أديب قاسمعند التصدي لدراسة التراث الشعبي، أصبح من البديهي أن نرى فيه المعبر الحقيقي عن الأصالة وعن الحياة الروحية للشعب، وحيث أن لكل شعب حكاياته المأثورة، وغالباً ما تتشابه هذه الحكايات لدى جميع الشعوب مما جعلها تأخذ صفة النص العالمي.واعتباراً بأن الحياة بناء متعدد الجوانب فقد ظل الأدب الشعبي -على وجه الخصوص- يؤدي دوره المميز عبر مختلف الأزمان، منذ أن أمتلك الإنسان القدرة على التعبير، فلطالما كان هذا الأدب مستودعاً لتجاربه وخبراته وتأملاته في الحياة، يعكس ما في نفسه من أشواق وتطلعات، ومن أحاسيس خفية غامضة ارتبطت بعناصر هذا الكون، وقد أفضت به إلى تشوف عوالم سعيدة؟وما كان الفنان الشعبي بنسجه لهذا الأدب ليميز بين الخير والشر فحسب، وإنما كان بذلك يفرغ معاناته نظير هذا التطلع، فيما كان يبحث عن تسلية الحياة، وعلى هذا الأساس كان انتجاعة لتدابير أدبية عبر أشكال من التعبير الفني، وهو مما كان يعمق احساسه بجمال الوجود حين ينفعل بالشيء فيسعد، أو حين يضيق به فيسعى إلى تجاوزه ليصور تحت واقع شعور عاطفي بالغبن تلك الابعاد ذات السمات الجمالية التي كان يطمح إليها كي تتحقق، ويكاد - أحياناً يخفيها في أدبه حيال قوى متسلطة!.. وكان يفعل ذلك ليتخطى أزمته أو أزمة واقعه بالانتقال من الكون إلى التكوين، وذلك بما في جوهر الإنسان وجوهر هذا الكون من إمكانات للعيش السعيد عن طريق إعادة بناء الحياة أو إحداث التغيير في بنية عناصر هذا الوجود.. فيكون الانتقال من وجوده وسط ظروف معيشية صعبة نحو تحسين ظروف هذا العيش وتحقيق أكبر قدر من الاستمتاع بالحياة.إذن، فقد كانت لعمليات الخلق الأدبي التي تتخلق في رحم الإبداع الشعبي- بدلالاتها النصية من الاعتبار بأن النص هو انعكاس لواقع مكاني وزماني- وظيفة سامية ضمن عمليات بناء هذا الكون، طالما جاءت تخاطب وجدان الإنسان في كل زمان.. وطالما كان الأدب الشعبي في أساسه هو نتاج إبداع فردي لمتأمل موهوب أوتي حظاً كبيراً من الفطنة. وذلك من شأن الأديب في عصرنا إذ تنعقد في احاسيسه أدوار من المعرفة وقد جعلت تقوده نحو غاية ما عبر كل ظرف يمر به من ظروف الجمال، مما قد تلوح بارقته في هذا العالم، أو قد ينطوي عليه البعد النفسي المتخيل- بصورة استثنائية- للأديب المبدع، فيتحسن بشيء خفي يحفزه من وراء الغيب إلى غاية.. وحتى يدرك أن وجوده إنما ينطوي على رسالة عليه أن يبثها هذا العالم!والحكايات الشعبية هي أبرز وجوه هذا الأدب بما حظيت من تقبل عام لدى مختلف الشعوب, ومن سيرورة عبر الأزمان إذ أنها قد أنطوت على عنصر خلودها بما لها من قدرة على مخاطبة الكل، وبما لها من قوة طبيعته على الاستمرار والبقاء.. وذلك لما كان القاص الشعبي يدرك أن العامة أو من يمثلون الحس العام هو الذين ترجع إليهم القيمة الإنسانية لهذا الأدب.. وتعود تلك القيمة إلى أنه استطاع أن يجسد مرحلة من تجارب البشر تمكنت جذورها في ضمائرهم وهيمنت عليهم بإحساس جماعي غامض.. فكان المصير الإنساني هو الذي يرتكز عليه هذا الأدب. ومن هنا كانت هيمنة الأثر الفني على الشعب. وكان هذا أهم أسباب شيوعها وانتشارها في العالم.