القاهرة / وكالاتمفاجأة سارة لمحبي التراث العربي بصفة عامة، وشعر أبي العلاء المعري بصفة خاصة، فقد عثر باحث مصري على 146 بيتا، غير معروفة للمعري، إضافة إلى قصائد أخرى عديدة يصل عدد أبيات بعضها إلى ستين بيتا. كيف حدث هذا؟ وهل يمثل الكشف نقطة انطلاق، للمطالبة بضرورة إعادة اكتشاف تراثنا والبحث عن المفقود منه؟ وهل تكتسب هذه الدعوة دعما إضافيا، إذا علمنا أن المفقود من شعر أبي العلاء وحده يتجاوز العشرة آلاف بيت شعري؟!.بدأت القصة عندما كان الباحث يحيى عبد العظيم يعد رسالة الدكتوراه الخاصة به (نوقشت مؤخرا بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة)، حول تحقيق كتاب "لمح الملح" لأبي المعالي الحظيري. وأثناء عمله لاحظ الباحث أن المؤلف، ينسب أبياتاً شعرية مجهولة لشعراء معروفين، على رأسهم أبو العلاء، استوقفه الأمر وبدأ رحلة من البحث، ويقول الباحث شارحاً: "رصد الحظيري 3432 بيتا؛ ربعها تقريبا ـ وهو ما يزيد على الثمانمائة بيت ـ نسبه الحظيري إلى أصحابه، وهو ما لم نجده في مصادر أخرى. ويزيد تقديرنا لهذه المخطوطة، إذا علمنا أن مؤلفها يقدم كثيرا من الشعر، الذي لم نجد له مصادر إلا هذا الكتاب، وينسبه المصنف إلى قائليه. فمثلا يضيف الحظيري مئة وستة وأربعين بيتا من الشعر لأبي العلاء المعري لم نعثر لها على أثر في مصادر أُخرى؛ غير بيتين موجودين عند ابن أبي الإصبع في كتابه "تحرير التحبير". كما يضيف إلى مجموع ديوان أبي الفتح البستي ستة وثمانين بيتا، بل ويضيف شاعرا جديدا لم نكن نسمع عنه من قبل، وليس بين أيدينا ديوان مطبوع، أو مجموعة شعرية له، وهو القاضي الحشيشي، الذي لم أعثر له على ترجمة إلا ما ذكر في "تتمة اليتيمة".لكن ما عثر عليه عبد العظيم لم يتوقف عند حدود مخطوطة الحظيري، فأثناء رحلة التحقق من مدى صحة نسب الأبيات التي سجلها الحظيري لأصحابها، عثر الباحث على مفاجآت أخرى، يقول عنها: «أثناء عملي على أطروحتي كان ينبغي أن أتتبع هذه الأبيات للتدقيق فيها، فقادني البحث إلى مفاجآت حقيقية، وبعد رحلات في عدة مخطوطات لم تحقق، عثرت على قصائد كاملة منسوبة لأبي العلاء وغير موجودة في ديوانه المطبوع، ولا حتى في "شروح سقط الزند"، ولا في اي أثر من آثاره، وقتها تذكرت مقولة كنت قد قرأتها في كتاب للدكتور عبد المجيد دياب، أكد فيه أن ما فقد من شعر أبي العلاء يزيد على العشرة آلاف بيت".لم يحصر الباحث بعد مجموع الأبيات التي عثر عليها بالكامل، لكنه يقوم حاليا بتحليلها، ويقول: «لم أحصر الأبيات كلها بعد، لأنني كنت منشغلا بأطروحتي، لكن من بين ما عثرت عليه قصائد طوال يتجاوز بعضها الستين بيتا، ويمكن تبرير عدم وجودها في ديوانه بأحد أمرين: الأول، هو أن هذه الأشعار كانت من بين ما فقد من شعره، أما الثاني فيرد الأمر لأبي العلاء نفسه، حيث يحتمل أن تكون هذه الأشعار، تنتمي لفترة الصبا، ولم يشعر أبو العلاء، هو نفسه بالرضى عنها، فأهملها بينما اثبتها من ترجموا له. عموما تحتاج هذه الأبيات والقصائد إلى دراسة عميقة لكشف بعض أسرارها".لكن على أي أساس تم الجزم بأن الأبيات المكتشفة، هي لأبي العلاء بالفعل؟ سؤال يجيب عنه يحيى عبد العظيم بقوله: "في مخطوط الحظيري، كان المؤلف ينسب الأبيات لأبي العلاء، ولم أجد أثناء رحلة البحث ما يدحض هذه التأكيدات أو ينسب الأبيات لآخرين. والأمر نفسه انطبق على ما عثرت عليه في المخطوطات الأخرى من أبيات منفردة وقصائد كاملة. غير أنني لم أكتف بذلك، بل عكفت على دراسة الأبيات ومقارنتها بأسلوب أبي العلاء وقوافيه، لأتأكد في النهاية من أن الأبيات له".بعد هذه الاكتشافات ألا يستدعي الأمر إصدار طبعة جديدة من ديوان أبي العلاء، تضم ما تم العثور عليه، خاصة أن عدد الأبيات والقصائد المكتشفة، لا يمكن الاستهانة به؟ سؤال يرد عليه عبد العظيم مؤكدا: "أنا أسعى حاليا لجمع ما عثرت عليه من أشعار ابي العلاء المفقودة في كتاب خاص، تتصدره قراءة تحليلية لمضمونها، خاصة وأن بعضها يقدم رؤى جديدة عن الشاعر، وينفي عنه تهمة الزندقة. لكن الأمر لا يقتصر على تراث أبي العلاء فقط، بل يجب أن يمتد لآخرين: "الأمر يتطلب إعادة نظر في تراثنا كله. فأنا، مثلا، أعمل الآن على تحقيق مخطوطة تتناول امرئ القيس، وقد عثرت فيها على أبيات جديدة لا يضمها ديوانه، والأمر نفسه ينطبق على شعراء آخرين كتب عنهم الحظيري، ونسب أبياتا لهم لم تكن معروفة مثل البحتري والحريري صاحب المقامات الشهيرة ومهيار الديلمي وغيرهم. أود أن أقول إننا ينبغي ألا نجزم بأن ما وقع تحت أيدينا من التراث هو كل التراث. فنحن نعلم ما حدث لمكتبة بغداد التي ألقيت في نهر دجلة، وما حدث لمكتبة القاهرة في العصر الفاطمي من سلب ونهب، وما أصاب المكتبة الأندلسية عند سقوط الأندلس، كما أن خمسة وتسعين في المائة من تراثنا، يقبع في مكتبات الغرب. كل هذا يشير إلى أن التراث في حاجة إلى من يقتحمه، لأن النتائج ستكون بالغة الإفادة، وربما نعثر مثلا على آلاف الأبيات المفقودة لأبي العلاء".