الفنـان ماكس بيكما ن
يحكى أن نرسيس كان أول من رأى صورته على صفحة الماء فانقض عليها فغمره الماء وغيبه عن الحياة، ومن نرسيس هذا اخذ مصطلح النرجسية واعقبه كذلك استخدام الفنانين وريشاتهم لتصوير أنفسهم والتعبير عن خلجاتها ربما للاعتداد بها او للتهكم بالحياة من خلالها.وقد رصد المؤرخون الأوروبيون أوائل الرسامين لصورهم الشخصية وحقيقة تاريخ الفنانين والرسامين للاعتزاز بانفسهم واتفقوا على ان الفنان البريشت دورر كان أول من نظر إلى وجهه وعرف العالم بنفسه، وله لوحة مشهورة مثل فيها نفسه مصلوباً وعلى راسه أكليل من الشوك على هيئة المسيح، ومتألماً مثله، وهذا التمثيل للذات ومساءلتها الذي بدأه البريشت دورر فتح شهية الرسامين وغدا لدى الرسام رمبرنت عملاً داخل عمل.أما الفنان ماكس بيكمان الألماني، فقد ترك صوراً لنفسه أكثر من أي فنان آخر، فهو برسمه يحتفظ بهويته الخاصة على كثرة ما يتخذه لنفسه من أقنعة وأزياء ومقتنيات.. وقد عرف عن بيكمان إبراز رسمه معتداً بنفسه، حتى عند رسم نفسه مشككاً بذاته او مظهراً المه.وتصوير بيكمان لنفسه بمثابة رسائل او مذكرات يومية عند سواه ولوحاته بما فيها من درامية قليلة الكلمات ومن أكثر الوثائق التي خلفها الفنانون في القرن العشرين تاثيراً في النفس.ففي عام 1907م في فلورنسا رصدت لوحة: " السيد بيكمان الفني في فلورنسا" وهي أول صورة للرسام بيكمان يمثل فيها نفسه وفنه تمثيلاً طيباً، ويبدو ان عمره كان ثلاثة وعشرين عاماً.وكان لماكس بيكمان مرسم خاص وواسع يسطع فيه الضوء حتى انك تحسب نفسك في الخلاء ، هكذا قال عنه راينهارد بيير جامع أعمال ماكس بيكمان.لقد تطوع الرسام بيكمان في الخدمة العسكرية ممرضاً، أثناء الحرب العالمية الأولى وكتب ذات يوم لزوجته الآتي " ان في الوقوف بين الحياة والموت لذة جامحة بل تكاد تكون شريرة".واستخدم ماكس بيكمان المأساة الإنسانية مادة لرسم لوحاته وقد كانت لوحته غرق "سفينة تيتانيك" ذات السبق في رصد مأساة سفينة تيتانيك.. كما رسم عن الهزة الأرضية في ميسنا ولقد أثرت الحرب العالمية تاثيراً سيئاً على بيكمان فأصيب بانهيار نفسي وسرح لذلك من الخدمة العسكرية.بيد ان بيكمان واصل عمله الفني ورسم لوحات تترى اجتمعت فيها أهوال الذكرى وبؤس الحاضر ورسم الطبيعة ومناظر المدينة وتصالح اخيراً مع العالم، واعتبر احد المتعالين لإنقاذ الفن والحياة.وعندما طرد أدولف هتلر الفن من ألمانيا.. استفادت متحف العالم من لوحات الفنانين الألمان،ففي عام 1948م هاجر بيكمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك رسم لنفسه صورة حاملاً بوقاً ، فبذا فيها إنسان تتوزعه عوالم مختلفة شأنه شأن أي مهاجر. وقد قال: (أخشى أن مغامرة حياتي ستنحدر انحداراً جارفاً ، فمبيعات اللوحات تنقص عدداً وقدراً على نحو مطرد.. وتراني انحط من فرس سباق إلى بغل طاحونة وماذا في ذلك).ومات ماكس بيكمان الرسام الألماني في غربته في نيويورك في ديسمبر 1950 وهو قاصد متحف ميتر وبوليتان، حيث كانت تعرض آخر لوحة رسمها لنفسه، إذ رسم نفسه في سترة زرقاء .. ودافع بيكمان عن حقه في النظر إلى المرآة كلما وقف أمام قماش الرسم.