والحكايات الشعبية بما أنها الحلقة الرئيسة من حلقات هذا الأدب.. فقد أنصب عليها اهتمام المربين وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء الأنثروبولوجية والأدباء على اختلاف أنواعهم وبالأخص كتاب أدب الأطفال.. يتقدمهم جامعوا الفولكلور الذين عملوا على تدارك نصوص هذه الحكايات قبل أن تندثر تحت عوامل التمدن الحديث التي تقضي بمتطلبات عصرنا!.. فأي خسارة ربما كانت تلحق بعالم الأدب إن فقدنا هذا التراث الذي ما إن تداركته بعض المؤسسات والأفراد وبالإستفادة من الأصل التراثي في الحكايات الشعبية حتى نهضت على أركانه شوامخ الأدب الإنساني العالمي منذ الإغريق أو عصر بركليس إلى وليم شكسبير في العصر الاليزاباثي ثم عصر النهضة الأوروبية وحتى بعض نتاجات عصرنا حين أدركت مدى أهميته وعمق تأثيره في تأصيل ما ننسج من أدب قومي بمترع التواصل الإنساني مع النتاج الأدبي الحضاري الممتد عبر هذا العالم؟! فالحكايات الشعبية بما لها من حضور واسع على مستوى العالم قد كان لها مردودها الكبير على ما ينتج عن أقلام الأدباء والروائيين المبدعين في العالم بما تضمنته من عادات وتقاليد وأفراح وأغان وأساطير إلى جانب ما تتمتع به من مستوى لغوي بما فيه من دقة التعبير.. فتكون محط استلهامهم في كثير من الأعمال التي ينسجونها للأطفال أو يؤلفونها بوجه عام.. غير أن هذا الموروث الأدبي الشعبي على الرغم من غزارته وكثافته في اللحظة اليمنية التي أعقبت انخراطها في هذا العصر، أي منذ بداية نهضتها الحديثة عقب قيام الثورة ظل كماً مهملاً وعبئاً ثقيلاً على عاتق هذا الشعب، حيث لم تعمل فيه المؤسسات الرسمية عملها المنوط بوجودها في القيام بعمليات المسح الميداني الكامل لأنماطه وأجناسه وأشكاله المختلفة، بغرض توثيقها ودرسها وتطويرها.. وهو مما يدخل تحت مصنف "المأثورات الثقافية الروحية" أو ما أصبحنا نطلق عليه تسمية "التراث الشعبي" وذلك في الوقت الذي تجري دراسته داخل كليات الأدب.. ومعاهد الفنون، وخارج أسوار الجامعات في أنحاء مختلفة من الوطن العربي.. وفي مختلف أرجاء العالم!فلم تهتم الدولة أدنى اهتمام بمأثورات الشعب.. وإنما كان ذلك يتم بعمل أفراد قلائل يدفعهم حب الوطن والرغبة في بيان أصالة هذا الشعب.على أن الجهود الفردية وحدها وهي التي نهضت بلملمة أطراف من هذه الحكايات، ولا تعد ذات قيمة كبيرة مقارنة بحجم هذا التراث الهائل!.. فمثلاً كانت مجموعة "علي محمد عبده" ومجموعة "حسن صالح شهاب" ومجموعة أخرى كان قد جمعها السفير الألماني "فيرنر داوم" الباحث في تاريخ الحضارات القديمة والذي كان قد قضى في اليمن أكثر من عشرين عاماً خلال عمله الدبلوماسي..وظهرت تلك الحكايات الشعبية ضمن أعماله مترجمة إلى اللغة الألمانية مباشرة من ميدان الجمع، دون أن نحظى بنصوصها الشعبة اليمنية، وربما حظينا مستقبلاً بمن يضطلع بترجمتها لنا عن تلك اللغة الأجنبية لا كما سجلتها اللهجات بنكهتها وجرسها وملمسها الشعبي!.. وقد ظلت مجموعة أخلى طريقها إلى وزارة الثقافة منذ أكثر من عقدين من الزمن، جمعها شاب يمني من نواحي صنعاء في موجة من الحماس الذي استشرى في الوسط الأدبي جراء الإقبال على دفائن التراث الشعبي، حتى تاهت في دهاليز وأروقة الوزارة ضجيج بياناته الرسمية.. هكذا، دون أن تأخذ هذه الجهات (المعنية بالتراث الثقافي الشعبي) على عاتقها عظم هذه المسئولية في تعميق الهوية الثقافية الوطنية نحو تأصيل حضارة هذا الشعب!