ثلاثة أحداث شكلت حقيقة الحراك الذي يعيشه التيار الإسلامي في السعودية بأضلاعه الثلاثة، الحركي والتقليدي والرسمي، حيث انطلقت في الجوف فعاليات الحوارالوطني الذي اختص بقضية إصلاح التعليم، والتي لا تزال هاجساً مؤرقاً للتيار الإسلامي بشكل عام ، حيث الدفاع عن المناهج الدينية بصيغتها الحالية كجزء من الهوية المضادة الدفاعية تجاه أي دعوات للتغيير أو المراجعة بما يلائم المناخ العالمي الجديد. وهو الذي تشكل على خلفية الحادي عشر من ستبمر حين تحول ملف التطرف الديني إلى ملف سياسي بامتياز، بعد أن كان ينظر إليه كإشكالية اجتماعية خاصة بمجتمعات العالم الثالث، وليست وقوداً إيديولوجياً بإمكانه أن يغير وجه العالم بصورة مرعبة وعنيفة.. الحوار حول التعليم في مجمله كان جيداً وهناك مداخلات مثيرة للاهتمام طرحت إشكالية التعددية المذهبية، وأيضاً ملائمة مخرجات التعليم لدينا باحتياج السوق في ظل بقاء شبح البطالة مخيماً على العلاقة الشائكة بين القطاع الخاص الذي يتذرع بعدم التأهيل، وحرص وزارة العمل على تقديم حلول سريعة، لمواجهة معضلة ملحة تطال أكبر شريحة سكانية في المملكة .. اللافت في الموضوع أن الكثير من المداخلات حول التعليم أشادت بدور الكليات الأهلية في إحداث نقلة نوعية على مستوى ملائمة التعليم للتطورات الاقتصادية العملاقة التي تشهدها المملكة .. أحد هذه الكليات الناجحة ذات الفلسفة التعليمية الخاصة تعرضت في أول تجربة ثقافية لها إلى احداث شغب كلامي وعنفي بسبب استضافة شخصيات حداثية، لا تزال تحظى بعداء التيار الإسلامي منذ الثمانيات، مع أنها تعرضت للكثير من التغير وربما الاقتراب كثيراً من خطاب المعتدلين من الإسلاميين، وهي ظاهرة جديدة في المشهد العربي بشكل عام يمكن توصيفها باستراحة المحاربين القدامى !الحدث الثالث كان سابقة إيجابية في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين شخصيات إسلامية حركية، وبين شخصيات من داخل المؤسسة الغربية، حيث التقى الشيخ سلمان العودة بشخصيات سياسية بريطانية في مجلس اللوردات بلندن، كما التقى على هامش مشاركته في حفل انطلاقة بعثة الحج البريطانية وزيرة الخارجية مارجريت بيكيت، وبعد ذلك خاض العودة نقاشاً مطولاً مع مجموعة من الأئمة والخطباء في مسجد شرق لندن حول وحدة الكلمة، والتعامل الأمثل مع الخلاف بين السنة والشيعة، والمذاهب الفقهية، واستخدام المنابر لتكريس الخلافيات.ما الذي يجمع هذه الأحداث الثلاثة إذا ما أردنا أن نعيد قراءة التيار الإسلامي في هذه الآونة ؟في اعتقادي أن ثمة تحولات كبيرة طرأت على قضايا هذه التيارات وقضايا رئيسية بسبب انتقال الصف الأول من نجوم الصحوة إلى صف الاعتدال، وإن لم يتماسوا مع منطق الخطاب الديني الرسمي بعد هذا الانتقال. وللأسف الشديد تؤكد كل الشواهد على أنه انتقال فردي شخصي لم تساهم هذه الأسماء الرنانة في استثمار وضعيتها الجديدة للخروج بآراء صريحة وجادة، تعبر عن تراجعات يمكن أن تأخذ معها عدداً هائلاً من الأتباع والطلاب والمتأثرين. فهؤلاء الآن باتوا أمام خيارات مفتوحة في الانتقال إلى قيادات شابة لا تملك الرؤية الشرعية المؤهلة، ولا حتى الكاريزما الدينية، مما ينذر بفوضى على مستوى المرجعيات الدعوية داخل مجتمع الصحوة الخاص والمغلق، حتى على أولئك الذين كانوا بالأمس في اللباب منه.القضية في نظري أعمق من سجال حاد هنا أو شغب يدل على مراهقة دينية هنالك، فهناك تحولات جديدة طرأت على المشهد برمته، فيما رافق تلك التحولات انزياح شرائح عديدة من المجتمع باتجاه الصوت الجديد الذي تشكل من مزيج من الصحفيين والأدباء والتكنوقراط والمتحولين عن التيار الصحوي، إضافة إلى شخصيات وطنية عامة. هذا المزيج الذي أطلق عليه تجاوزاً »التيار الليبرالي«، ومع كونها ليست سبة ولا تنقصاً، بقدر ما هي خيار فكري، فهي لا تعبر عن حقيقة هذا الصوت الذي قالت وكالة رويرتز مؤخراً عنه: »إن الإسلاميين باتوا يخشون تفوقه« الأمر الذي لا نعتقده أو نتبناه، بقدر اننا نرصده للقارئ من أجل القاء الضوء على جانب من هذا الجدل القائم، وفي الختام فليس تعدد الأصوات بل المهم أن تكون كلها تتحدث في أذن الوطن الواحد.* نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية
أصوات سعودية
أخبار متعلقة