تمر ببعض الدول أزمات اقتصادية حرجة، تتسبب في تدهور مستوى الدخل عند الأفراد، كما قد تنعكس تأثيراتها سلباً على الأوضاع الاجتماعية والظروف الصحية للسكان.إلا أن القصة في هذا الجانب تبدو مختلفة مع الشعب الكوبي، والذي أفاد من حيث لا يدري، من تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، إذ تبين أن الوضع الصحي للأفراد قد تحسن جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عصفت بالبلاد أواخر الثمانينيات، والتي استمرت حتى التسعينيات.ويؤكد هذه الحقائق فريق أميركي- كوبي ضم باحثين من جامعة "ميتشيغن" الأميركية، وذلك بعد أن أجرى دراسة لرصد التأثيرات الصحية للأزمة الاقتصادية الخانقة التي بدأت تعاني منها كوبا في العام 1989، واستمرت حتى أواخر التسعينيات.ويقول الباحثون بأن الشعب الكوبي كان يعاني كبقية الشعوب من ارتفاع معدلات السمنة بين أفراده، كما انتشرت بينهم عوامل الخطورة للإصابة بالسكري وبأمراض القلب.وبحسب الدراسة فقد تبين أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشها سكان كوبا خلال تسعينيات القرن الماضي دفعت بهم إلى ممارسة سلوكيات صحية، مثل المشي أو قيادة الدراجات، وذلك بدلاً من استخدام المركبات التي تعمل بالوقود، كما عمل الأفراد على خفض عدد السجائر التي يدخنها الواحد منهم يومياً، هذا بالإضافة إلى تناول وجبات ذات سعرات حرارية منخفضة، مقارنة مع الوضع قبل بدء الأزمة، بسبب انخفاض المخصصات المالية من دخل الأسر، والتي يتم رصدها لشراء الغذاء، فقد أشارت النتائج أن متوسط السعرات الحرارية التي كان يحصل عليها المواطن الكوبي قبل الأزمة انخفض من 2900 حريرة يومياً، إلى 1863 حريرة كل يوم خلال الأزمة الاقتصادية، ما اعتبره الخبراء عاملاً إيجابياً للتقليل من معدلات السمنة بين السكان.كما أظهرت الدراسة أن عدم توافر وسائط النقل العامة بشكل كاف لنقل المواطنين من مكان إلى آخر، دفعهم إلى ممارسة المشي للتوجه إلى الأماكن التي يقصدونها، وهو ما أشار إليه باحثو الدراسة كارتفاع في معدل النشاط الحركي عند الفرد.واستعان الباحثون في دراستهم تلك ببيانات وإحصاءات أخذت من مسوح سكانية أجريت في كوبا خلال الفترة ما بين العام 1980 والعام 2005، لتحديد التطور الذي طرأ على انتشار الأمراض بين السكان ما بين العام 1991 والعام 1995، والتي شهدت تدهوراً في الأوضاع الاقتصادية، ومقارنتها بالحال خلال السنوات التي سبقت وتلت تلك الفترة.وطبقاً لنتائج الدراسة التي نشرتها "الدورية الأميركية لعلم الوبائيات" فقد ارتفع معدل النشاط الحركي بين السكان، وهو يعرف بأنه ممارسة نشاط بدني بدرجة متوسطة أو شديدة لمدة ثلاثين دقيقة أسبوعياً، من 30 في المائة قبل دخول الأزمة الاقتصادية، إلى 67 في المائة خلال فترة الأزمة.كما انخفضت معدلات انتشار السمنة بين الكوبيين لتصل إلى 7 في المائة، بعد أن بلغت 14 في المائة خلال السنوات التي سبقت بداية الأزمة الاقتصادية، هذا بالإضافة إلى انخفاض عدد السجائر لكل فرد سنوياً من 2200 سيجارة للعام 1980، إلى 1200 سيجارة في العام 1997، وذلك بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية.وعلى الرغم من التأثيرات - التي بدت إيجابية - لضعف الحالة الاقتصادية على صحة الأفراد، إلا أن الباحثون لم ينكروا وجود آثار سلبية لتلك الأزمة في المجال نفسه، فقد ظهر أن الأمراض ذات المنشأ العصبي ازدادت خلال تلك الفترة، بسبب ما تعرض له الأفراد من شح في توافر بعض العوامل الغذائية في الأطعمة التي يتناولونها.كما ارتفعت معدلات الوفيات بين المواليد وكبار السن، بسبب سوء الحالة الاقتصادية، طبقاً لما أوضحوا.
الجسم السليم في الجيب الفارغ بكوبا
أخبار متعلقة