على أن الحكايات الشعبية اليمنية بأشكالها الجغرافية والتاريخية التي تميز حكايات كل شعب، لا تكاد تنحصر في هذا الشعب او ذاك، فرغم سماتها المحددة تجد مثيلاً لها في حكايات شأنها شأن غيرها، تضمنت كتاب الطبيعة وجميع رموز الكون وتفاصيل رؤية الحياة السائدة التي يعيشها الإنسان في كل مكان..ويصعب في هذا الإطار أن نميز بين حكايات عدن الشعبية وسائر الحكايات الشعبية اليمنية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومثلما كان على محمد عبده صاحب "حكايات وأساطير يمنية" قد وجد تنوعاً لا اختلافاً لهذه الحكايات السائدة في اليمن في أكثر من مدينة وقرية حيث تروى الحكاية الواحدة على أكثر من وجه، أي استعمالات مختلفة النمط نفسه تسير في اتجاه واحد! إذ بدر ما تتسم الحكاية بالبنية الشكلية القارة بقدر ما تتسم بالتنويعات الخطابية أو التعبيرية الشعبية في عدن مقارنة مع جميع الحكايات، المنتشرة في اليمن.. ولنضرب مثلاً على ذلك في حكاية "جليد أبو حمار" حيث نجد أن البطل الشعبي، في الحكاية التي نشرها على محمد عبده تحت هذا العنوان، يستأذن الملك ليسمح له أن يرمي بسهمه الفتاة وهي أخته التي تمردت عليه وغررت به فهربت خلف الأمير السعيد ليتزوج بها وقد استعوذ عليها، قصره فكانت تجلس عند النافذة.. يقول بطل الحكاية للملك: " أتأذن لي يا مولاي أن أرمي الحمامة من بين الحمام" وذلك وقت ان كان يمر في السماء سرب من الحمام. فيأذن له الملك دون ان يدري بهدفه فيما كان هو يقصد أخته بتلك الحمامة والتي لم يلبث أن صوب سهمه نحوها فأصابها بمقتل.. وقد ظهرت هذه الحكاية في عدن ضمن مروياتها الشعبية مع اختلاف طفيف إذ لما كان المجتمع العدني يتشكل من أجناس مختلفة تعد فيه المرأة السوداء أو هي الشديدة السمراء (جارية) فحسب، فإن بطل الحكاية عندما يرى أخته تقف وسط جارتين عند نافذة القصر المطل على ميدان سباق الخيل مشرقة بهية كالقمر.. إذ يقول للملك: " أتسمح لي يامولاي الملك أن أرمي الحمامة من بين الغراب؟" يدخل هنا عنصر البيئة الحيوانية في هذه الحكاية وهو الغراب المنتشر في عدن.. ولم يكن يمر في السماء أي سرب من الطيور فيأذن له الملك وهو مندهش.. وهكذا يقتص من أخته برميه سهم قبل أن يعز بخيله ونموره عائداً إلى وطنه.. وفي عدن من واقع هذه الحكايات وسط مجتمع كوزموبوليتاني متنوع الأعراق نجد كثيراً من حكاياته عند نشدان العدالة الاجتماعية لا تضع خطاً فاصلاً بين أبيض وأسود، بل انها قد تمجد البطل ذي الشحنة السوداء على أبناء الملوك!وتلك هي حكاية "علي بن الجارية" والتي انتجعت القول الذي لا يزال يردده العدنيون كلما حدث تمايز بين الأخوين: "ليش أن إبن الجارية؟!"