استجابة الثوار من عموم الوطن اليمني للثورتين السبتمبرية والأكتوبرية دليل تلاحمهما
عمر عبدربه السبعلقد تسلم الإمام يحيى حميد الدين حكم اليمن من الإمبراطورية العثمانية (الأتراك) عام 1919، وبعد أن دخل صنعاء وأحكم السيطرة عليها، شن الإمام يحيى حروبا عنيفة ومدمرة على المنطقة السفلى من اليمن في كل من تعز وإب والعدين، ثم اتجهت جيوشه نحو المنطقة الوسطى في الحجرية والمقاطرة القريبة من مدينة عدن، وأخضعها لسيطرته ومملكته المتوكلية، ولاريب أن يبرز الإمام يحيى كقوة جديدة للانجليز في شمال الوطن، ابان انتهاء الحرب العالمية الاولى لاسيما عندما احتفظت القوات الإنجليزية لنفسها بالسيطرة على ميناء الحديدة.لقد حكم الامام يحيى المملكة المتوكلية بنظام اقطاعي كهنوتي وعاشت اليمن في ظله في غياهب الفقر والجهل والمرض، فتكونت خلايا ثورية ضد الوضع البائس والكئيب، منها انشاء حزب الاحرار اليمنيين في عدن من قبل الشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري والأستاذ احمد محمد النعمان، حيث غرسا بذور التعاون الثوري بين الشطر الشمالي والشطر الجنوبي من الوطن، تمخض عنه حدوث انقلاب السابع عشر من فبراير 1948م الذي ادى الى اغتيال الامام يحيى بغرض تغيير حكمه الفردي الاوتوقراطي، ومحاولة اخراج اليمن من عزلتها القاتلة، بيد ان عوامل داخلية واخرى خارجية اجهضت هذه الثورة التي باءت بالفشل، إلا أنها شكلت عمقا استراتيجيا للثورات اللاحقة.وبعد استيلاء الامام احمد على السلطة شارك في أواخر الاربعينات على إثارة القلاقل ضد الاستعمار الانجليزي في الضالع والشعيب ومساندة تمردات القبائل في بيحان، ونقل الصراع الى ارض المحميات وشجع الانتفاضات القبلية على النفوذ البريطاني المتزايد في مناطقهم وساند تمردهم ضد سياسة بريطانيا في دعم سلطة السلاطين على حساب المواطنين، وفي المقابل فرض سياسة التعمية والتجهيل على ابناء الوطن وارهق كاهل المجتمع اليمني، وكاد ان يعزله عن العالم وتطوراته على مختلف الأصعدة مما حدا بالثوار الاحرار إلى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 وتحقيق غاياتها الوطنية والانسانية التي توجت بإقامة حكم جمهوري وازالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات وشرائح المجتمع.وقد استجاب لنداء الثورة وتحرير الوطن من النظام الاقطاعي الكهنوتي والحكم الامامي كثير من الثوار من عموم الأرض اليمنية رجال شرفاء هبوا لمناصرة الثورة والجمهورية وملاحقة فلول الملكيين للقضاء على بؤر الفساد والظلم آملين حياة حرة كريمة ومساواة في الحقوق والواجبات، وقد سطع في سجل التاريخ اليمني من أبناء الجنوب اسم راجح بن غالب لبوزة، وهو من ابناء ردفان تطوع للدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والنظام الجمهوري، وعند عودته الى ردفان طلب منه الضابط السياسي المرابط في الحبيلين تسليم سلاحه مع رفاقه المتطوعين معه ودفع ضمانات مالية وتقديم تعهد كتابي بعدم الذهاب الى خارج منطقتهم، إلا بإذنه فرفض المقاتلون العائدون من صنعاء هذا الطلب، وحدثت مواجهة مسلحة بينهم والقوات المسلحة امتدت من الحادي عشر من أكتوبر حتى الرابع عشر منه، حيث استشهد الشيخ راجح بن غالب لبوزة قائد هذه المجموعة والذي يعتبر اول شهيد لثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م.لقد كان عام 1962م مليئا بالنشاطات السياسية ضد الحكم الامامي في الشطر الشمالي من الوطن وضد النظام الاستعماري وشبه الاقطاعي في الشطر الجنوبي من الوطن، وكانت هناك اتصالات بين الوطنيين السياسيين في كل من صنعاء وتعز وسط لهيب أحداث السادس والعشرين من سبتمبر 1962 التاريخية للخروج بموقف موحد حيث استقر رأي الثوار أن تكون بداية الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني في الشطر الجنوبي من الوطن من الريف، لاسيما وان القبائل في الريف طفقت تتمرد ازاء المخططات الاستعمارية والرجعية، فأول شرارة من ردفان كانت ايذانا لقيام ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م، ثم فتحت الجبهة الوسطى في دثينة، ثم فتحت جبهة الضالع والشعيب، وشكلت حالة في الريف جديدة وهي حرب العصابات، التي اعطت تأكيدا على تعاظم العمل المسلح وترسيخ الثورة.. وعندما فتحت جبهة عدن، اعطت وجها آخر للثورة المظفرة ووجها مشرقا للاعمال الفدائية والبطولية الرائعة .. وحولت الثورة ادارة الاستعمار البريطاني الى جحيم، وهبت الانتفاضات في عموم حضرموت والمناطق اليمنية الأخرى، وتشكلت جبهة واسعة وعريضة من الجماهير الملتفة حول الثورة وأهدافها.