أفكار
علي عكس ما يحدث في بلادنا, يمثل حق الإضراب في الدول الأوروبية أحد الحقوق الأساسية للتعبير عن المطالب التي تشكو منها فئات المجتمع .. وخلال أيام قليلة قضيتها في باريس كانت هناك إضرابات لعمال النقل والمزارعين وسائقي الشاحنات ومنتجي الألبان والصيادين.وكان القاسم المشترك هو الاحتجاج علي زيادة أسعار الوقود وتأثيرها علي مستوي المعيشة, إلي الدرجة التي دعت ساركوزي إلي اقتراح إلغاء أو خفض الضريبة علي الوقود.غير أن مثل هذه التقلبات الاقتصادية التي تتنبأ بها أجهزة الرصد والمتابعة في الاتحاد الأوروبي ، وتتعاون علي مواجهتها ، لا تحدث اضطرابا ولا تؤدي إلي إعلان الطوارئ!! وقد تطور الاتحاد الأوروبي ليصبح أهم كتلة اقتصادية وسياسية في العالم!علي أن الأهم من ذلك هو الدور الذي تقوده فرنسا ساركوزي ، فهي لا تخفي تصميمها علي تغيير المقولة التي أطلقها رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ، حين وصف الدول الأوروبية التي عارضت حرب العراق بأنها أوروبا القديمة مقارنة بأوروبا الجديدة التي انصاعت لمغامرات بوش، من بريطانيا بلير إلى اسبانيا أثنار إلى ايطاليا بيرلسكوني ، ثم لم تلبث أن ندمت علي مغامرة لا ناقة لها فيها ولا جمل.ساركوزي يحاول الآن أن يعيد لأوروبا نفوذها الضائع علي المسرح العالمي كمركز ثقل في عالم متعدد الأقطاب ، لا تنفرد فيه أمريكا بالقرار ، ولا تترك فراغا يسمح لقوي مثل الصين وروسيا والهند بإلغاء أو إضعاف الدور الأوروبي.والمناسبة التي تنتهزها فرنسا ــ برغم كل الانتقادات التي توجه إلي ساركوزي شخصيا ــ هي تولي فرنسا رياسة الاتحاد الأوروبي في حقبة فاصلة من تاريخ تطوره الذي نقله نقلة كبيرة بإقرار اتفاقية لشبونة التي أعادت بناء الاتحاد علي أسس جديدة، تحت رياسة رئيس واحد وسياسة خارجية واحدة ، تأتي متزامنة مع إدارة أمريكية جديدة في يناير المقبل, بحيث تستطيع أوروبا أن تتقدم بخريطة طريق واحدة ــ بالتعاون مع أمريكا ــ في حل مشكلات دولية مستعصية انفردت أمريكا بملفاتها مثل الشرق الأوسط ، والصراعات الدائرة في إفريقيا ، وسياسة أوروبا الدفاعية... فضلا عن مشكلات تأتي من دول الجوار سواء من أوروبا الشرقية أو دول الجنوب المتوسطي... بما في ذلك مشكلات الهجرة، والتغيرات المناخية والطاقة وأزمة الغذاء.هناك إذا مصلحة مشتركة, تتعارض أو تتوافق, بين أوروبا الجديدة ومجموعة الدول العربية المطلة علي البحر المتوسط... وفي نظر فرنسا فإن عملية برشلونة لم تحقق أهدافها في تحقيق الاستقرار وتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي.. ومن ثم فإن الاتحاد من أجل المتوسط هو الحل السحري الذي يظن ساركوزي أنه يتلافي عيوب برشلونة.. ولكن أي اتحاد وأي متوسط؟!