غير هذا، فإن الباحث عن أصول الحكايات الشعبية اليمنية سوف يختلط عليه الأمر في هذا التداخل بين ما يتشكل منا في المجتمعات الزراعية الجبلية، والمجتمعات البحرية التي تتشابه مع سائر البيئات العالمية داخل هذا الإطار، لدرجة يصعب معها أن نميز اليوم بين حكايتي "وريقة الحنا" و "عقيمة الرماد" اليمنيتين وحكاية "سندريللا" في الغرب.. واللفظ الانجليزي يعني تماماً "عقيمة الرماد"!.. كذلك الآم الصقيع Mother Frost في الحكايات الشعبية الألمانية التي تتظافر أجزاؤها مع الحكاية اليمنية، ثم نصل إلى حكاية شعبية سمعتها تروى من امرأة عجوز وبلهجة أهالي عدن، وهي حكاية "قاتل أبوه.. عاقد بأمه" فإذا هي الوجه الآخر للحكاية الشعبية الإغريقية التي قامت عليها مسرحية سوفوكليس الإغريقي الشهيرة : "الملك أو ديب"!ومن وجهة أخرى فإن الأدب الشعبي العربي- على المستوى القومي، وانعكاساته في الحكايات الشعبية العربية هو مؤثر قوي في امتزاج هذه الحكايات الشعبية مع غيرها من الحكايات ذات الطابع الشرقي.. وفي مقدمته لمجموعة "حكايات وأساطير يمنية".يلمح الدكتور علي الراعي تشابهاً غير قليل بين الحكايات اليمنية والمصرية ويتوقف عند واحدة وهي حكاية "الجرجوف" اليمنية ليجري عليها مقارنته مع حكاية "إيزوريس" المصرية.. ثم يمضي إلى تشابه أخر مع هذه الحكاية اليمنية ويجد ذلك التشابه في حكاية سمعها من أمه عندما كان صغيراً، وهي كما يروي حكاية "لونجا" ويمضي في هذه المقارنة لتحقيق التشابه العام بين الحكايتين.. ثم يستخرج لنا معانٍ علقت بجبلة الجنس البشري من اتصاله بتلك العوالم العجيبة المدهشة من وحوش وعفاريت وقوى سحرية ليجسد لنا صراع الخير والشر ومحاولات الإنسان الدائبة للخلاص من الشر..وإلى ما هنالك من الموز التي دخلت في معتقدات الشعب. وكان علي الراعي قد وجد في تلك الحكايات اليمنية مادة للمسرح والرواية صالحة لإستلهما الأدباء والكتاب فيما يعرضون له من أعمال أدبية ..حيث لاتقل هده الحكايات عن مجاراة النصوص العالمية للأدب .وإلى ذلك، فإن أقرب الحكايات إلينا هي حكايات "ألف ليلة وليلة" و"حكايات لقمان الحكيم " و"حكايات كليلة ودمنة" إلى جانب السير الشعبية "عنترة العبسي " و"سيف بن ذي يزن " و"سيرة بني هلال"، وكثير من أنماط هذه الحكايات نجدها في نماذج التراث الشعبي اليمني ..ونسمع الكثير منها على ألسنة الرواة الشعبيين في عدن والمداحين وعازفي الربابة ..ومنها حكاية "علي بانواس " أو حبتي ..وإلا الديك "، وبعض حكايات الحيوان مثل حكاية "علي باثعالة" والمراد به الثعلب، وهنالك النوع العام للحكايات مثل حكاية "علي ابن الجارية" وحكاية "بنت صين الصين والسبعة السلاطين" وحكاية "سيف الحق وسيف الميزان" وحكاية "جميل وقبيح" وحكاية "بنت الشيطان ونعامة السلطان"... وما من متسع لحصر جميع الحكايات الشعبية اليمنية في عدن، إنها حكايات شعبية عدنية ذات جذور قومية غير أنها اتسمت بطابع البيئة اليمنية في عدن مثلما في سائر مدن وقرى اليمن، وقد حملها الإنسان اليمني معه في تنقله من إقليم لأخر داخل رقعة الأرض اليمنية وعبر التحويل الأدبي المحمول باللهجات.. فيما تغلب منطق اللهجات في الأجزاء الداخلية من اليمن على مجمل الحكايات الشعبية في عدن.. ومع ذلك ظلت عدن تحتفظ لنفسها بلون خاص لا تطغى عليه لهجة غير لهجة عدن كحاضرة من حواضر اليمن السعيد.