وقد كانت ثورة الرابع عشر من أكتوبر امتدادا طبيعيا لثورة السادس والعشرين من سبتمبر ولبنة أساسية في صرح الوحدة اليمنية .. وقد سجل الشعب اليمني في الثلاثين من نوفمبر 1967 استقلاله الناجز، والذي كان حدثا تاريخيا لم تشهد اليمن مثيلاً له في تاريخها الحديث.لقد حاول الوجود الاستعماري احتضان الفلول الملكية الهاربة من حمم الثوار الأحرار وحشد قواها العسكرية وتنظيمها لمحاربة رجالات الثورة في الشطر الشمالي من الوطن، بيد ان المستعمر ذاته فوجئ باندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر، من قبل ثوار الشطر الجنوبي من الوطن في الوقت الذي كان يغازل فيه القوى السياسية التقليدية.وقد اكدت الثورتان السبتمبرية والاكتوبرية ايمانهما بالجماهير اليمنية كقاعدة اساسية في التغيير والبناء، وعبرتا معا عن إرادة شعبنا اليمني وأصالة الثورة في الرفض الدائم لكل اشكال القهر والظلم والاستبداد، فهبت الجماهير لمساندة الثورة لاسقاط النظام الملكي الاقطاعي في شمال الوطن وقيام النظام الوطني الجمهوري، وكذا التحرر من النظام الاستعماري الشبه اقطاعي وقيام الجمهورية في جنوب الوطن، وتحقيق انتصار استراتيجية الثورة اليمنية.وللحفاظ على النظام الجمهوري سقط في مسيرة نضال شعبنا اليمني آلاف من الشهداء الابطال الذين طهروا بدمائهم الزكية الارض اليمنية من عفونة الحكم الامامي الكهنوتي وعفونة النظام الرجعي والاستعماري.لقد حققت الثورتان النقلة المأمولة للشعب اليمني، اذ اخرجتاه من براثن التخلف والهيمنة الاستعمارية الى الحياة الحرة الكريمة، واختلطت فيها دماء الشهداء الزكية لتحقيق مكتسبات الثورة وحماية اهدافها، وكما قال الأستاذ أحمد الحبيشي : "إن خارطة اليمن الراهنة ثمرة لنضال طويل اجترحه الشعب اليمني وقواه الوطنية ضد الاستبداد الامامي والاستعمار البريطاني والنظام الانجلوسلاطيني، واسترخص شعبنا التضحيات الجسيمة ودماء قوافل الشهداء في كفاحه الطوعي من أجل الحرية والاستقلال واستعادة الوجه الشرعي للوطن اليمني الموحد".ويقول الأستاذ سعيد احمد الجناحي : "ان وحدة الهدف وترابط النضال في الثورة اليمنية هي التي شكلت الاسس لتحقيق وحدة الثورة اليمنية".ويقول الأخ علي الضالعي عن واحدية النضال للتخلص من الإمامة والأستعمار: إن ثورة 26 سبتمبر لم تكن ثورة لفرد، ولم تكن حكراً لفئة او حزب، بل ثورة شعبية بما تحمله الكلمة من معنى، ودليله على ذلك الحشد الجماهيري الذي توجه إلى صنعاء لتسوير الثورة وحمايتها ممن أرادوا القضاء عليها .. ويضيف: عندما كانت تضيق الأمور على الأحرار في صنعاء كانت عدن هي الملاذ وهي المدينة التي نشأت فيها حركة الاحرار.ويقول الأستاذ صادق أمين أبور رأس : إن التخطيط للثورة اليمنية انطلق من صنعاء وعدن ومن تعز وإب وان اليمنيين جميعهم خططوا للثورة وناضلوا من اجلها.فثمة ثوابت كثيرة يمكن أن يصدقها العقل فالوعي الوطني واحد، وهناك تعدد في فصائل العمل الوطني لكن اهداف الثورة اليمنية واحدة وقد توجت الثورتين السبتمبرية والاكتوبرية ملحمة الثاني والعشرين من مايو عام 1990م حيث تحققت الوحدة اليمنية من العدالة الاجتماعية .. كما ارتبطت الثورتان برغبات الشعب وكل شرائح المجتمع اليمني، وتحولت الثورة الى انتصار وتكللت الانتصارات الى أهازيج وأفراح وأعياد عمت اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه وتحققت في ظل الوحدة اليمنية الكثير من المنجزات على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.والوطن اليمني اليوم يحتل موقعا اساسيا في المصفوفة الكونية، بعد أن حقق المجتمع الديمقراطي وأرسى اللبنات الاساسية للنماء والازدهار من خلال المشاريع والمنجزات المحققة على كل الأصعدة.