أضواء
جدل كبير أثير حول عمل المرأة، وهل في الأصل مكان المرأة هو المنزل ودورها ورسالتها تتركز داخل عش الزوجية ؟، هذا الجدال الذي لم تطفأ شرارته بعد، هو مثار حوار على مستوى عالمي، فقد أكد استطلاع حديث أجرته رويترز ومعهد ايبسوس وشمل أكثر من 24 ألف بالغ في 23 دولة أن ربع سكان العالم يعتقدون أن المرأة مكانها المنزل، وشمل الاستطلاع آراء رجال من عدد من دول العالم كان أبرزها: تركيا 52 % واليابان 48 % وروسيا والمجر 34 % . وجاء في الاستطلاع الذي نشر على إحدى الشبكات الإلكترونية: المدهش أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما كانوا الأكثر تأييدا لهذا الرأي على الأرجح وليس الجيل الأكبر، والأكثر تمسكا بالتقاليد، لكن غالبية من شملهم الاستطلاع ونسبتهم 74 % يعتقدون أن مكان المرأة ليس المنزل بكل تأكيد.وإن كان هذا الاستطلاع يعبر عن رأي ما يقارب 26 % من سكان العالم بحسب استطلاع الرأي والذين يؤيدون أن مكان المرأة الطبيعي هو المنزل، فإن هذه النظرة في الغالب تستند إلى الفكرة القديمة التي نشأت عن سلوك وتربية أحاطت بهؤلاء الذين عبروا عن رأيهم وهو الأقل عموماً، وهو الحال الذي ينطبق تماماً على مجتمعاتنا وبالذات في المملكة: (السعودية)، حيث أعتقد أنه لو تم عمل استفتاء للرأي أو استطلاع مشابه فإن نسبة المؤيدين لبقاء المرأة في المنزل، وأنه مكانها الطبيعي ستزداد جداً، وربما تصل إلى أكثر من 70 % حسب اعتقادي، وهذا الأمر يعود لطبيعة الثقافة التي تربينا عليها، والعادات والتقاليد التي تحكم المجتمع المحافظ الذي نعيشه، ما يجعله غير متقبل للأفكار الجديدة، وهي طبيعية في مثل هذه الحالات، ولأن الشباب من طبيعتهم تقبل الأفكار الجديدة فقد دهش الاستطلاع من نسبة قليلة من الشباب أعمارهم بين 18 و34 عاماً يؤيدون الرأي الذي يقول إن مكان المرأة في المنزل. إذاً: الثقافة هي الحكم في هذا الأمر، وثقافات الشعوب، وطريقة حياة الشعوب هي السمة الغالبة التي تطغى على أحكامها في كثير من الأمور بقبول أو رفض الأفكار الجديدة، أيضاً يظهر أن الرفض يكون شديداً في بادئ الأمر ثم تنخفض حدة الرفض لتلك الأفكار شيئاً فشيئاً، وبالذات عندما توغل وسائل الإعلام في تناول مثل هذه القضايا، وتكرس المزيد من الأطروحات التي ربما تأتي على شكل تساؤلات في تقبل المجتمع أو رفضه للفكر الجديد. ومن بين تلك الأفكار الجديدة -التي ما زالت على طاولة البحث في مجتمعنا ـ عمل المرأة بشكل أكثر حضوراً وفاعلية في المجتمع، ومعنى ذلك أن تكون شريكة للرجل، وإلى جوار الرجل في ميدان العمل العام. والرفض الذي تواجهه فكرة عمل المرأة، لم يقتصر على فتح المجال الكامل للمرأة، واختلاطها بالرجال في ميدان العمل بل إنه توقف عند قضية أقل قدراً وأقل إشكالاً، وهو عمل المرأة في مجال بيع الملابس النسائية في الأسواق، وعمل محلات تجارية تختص بالنساء فقط، وهو الأمر الذي يحفظ مكانة المرأة بالشكل الذي يريده المحافظون الرافضون لعمل المرأة. تأتي بعد ذلك قضية قيادة المرأة للسيارة التي أشبعت حديثاً ونقاشاً، والتي يرفضها فئة كبيرة من أبناء المجتمع ومن التيار المحافظ ليس لمجرد فكرة أن تقوم المرأة بالانتقال بنفسها بسيارتها الخاصة من مكان لآخر، وليس للخطر الذي يعتقدون أنها ستواجهه من الشباب الذين يصمونهم بالذئاب البشرية، بل إن الأمر يتعدى ذلك، وهو أن المرأة عندما تقود سيارتها بنفسها فإنها حين ذاك ستستقل بذاتها، ستصبح قادرة على قيادة ولو جزء من شؤون حياتها، ستصبح ليست رهينة السيد - الرجل - في كل الأوقات كما هو حالها الآن، بل ستتعلم كيف تتصرف في كثير من مواقف الحياة، ستصبح مضطرة لإصدار قرارات مهمة في الشارع، وفي السوق، وفي كافة ميادين الحياة، بمعنى أن حجم الوصاية التي تعيشها المرأة حالياً سيتقلص كثيراً، وربما أقل هذه الوصاية هو عدم خروجها من المنزل لأي طارئ كان دون إذن وليها، وهو الأمر الذي لا يتنافى مع شعورها بشيء من الاستقلال في إدارة شؤون حياتها. [c1]*عن صحيفة (الجزيرة) السعودية[c1]