والحكاية الشعبية هي عادة مما يروى للكبار والصغار معاً في ساعات المساء وأوقات اللهو والفراغ من أعباء البيت على أن ما يسمى اليوم تخصيصاً بـ "حكايات الأطفال الشعبية" إنما يدخل ضمن الإطار العام لهذا النوع الأدبي في سائر الحكايات الشعبية، حيث أنها لم تؤلف خصيصاً -في الأصل- لعناية النشىء، ولكن لما من طبيعتها شكلها "البسيط" من حيث أن لها بداية مثيرة وخاتمة سارة أو محزنة ومع تنامي أسلوبها السردي من الأساس حتى الذروة، فيما هي تبدأ بالضرر وتنتهي إلى إصلاح هذا الضرر.. ومن خلال توسلها بروح الأسطورة بما تثيره من الاستغراب والدهشة.. وهو مما يؤدي إلى الاستغراق في الخط العام لمسير الحكاية حتى تصل إلى النهاية.. فإنها قد جاءت على هذا النحو لتخاطب الكبار والصغار في نفس الوقت.. فمن هنا كانت الصق بالنشئ.. بل ومن هنا جاءت التشابهات في جميع الحكايات الشعبية ليقبل عليها الصغار والكبار في كل أرجاء العالم.فالحكايات الشعبية في الأساس، تمارس تأثيرها من مركز الولع القصصي إذ تخاطب الإنسان في جوهره من خلال حيرته أو دهشته: ماذا حدث؟وكيف حدث ذلك؟.. هل يمكن أن يحدث هذا الشيء؟ أما من طريقة لتجنبه؟!.. أو ما أجمل أن يحدث هذا!.. وليت هذا يحدث لي!.. هذا إذ انطوى الحدث على ممارسة للذكاء والخبرة في انتجاع مفاهيم جديدة للحياة.. وعلى الأرجح إذا ما وجد الإنسان شيئاً من نفسه أو من أفكاره، ومن تطلعاته وأحلامه في تلك الحكايات.. وهو مما قد يثير الأسس أو التغلب على الحاجة، ومن دأب الحكاية الشعبية غالباً أن ينتصر الخير على الشر، ومن خلاله تبرز صفة البطل الشعبي.. وتلك هي الغاية في جميع الحكايات الشعبية.وإذا نظرنا ملياً في حكايتنا الشعبية اليمنية سنجد أنها في أكثرها غالباً ما تنطوي على الفراسة، فتسعى الحكاية إلى تربة الإدراك عند العامة والنشئ عن طريق الأصبحيات التي كثيراً ما تتعرض لها هذه الحكايات في امتحان لذكاء البطل الشعبي حيث أنه يواجه في كل حكاية (معضلة حل لغز من الألغاز).. أي أن عليه أن يحزي (او يحزر) معنى الأصبحية كي يفوز بقلب بنت السلطان ومعها نصف المملكة.. وقد يفوز بالملك كله!فالحكايات الشعبية يطلق عليها في عدن "محازي" والواحدة" "حزاية" أو " محزاية"، وهذا المصطلح معروف في بعض دول الخليح العربي مثلما هو في عدن، بما يدل عليه من أن حزاية أو محزاية مشق من اللفظ العربي الفصيح: الحزو بمعنى التكهن والتخمين فأنت عندما تصغي إلى الحكاية الشعبية عليك أن تدرك فحواها، مغزاها، أو غايتها.. وهو أن المعنى يجري على التقدير فيقال حزاء الشيء بمعنى قدره تخميناً من طريق التكهن.وفي عدن يغلب هذا المعنى على الحكاية الشعبية التي تعتمد علىالخيال وعلى المعجزات مما جرت عليه العجائز من سرد لأحداث يشترك فيها البشر والجان والحيوان تحت واقع الصراع بين الخير والشر.. وتتضافر فيها مع الواقع في بعده التاريخي عناصر أسطورية أو بقية من معتقدات خرافية أو شبه دينية (طوحلمية) وفي أجواء من السحر مما يتصل بخوارق العادات، ينسجها الفنان الشعبي على نحو يثير السامعين، ويحرك لديهم مكامن الخيال، ويحفزهم إلى الذكاء من خلال التعلق بأعمال الخير والبطولة..والظفر بأعلى مراتب المجد.. وهي مع كل ذلك تهدف إلى التسلية.. ومن هنا تولدت سمة هذه الحكايات عندما أطلقت عليها الجماعات الشعبية مصطلح حزاية أو محزية.
|
ثقافة
الحكايات الشعبية اليمنية(في عدن)
أخبار متعلقة