع وعدم وجود أي حوافز ولو بأضعف الايمان وبما يعزز ويرسخ دورهم الوطني والانساني والاخلاقي وصيغة حركتهم الحضارية والتنويرية في بناء أجيال وطنية وقومية متسلحة بالعلم والمعرفة والأدب والبناء الخلاق.
ان طريق بناء وتقدم وتنمية اي شعب في العالم ياسادة القوم وولاة الأمر رهن، وبشكل أساسي لا يقبل الجدال ابداً، بما تقدمه الدولة والحكومة أي حكومة وفي أي مكان في العالم حتى في (تنكة بلاد النامس) و(بلاد الواق واق) من اهتمام ورعاية وتحفيز دائم وهادف ومستمر لا ينتهي ولا يتوقف عند حد ولا أظن ان أحدا يعيش على كوكب الأرض يخالفني هذا الطرح.
جميعنا يعلم أن أوروبا القارة العجوز لم تعرف التطور والتقدم العظيم الذي تعيشه اليوم إلا بعد عصر النهضة وبزوغ شمس الثورة العلمية والصناعية على يد نخبة من العلماء والمخترعين والاكاديميين والمعلمين وقادة الفكر والمجتمع الذين زرعوا النور والأدب والفن والجمال في كل ركن وزاوية ليحصدوا هذه الهالة العلمية والصناعية والفنية والابداعية، من رحيق وعصارة فكر وجهود وعطاء وابداع هذه النخبة العلمية والمعرفية الأدبية والايدي التي رسمت مشهداً انسانياً وعصرياً وحضارياً ووجودياً لامس التقدم والبهاء والجمال في أروع صورة ممكنة بعيداً عن حماقات وزمبلة المزمبلين ورتابة وتكلس المتقاعسين النائمين نومة أهل الكهف منذ وقت ليس بقصير.
أعيدوا للمعلم حقه في مختلف واحات وبساتين وحقول فصولنا الدراسية والعلمية والفنية والأدبية الابداعية هنا وهناك في هذا المجال أو ذاك .. اعيدوا له بريق حيويته وابتسامته التي فقدت لمعانها وأريج وشذى عطرها الذي جفت ينابيعه وبشكل يدمي القلب حقاً ويرسم في أعماقه غصة وأي غصة بحق.
لن نخرج من وحل ومستنقعات هذا الواقع الأحمق والمؤلم والمهين إلا بتحسين أوضاع المعلمين والمعلمات (مادياً ومعنوياً) من الألف وحتى الياء حتى تشرق شمس الوطن العظيم والجميل التي نحلم بها بشغف أخاذ بعيداً عن كل هذا التسيب والاهمال والظلم ودنيا التهريج والمهرجين الذين عاثوا في الأرض فساداً.