غضون
- أحد المتطرفين دينياً كان أمس قد حمل على عاتقه مهمة كبيرة .. دخل المتحف الوطني بالعاصمة حاملاً قنينة فيها مادة الكيروسين ليحرق بها نسخة تاريخية من التوراة وقيل أيضا إن تمثالي ذمار علي وابنه نجيا من الرجل الذي أراد أن يحطمهما بوصفهما من الأصنام.. رغم أن التمثالين لا يعبدان ولا هما من صنف اللات وهبل والعزى أو من صنف الأصنام التي عبث بها إبراهيم عليه السلام فالمتطرفون لا يفرقون بين “ ذمارعلي “ وبين “ اللات والعزى” ! أيام حكم حركة طالبان الأصولية في أفغانستان أفتى الملالي بوجوب تدمير تماثيل منحوتة في الجبال من أيام بوذا ومر عليها الفاتحون وتعاقبت الحكومات في ذلك البلد المسلم طيلة ألف سنة ويزيد وظلت تلك التماثيل صامدة ومرعية كونها مفخرة تاريخية بينما اكتشفت طالبان أن تلك أوثان وراح رجالها يقذفون التماثيل بالمدافع والصواريخ مهللين ومكبرين ولم تردعهم عن مناطحة الجبل كل المناشدات الدولية ولا حتى الشيخ القرضاوي الذي ذهب هو وبعض رجال الدين إلى هناك يتوسلون لطالبان بالدين دون جدوى.- وذلك الذي كان بصدد تلك المهمة في المتحف الوطني أمس لن تردعه هو وأضرابه أي فتوى حول احترام الآثار واللقى التاريخية حتى لو صدرت من شيخ الأزهر أو أبي هريرة فالقوم لديهم إشكالية مع كل الآداب والفنون والآثار التاريخية ويتعين على وزارة الثقافة وهيئة الآثار أن تدرك أن ما حدث أمس فعل يدل على أن لدى المتطرفين توجهاً لضرب الآثار التاريخية في اليمن حتى وهي محفوظة في المتاحف بعد أن نجحوا في تدمير آثار مكشوفة في العراء في مناطق مختلفة من البلاد.. وهم لا يعدمون المبررات فالتمثال بنظرهم صنم وكل اللقى الأثرية والوثائق التاريخية النادرة يعتبرونها من “ الشركيات” وفي أقل تقدير هي عندهم من التوافه التي تشغل الناس عن الدين.- المتطرفون دينياً لديهم مشكلة مع الآثار التاريخية لأنها بنظرهم أشياء من الماضي «الوثني» بينما هم يعيشون على مخلفات الماضي ويتصرفون وفق تلك المخلفات، ويتعبدون بقمامات تاريخية.. رأس مالهم هو الماضي بل أسوأ الأشياء في ذلك الماضي، وأسقط ما أنتجه التاريخ الإسلامي في موضوعات الفكر والثقافة والعقائد والسلوك، بما في ذلك التراث الفقهي الذي تصرف على أساسه محطم الأصنام أمس! وهو تراث مكانه المناسب هو المتاحف وليس المدارس والمكتبات والمساجد!! .- بقي أن نقول إن واقعة أمس داخل المتحف الوطني بالعاصمة كان بطلها يعتزم إحراق النسخة التاريخية من العهد القديم وتحطيم التمثالين بأدوات بسيطة. مثل قنينة مياه هي في الحقيقة معبأة بمادة مشتعلة.. وهذا يعني ضرورة التدقيق في تفتيش رواد المتاحف.. فالأصل أن المرء يدخل المتحف خالي الوفاض كما يقولون ليخرج ممتلئاً بالدهشة والمعرفة والفخار وبيده تذكرة تدل على أنه دفع الضريبة للخزينة العامة.