أهلا خليجي (20) في عدن .. أرض الحضارات والثقافات العريقة
د. زينب حزام :لو قيض لي أن أكشف عن حلم من أحلامي السرية، لاخترت ذاك الذي أتخيل نفسي فيه نورساً أبيض يتلألأ على شاطئ صيرة بكريتر، هذا الموقع التاريخي والأثري، حيث استشهد مئات الأبطال من أجدادنا الصيادين وهم يقاومون الاحتلال البريطاني لعدن في عام 1839م.مدينة كريتر وقلعتها التاريخية التي كانت ومازالت تشهد على بسالة أهل اليمن وبطولاتهم في بناء تاريخ وحضارة هذه الأمة العريقة ترحب اليوم بضيوفها الكرام المشاركين في المهرجان الرياضي والثقافي ( خليجي 20) في عدن وأبين ، وحين يزورها ضيوفها الكرام سوف يستشعرون دفء الود الذي يتمتع به أبناء عدن، ولأن قدر هذه البلاد هو فيض السماء بقطرات المطر، فقد تكون تلك إشارتي وعلامتي لأغني لأجمل مدن اليمن السعيد مدينة عدن الحبيبة .تتميز مدينة كريتر بمبانيها الجميلة ، وانتشار المواقع الأثرية مثل الصهاريج وقلعة صيرة والمتحف العسكري والمتحف الوطني، والفن المعماري القديم، ويجد الزائر لهذه المدينة المزدحمة بالمحلات التجارية، وفي النظرة العابرة نفسها في أزياء وألوان الناس، واللهجات المتنوعة من أبناء اليمن والجاليات الهندية المنتشرة في كريتر ، يجد في هذا المشهد الإنساني لمسة تاريخية، حيث استقبلت عدن العديد من أبناء شعوب الأرض، منهم من جاء إليها للبحث عن العمل وكسب لقمة العيش، ومن جاء إليها من أجل الأمان والاستقرار، وتشكل القلاع والصهاريج في منطقة كريتر تحفة أثرية مأخوذة من باطن الأرض. كما تشتهر في منطقة كريتر المقاهي الثقافية المنتشرة في شوارعها المختلفة، حيث يسمع الزائر لهذه المنطقة الأثرية والتجارية آخر الأخبار السياسية والثقافية والرياضية والاقتصادية الجارية في البلد والعالم. [c1]شاطئ صيرة .. موسيقى الطبيعة[/c] جذب شاطئ صيرة العديد من الفنانين التشكيليين الذين رسموا أجمل اللوحات الفنية مثل الفنانة التشكيلة إلهام العرشي، والفنان التشكيلي عبدالله الأمين، والفنان التشكيلي نبيل النمر وغيرهم، وغنى لشاطئ صيرة الفنان الكبير الراحل أحمد قاسم وغيره من الفنانين ، ويستحم شاطئ صيرة بلون شمس العصر الذهبية حيث تنعكس على مياهه الهادئة قلعة صيرة التاريخية ، وتتنقل قوارب الصيادين الصغيرة على مياهه الصافية، ويأتي الزوار من جميع المناطق اليمنية، إضافة إلى السياح من جميع أنحاء العالم للتمتع بهذا المنظر الرائع، ولاكتشاف هذا الجزء من عدن المعروف بالمنطقة الأثرية والسياحية، للاستمتاع به. وتتميز منطقة كريتر بالجبال المحيطة بها والكهوف الغامضة التي نسجت حولها القصص الخيالية والأساطير في التراث الشعبي القديم، أما جبال كريتر فهي بركانية خمدت منذ آلاف السنين، وتآكلت الصخور فيها وأصبحت ملساء جراء مرور مالا يعد ولا يحصى من البشر عليها على مر الأزمان، وأصبح اليوم أبناء كريتر يبنون منازلهم على هذه الجبال في تحد للزمن وصعوباته، ونتيجة ذلك تشكلت الصخور بأشكال مختلفة وعلى منحدرات متآكلة وفي بعض الأماكن تصبح الصخور العملاقة ناتئة ومنثورة على الطريق ، مقيمة مناطق تدعونا إلى الوقوف والاستراحة. [c1]مساجد كريتر .. والزخرفة الإسلامية [/c]تنتشر في منطقة كريتر العديد من الجوامع والمساجد الصغيرة منها ما تم بناؤه على الطراز الإسلامي القديم ومنها على الطراز الحديث، وزخرفت هذه الجوامع بالنقوش والخطوط الإسلامية والقبب والأعمدة بهندسات توريقية بالألوان: الأحمر والأزرق والأبيض ، فتكلمك الآيات القرآنية من فوق القناطر ذات الرأس المدبب بالخطوط المتنوعة من الثلث والطغراء ، والديواني الجلي لتزيد بجمالية النوافذ والأبواب وهي كلها على أرضية زرقاء نيلية اللون، ثم يعلوها إفريز من الخطوط ليفصلها عن القاعة بنوافذ من الزجاج الملون والمزخرف بالورود الحمراء والزرقاء ، تعلوها دوائر زجاجية لترسل نور الشمس وتنير القاعة بأكملها ككوكب من نور ، وعندما تجلس في الجامع ترى ثلاث قناطر مخططة باللونين الأحمر والأبيض ، كما تجد الجامع المشهور في منطقة كريتر ( العيدروس ) الذي تم ترميمه عدة مرات ، نوافذه المزخرفة بعدة ألوان ، وحول القبة التي تتوسطها دائرة تشغل قلبها آيات قرآنية بزخرفة خطية كوفية وزخرفة هندسية، تحيط بها الزخرفات الورقية باللونين الأحمر والذهبي الأسود ثم تحيط بها الزهور الملونة بالأخضر والأبيض والأحمر لتبدو كأنها شمس مشرقة على المصلين في أرض المسجد لتزيدهم فرحاً بالصلاة. كما يوجد في منطقة كريتر ضريح الولي الصالح العيدروس وتقام فيه سنوياً زيارة العيدورس وهي مناسبة سنوية يتم فيها تقديم الغذاء الزربيان ( المكون من الرز واللحم والبطاط ) على الفقراء والمساكين و ذكر الله وقرآة القرآن الكريم والأحاديث النبوية وترديد الأناشيد الدينية وتوزيع الحلوى والهدايا للأطفال والزوار ، وفي منطقة كريتر وبالعيدروس توجد قبور الأجداد المتناثرة هنا وهناك من الصيادين الشهداء الذين قاوموا الاحتلال البريطاني لعدن ، وتعد منطقة كريتر أقدم منطقة في عدن أقيمت على فوهة البركان الذي خمد منذ آلاف السنين ، تاركاً وراءه الكثير من الشواهد الأثرية، ومن أحجاره بنيت الصهاريج الشاهدة على عظمة الإنسان اليمني، والتي تذكرنا برائحة التاريخ وسحر الأساطير اليمنية.