د. سيّد القمني يستعرض الإخوان أنفسهم في الشارع المصري هذه الأيام، وهو الاستعراض الذي يوصفه الدكتور عصام العريان بقوله: "إن ما نقوم به الآن هو ضغوط شعبية عبر التظاهر في الشارع والجامعات والنقابات، وكل صور الضغط المدني" الوفد 12 / 4 / 2005 هذا كلام جديد على الإخوان تماماً، والتمعن فيه يكشف عن غرور متوهم يربط بين جماعتهم وبين شعب مصر، في خلط معيب ومشين في حق شعب مصر. لأن تظاهرات الإخوان لا يمكن تسميتها " ضغوطاً شعبية " لمجرد أنها تجري في الشارع مع الهرج والمرج، ولو كان حجم تظاهرة الإخوان هو "ضغوط شعبية" فما أبأس شعب مصر حينذاك إن كانت هذه ضغوطه الشعبية. أما الجديد بجد فهو وضع الدكتور العريان نفسه وجماعته ضمن المجتمع المدني، بتصويره لمظاهرته اليتيمة بأنها من "صور الضغط المدني"؟!! بل السؤال في صيغته الدقيقة يجب أن يكون: متى عدل الإخوان عن تكفير المجتمع المدني؟ ومتى كف الإخوان عن ملاحقة أنصار المجتمع المدني بالتخوين الوطني وبالشائعات القاتلة الفاعلة؟ بينما الإخوان لا يعترفون بوطن ولا براية قومية أم أن للإخوان فهماً خاصاً لمعنى المجتمع المدني كما هو دأبهم مع كل المفاهيم والمصطلحات؟.. يعني هل سيكون المجتمع المدني حسب النظرة الإخوانية معنى غير ما تعرفه كل البشرية عنه؟ أم أن هناك فهماً ثالثاً ضائعاً كالفهم الضائع بين مصطلح المقاومة المشروعة ومطلح الإرهاب؟ إن كان الدكتور عريان جاداً فيما قال، وأنه لن يعود ناكصاً على عقبيه مرتداً، أو أنه لن يترك غيره من أعضاء الجماعة يشتتنا بقول آخر كالعادة المعلومة عنهم، فأهلا بأهلنا الإخوان ومرحباً ويا لفرحة القلب بعودتهم إلى حضن الوطن الدافيء الذي سيسامحهم ويغفر لهم في سبيل توحد وطني في مرحلة مأزومة من تاريخ الوطن لكن تراهم متى اعترفوا بأن هناك وطناً للمسلم أصلاً أو متى اعترفوا براية أو شعار وطني؟ أليسوا هم أمة لا إله إلا الله التي لا تعترف براية أو شعار وطني كما كان يؤكد مرشدوهم دوماً؟ إن مشكلتنا مع الإخوان أنهم لا يتركون فرصة للثقة بهم، فهم يلعبون الورقات الثلاث وعلينا دوماً أن نبحث عن السنيورة بين الورقات الثلاث، ويتكلمون الألسن السبع في جملة واحدة، وكل لسان يقول شيئاً غير أخيه.. حلفاء لكل الفرقاء، من الشيوعيين إلى الوفديين إلى الأمريكان إلى الناصريين إلى شعب مصر الطيب البسيط إلى الطالب وإلى الفلاح، لديهم في جرابهم كل الأقنعة اللازمة لعقد وفض التحالفات بعلمانية غير محترمة وقت اللزوم وعند الحاجة مع أي طرف من هذه الأطراف، ومع ذلك هم حانقون على العلمانية المحترمة. نحن نرفض الاطمئنان للإخوان لأن تاريخهم وليس تاريخ غيرهم هو من يقول أنهم دوماً كانوا ضد كل الطروحات السياسية والاقتصادية أو أنظمة الحكم على اختلافها، منذ نشأتهم لم يرضوا أبداً إلا عن أنفسهم ولم يرضوا مرة عن أحد ولا عن طرف من الأطراف، ومع ذلك حالفوا الجميع، وخانوا الجميع ورفضوا الجميع، فمالهم اليوم بعضهم يرفع المصحف وبعضهم يستبد لونه براية المجتمع المدني؟ ومالهم اليوم يتكلمون برطانة الغرب الكافر عندهم والحر عندنا، بدلاً من لغة الآيات والحديث والتفاسير والحدود والشريعة والجلد والقطع والرجم والجز والسلخ؟ مالهم يتحدثون عن دستورنا وضرورة تعديل مواده بينما هم لم يعترفوا يوماً بدستور لأنه بدعة مدنية، ولم يضعوا منذ نشأتهم دستور متصوراً أو متخيلاً ليحكموا عبر تاريخهم منذ تأسيس جماعتهم وحتى اليوم، فمالهم ودنيانا الفانية وهم أهل الجنة والطنافس والقوارير والحور العين والولدان الخالدين والأرائك على الأسرة متقابلين على الأنهار يفضون عليها الأبكار في ضيافة الجبارى حسبما تنص عقيدتهم السنية؟ أبداً لم يتحدث الإخوان.. أي إخوان.. فكلهم إخوان سواء ضرب بعضهم بالقنبلة أو تحدث بعضهم بلسان الثعابين، لم يتحدثوا يوماً غير لغة الحدود والعنف الإسلامي السلفي الجامد القاسي، وكانوا دوماً ضد الإسلام السمح الهاديء الجميل لأن هذا عندهم ليس إسلاماً فالإسلام واحد والحقيقة واحدة هما إسلام وحقيقة الإخوان وحدهم. حالف الإخوان حركة عسكر الجيش ضد الملك بينما كانوا يحالفون الملك، وانقلبوا مع العسكر ضد الملكية، ثم انقلبوا على العسكر عندما حكموا على اتفاق بينهم، ثم رفضوا الاشتراكية، ثم رفضوا حرب اليمن، ثم رفضوا الانفتاح، ثم رفضوا السلام، وحاولوا اغتيال حليفهم (عبد الناصر) في ميدان المنشية الاسكندراني، وأفرج عنهم السادات وأعطاهم مصر سداحاً مداحاً فقتلوه يوم احتفاله بنصره، وحاولوا اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا، فماذا جد لهذا التحول الجديد بل والذي لا يتخيله ولن يوافق عليه لا حسن البنا ولا سيد قطب لو قيضت لهما الحياة، بل سيعتبرانه ردة واضحة فصيحة عن مباديء الإخوان والإسلام معاً؟ ترى هل للظرف العالمي الجديد دور في هذا التحول؟ ترى هل وجود القوات المتحالفة بالقيادة الأمريكية في المنطقة وضغطها من أجل حكومات ديمقراطية في العالم الإسلامي هو السبب في هذا التحول؟ ألا ترون الإخوان يتخلون عن كل ما قالوه خلال القرن الفائت والحالي إلى الشكل السياسي الذي تطلبه أمريكا وهي الطاغوت الأعظم؟ أين ذهب الإسلام إذن كما كانوا يعرضونه ويتجمعون بسببه في جماعتهم. سادتي لم يكن الإسلام هو الموضوع إنما كان كرسي الحكم لذلك عدلوا وبدلوا لينالوه. لأنهم يعلمون قدرات الطاغوت الأعظم الذي لم يعد طاغوتاً بل حليفاً مرتجي فغازلوه فرّق ومال وتهدلت منه مسابل العيون، فجالسوه وحاوروه وطلبوا منه عدم الجفا، ورغبوه وأغروه بالوصال.. فما هو المقابل؟ التاريخ يقول لنا إن تاريخ كل اللاعبين بالدين عبر العصور من جماعات ومشايخ وكهنة وسدنة كان تاريخ خيانة الوطن وبيع الوطن، منذ أخبرنا التاريخ أن كهنة آمون قد باعوا مصر وأجلسوا على عرشها الإسكندر الغازي إبناً لآمون، منذ باعونا من قبل لقمبيز الفارسي ومن بعد للبطالمة، باعونا بأرضنا وناسنا وتاريخنا وبشرنا ومستقبلنا نظيراً لسيادتهم في ظل الحاكم أياً كان الحاكم. باعونا منذ باع بنيامين وطنه للعرب الغزاه مقابل أن يجلس على كرسي الكرازة المرقسية ليلوثها. منذ باع مشايخ عرب الحوف الشرقي ثورة البشموريين ضد الخلافة العباسية وقبضوا من المأمون المال والسؤدد، منذ تنادي مشايخنا بردة أحمد عرابي وهو يحارب الغزو الانجليزي، منذ كثير ومنذ مخيف ومنذ داعر ومنذ خائن، منذ كانوا هم التاجر والسمسار الملتحف برداء الرب قمعاً لضمائر المؤمنين، وهو يبيع، ولم تشذ حالة واحدة عن هذه القاعدة. نعود معاً للعريان نقرأ ونفهم، فقد وضع لموضوعه الذي نناقشه هنا عنواناً هو " مخاوف مشروعة وهواجس لا مبرر لها " قاصداً فيما يبدو إقرارنا على مخاوفنا إزاءهم، لكنه أيضاً قاصداً تبديد الهواجس التي لا مبرر لها من جانبنا تجاه الإخوان. المدهش أنهم لا يعرفون كيف يقولون عندما يخرجون من ثوبهم العتيق، لأن للعالم الآن لغة لا يفهمونها ولا يجيدونها، لذلك فإن الدكتور عريان بدلاً من أن يبدد مخاوفنا فقد أكدها، وبدلاً من أن يطمئنا إزاء هواجسنا زادنا هواجساً على هواجس، ليجعلنا مطمئنين إلى قرار واحد مصيب دائماً مع الإخوان، هو إياك أن تطمئن إلى الإخوان. نستمع إذن إلى باقي ما قال العريان : " الإخوان على لسان مرشدهم أعلنوا الأولوية قبل تعديل الدستور، إطلاق الحريات بحيث يكون لدينا مجلس شعب حقيقي يعبر عن الإرادة الشعبية، يتم انتخابه في انتخابات حرة نزيهة ". العريان كبقية الإخوان عينه على الصندوق وحده دون ما يقوم عليه هذا الصندوق من مباديء وقيم لا يعترف بها الإخوان، فهل يعترف العريان مثلاً بحق المسلم في التحول عن دينه إلى أي دين يريد؟ سؤال بسيط سهل مفهوم في أي بلد في العالم، لكن عندنا يكون مجرد السؤال جريمة. إنهم يريدون ديمقراطية الصندوق فقط لا غير لأنهم يعلمون أنهم قد سلبوا مع كل رفاقهم مع كل جماعة إسلامية وعي الوطن، ومدى معرفة المواطن لمصالحه وما يدور حوله، جعلوه آلة عابدة فقط، له جهاز إدارة واحد، يديرونها بسلطان الدين على النفوس الذي استشرى في أجهزة الإعلام والتعليم عبر ما يزيد على خمسين عاماً مضت، ناهيك عن البعد الإيماني في الزمن إلى 1425 عاماً. والإخوان يعرضون أنفسهم للناس على أنهم الإسلام. والناس ستختار أي شعار يحدثهم عن الإسلام. لكن الأخوان يقعون اليوم في مشكلة التوفيق بين تقديم أنفسهم للناس بحسبانهم الإسلام، وبين المطروح في الساحة من مفاهيم غربية كحقوق الإنسان والمجلس التشريعي الذي يشرع للناس وليس الله، وآليات الانتخابات والحريات وهي شئون مستحدثة لا علاقة لها بأي دين. وبعد سبتمبر 2001 ووصول أساطيل العم سام الأساطين إلى منطقتنا قرر الإخوان الوصول إلى الحكم بشروط العم سام، لكن معنى ذلك ألا يصبحوا إخواناً، وهم يريدون الأمرين معاً وهنا مقتل الإخوان، فكيف سيمكن لهم الجمع بين ديانة فريق من المواطنين وبين المجتمع المدني الذي يعني جميع المواطنين على المساواة التامة بلا تفرقة ولا تسمية طائفية ولا عنصرية ولا دينية. وإذا كنا سنكون مجتمعاً مدنياً كبقية دول العالم فهل من الضروري أن يضع الدستور مجلس الشعب أولاً؟ لماذا لا تضعه اليوم وخلال فترة انتقالية لجنة من الحكماء المشهود لهم بأنهم مدنيون حقاً وفعلاً ما دمنا قد اتفقنا على المدنية، لتصوغ أيضاً آليات الانتخابات وشروطها وآليات عمل مجلس الشعب وبقية فروع الشأن السياسي حتى يكون النظام كله مدنياً بحق، ثم يتم التصويت عليه من بعد؟ هل لأن الإخوان يريدون الصندوق أولاً ليقوموا بحسبانهم أكثرية المجلس بصياغة الدستور ثانياً؟ بينما هذه الجماعة لم تقم حتى اليوم بعمل برنامج سياسي واضح لجماعتها منذ تأسست حتى الآن، كما لم تضع دستوراً مقترحاً تقدمه للأمة منذ تأسست حتى الآن، وذلك لأن جماعتهم لا تعترف لا ببرنامج ولا بدستور. ثم هل مر عليك يا دكتور عريان وأنت غزير المعرفة بالإسلام وتاريخه شيء في الإسلام وتاريخه مما جاء في كلامك؟ يعني هل يمكنك أن تشير إلينا أين نجد "الإرادة الشعبية " في هذا التاريخ، وأين نجد " الانتخابات الحرة النزيهة "؟ وأن تشير إلينا أين نجد مفهوم الحرية عدا مفهوم تحرير العبيد فقط؟ وهل سبق وحدث أي انتخاب في تاريخ الدولة الإسلامية منذ ظهورها وحتى سقوطها عبر زمن امتد أربعة عشر قرناً من الظلم وانعدام العدل بل وانعدام الرحمة والإنسانية. إن الدكتور عريان يحدثنا اليوم بلغة العم سام ومفاهيمه، إنه يتحدث لغة الكفار وأفكارهم الغربية التي طالما طاردونا بسببها وكفرونا. بعد أن يطالب الدكتور العريان بعمل دستور جديد على يد مجلس شعب منتخب يعود في ذات المقال ليطالبنا بتعديل الدستور الحالي الآن أو كما يقول : " المواد المتعلقة بالرئيس 76، 77، 74، وأن الإخوان مع هذا التعديل الحقيقي " وما يمكن فهمه من هذا الكلام إذا رتبناه للدكتور فهو أنهم يطلبون الآن تعديل المواد الخاصة برئيس الجمهورية تحديداً، المواد المتعلقة بالكرسي الكبير، ثم بعد ذلك تتم الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ومع تعديل المواد المذكورة تكون الفرص أكثر اتساعاً، إن لم يكن للفوز بالكرسي الأعظم فللفوز بالأغلبية في المجلس التشريعي الذي سيصوغ الدستور.. وبعدها.. يا خرابك يا مصر !! أحياناً لا يفهم المسلم منا الإخوان المسلمين، فهم يطالبون الرئيس مرة بترك الحكم، ومرة يطلبون مقايضته بالبقاء بإعطائه أصواتهم بمقابل ملخصه السماح للإخوان والإفراج الرسمي عن الإرهاب؟ وهي مقايضة ليسوا أهلاً لها فهم يمنحون ما لا يملكون لمن لايستحق، ثم مرة ثالثة وفجأة يصبحوا مدنيين ديمقراطيين؟ فأي هذا نصدق؟ وأي موقف من كل هذا المعلن عن الإخوان يريد الإخوان؟ إنها مرة أخرى لعبة الثلاث ورقات والسنيورة المخفية دوماً. أول سؤال يتبادر هنا منذ متى يعرف الإسلام وإخوانه مسألة تحديد مدة رئاسة رئيس الدولة؟ ومتى تم تنفيذها منذ قيام الدولة الإسلامية وحتى اليوم؟ إن الخليفة كان يحكم مدى الحياة ودون أي اعتراض منعاً للفتن مثل كل الراشدين وغير الراشدين؟ ثم هل سبق وتم تداول السلطة في دولة المسلمين؟ نعم حدث تداول لكنه كان إما بالسم أو بالخنجر أو بالسيف؟ ماذا حدث للإخوان؟ إنهم يزعمون أنهم المسلمون دون الجميع، ويفون أنفسهم على المسلمين، ويطالبون بأمر لم يعرفه الإسلام ولا المسلمون، بل أن ما يطلبونه اليوم يعد في مذهبهم السني كبيرة من الكبائر وعظيمة من العظائم. إن مسألة التمديد للرئيس من عدمه عبر انتخابات شعبية إزاء منافسين هو أمر يحدده الناس وليس الإخوان، فقط ألفت النظر إلى أن الإخوان يتبنون اليوم مفاهيم الغرب الكافر في السياسة ليطالبوا بتفعيلها فوراً، ويزعموا أنهم مازالوا إخواناً؟! إن على الإخوان الاختيار ما بين الانخراط في العملية الديمقراطية كعملية مدنية مائة بالمائة لا علاقة لها بالإسلام ولا بأي دين، ولا علاقة لها بأي مقدسات فهي لا تعرف مقدسات إنما تعرف البشر بأخطائهم وصوابهم الإنساني وحده، وإما أن يظلوا إخواناً ولا يحدثوننا برطانة رفضوها عبر تاريخهم الطويل. فهذا لون من الخطاب المخادع خداعاً غير ذكي بل هو خبث ريفي يثير الرثاء والسخرية أكثر مما يستجلب الاحترام. خطاب يلقي بمزيد من الشك على ما يضمرون لنا ولوطننا، خاصة مع خيانتهم الجديدة للإسلام بشق عصا الطاعة على الإمام، وهو إثم يعلمون كم هو عظيم وإثم كم هو كبير عبر تاريخهم مع ألوان الخلافة عبر التاريخ ، اليس ذلك صحيحهم المذهبى؟. لقد قالوا طويلاً أن لديهم في الإسلام كل الحلول السحرية المفاجئة التامة لكل مشاكلنا، فما لهم اليوم وديمقراطية بوش وشارون؟ وإذا قالوا اليوم أنهم سيتنازلون عن المبدأ الإسلامي في الحكم الذي حكمونا به طوال الزمن الخليفي حتى سقوط آل عثمان وهو الحكم المؤبد للحاكم حتى موته مهما فعل، فهو ما يعني أنهم قد تنازلوا ضمناً عن الدين، كده غلط، وكده غلط، هل تدرون لماذا؟ لأن الدين ليس هو الموضوع عند الإخوان، إنما هو الكرسي. وهل عرف تاريخ الإسلام قانون غير قانون الطواريء الدائم الأبدي منذ حكم أبو بكر؟ فلماذا يحتجون عليه؟ يجوز ذلك لغيركم لكن لا يجوز لكم !!!!. هل تحتجون عليه لأنه قبيح مكبل للحريات؟ نعم لاشك أنه يأخذ المواطن بالشك والشبهة، لكنهم في دولة الإسلام كان الشك والظنة لا تدخل الإنسان معتقلاً بل تذهب به إلى بارئه فوراً مفصول الرأس أو مقطع الأطراف. إذا كنتم ضد هذه القوانين فلماذا لا تعلنون إدانتكم لها في تاريخ المسلمين حتى نصدق أنكم فعلاً ضد مثل هذه القوانين أم أنكم تنادون بما لا تؤمنون به؟ إنكم سادتي داخل جماعتكم حتى الآن لا تعرفون نظام الانتخاب ولا تطبقونه، ومرشدكم يظل مرشداً مادام حياً حتى يصيبه الخرف، ويحكم هذا المرشد فى إخوان لخمسين بلداً إسلامياً أو يزيد، ويتم اختياره بالبيعة التي لا يشارك فيها سوى خمسة عشر عضواً في مكتب الإرشاد. إنكم سادتي الإخوان ذوي أقنعة كثيرة ومحيرة، إنكم مرة دكتور جيكيل ومرة مستر هايد. ثم يشير العريان إلى المبادرة التي طرحها الإخوان للمشاركة في الإصلاح بأنها " برنامج الإخوان لبناء نهضة مصرية ترتكز على مرجعية إسلامية، وتسعى إلى تحقيق غايات الإسلام العليا في العدل والحرية والمساواة والشورى والكرامة الإنسانية ". ها قد عاد مستر هايد، فبعد إعلان الإيمان بمدنية الدولة والحكم يعلن أن الإخوان يسعون لتحقيق غايات الإسلام العليا، فماذا عن غايات المسيحية العليا؟ وماذا عن غايات الشيعة العليا؟ وماذا عن غايات العلمانية العليا؟ وماذا عن غايات الملحدين العليا، إن لكل فريق قيم يراها هي العليا، لذلك لابد أن تصبح كلها في الفعل المدني غايات نسبية وليست عليا والحق سيكون مع من يثبت مدنيته لادينيته وعقيدته، أما الحديث عن كون العدل والحرية والمساواة والشورى والكرامة الإنسانية قد سبق وتحققت في تاريخ المسلمين تحت حكم ادعى الإسلام، فهو أمر لم يحدث ولا مرة واحدة سوى في الشعارات النظرية، لأن واحدة في واقع التطبيق لم يحقق تحت هذا الحكم سوى انعدام العدل وغياب الحرية واللامساواة بطبقية بشعة لا مثيل لها تميز بين المسلم وغير المسلم وبين العربي وغير العربي وبين الرجل والمرأة وبين الحاكم والمحكوم وبين السيد والعبد وفق قوانين فقهية مشرعة معلنة، فهل سيحقق عريان بالإسلام ما لم يستطع أن يحققه ولا حتى الخلفاء الراشدون، ولا بقية الخلفاء منذ أربعة عشر قرناً؟ إن الدستور المدني والعمل السياسي المدني لا يجب أن ينحاز أبداً إلى أي فئة من فئات المجتمع المصري، أو ملة، أو دين، أو عرق حتى يخلق لها ميزة أو فضل على باقي عناصر المجتمع، أو إلى عدمه المساواة والعدل، أو فقدان الإخاء المؤدي بالتبعية إلى الكراهية والتباغض، ومن ثم عدم الولاء للوطن. لهذا أبداً لم يشر الإخوان إلى المادة الثانية بالدستور عن دين الدولة ومصادر تشريعها ولا مرة، فهي الباقي أبداً بينما يحدثوننا عن المواد الخاصة برئيس الجمهورية وسلطاته ومدة ولايته بحديث لا هو من الإسلام ولا هو من المدنية. ثم يخلط العريان كل الأوراق دفعة واحدة فيقول: "ليس في منهاج الإخوان إقامة دولة دينية أو حكومة دينية، بل منهجهم يقوم على إقامة حكومة ودولة مدنية يتساوون فيها الحقوق والواجبات التي يضمنها الدستور، مرجعيتها الأسلام الذي هو عقيدة الأغلبية؟" ! أترون إنهم لا يريدون حكومة دينية ولا دولة دينية، ولا تعلم لماذا كل تاريخ أدبياتهم الطويل العريض يدور حول الدولة الدينية، إنما حكومة يتم تشكيلها بصندوق الإقتراع تؤدي إلى قيام دولة مرجعيتها الإسلام.. صحيح اللي اختشوا ماتوا. ولا زال لنا مع الإخوان حديث وقول قد يطول.
الإخوان يتمقرطون
أخبار متعلقة