عبدالله اسكندر:مع تجدد موجة الارهاب ، يجدر بقادة الرأي ورجال الدين العرب والمسلمين عموما التساؤل عن مدى كونهم معنيين بهذا الإجرام. وكذلك عن المسؤولية التي تقع على عاتقهم في هذا المجال.بالطبع ان يكون هؤلاء معنيين وعليهم مسؤولية كبيرة لا يعني انهم تحت اتهام جنائي، وانما المقصود ان ظاهرة الارهاب التي تضرب في بلداننا ايضاً لم تعد معالجتها تقتصر على الكلام العام عن تبرئة الدين الاسلامي من المجرمين، واعتبار ان شعار الإسلام لتبرير الارهاب يصدر عن فئة ضلت عن الفهم الصحيح للشريعة.لم يعد ذلك كافياً، لأن هذه الاستراتيجية المستخدمة منذ عقود لم تؤد الى وضع حد للظاهرة. لا بل ازداد الارهاب وازدادت اعداد مبرريه بالدين الاسلامي والسياسة معاً.تحمل الانباء اليومية اعداد القتلى في البلدان العربية والاسلامية، بفعل الارهاب. ولم نستطع بعد ان نقنع أنفسنا بأن هؤلاء الضحايا لم يقدموا أي خدمة لقضية محاربة الاحتلال في البلدان الاسلامية، لا في افغانستان ولا في العراق. لأن مقاومة الاحتلال تفترض في الحد الادنى الاستناد الى مشروع وطني يشمل الجميع، وليس استهدافا عشوائيا لكل ما تقع عليه اليد، تحت مبرر التكفير.هذا الشكل من الارهاب ينهك مجتمعاتنا ويمنعها من صياغة تصور لمستقبل وطني ينخرط فيه جميع المواطنين. ويمكن ان يحدث ارتباكا في الغرب. لكنه، وفي الاساس، يتعارض تعارضاً صارخاًً مع مقاصد الشريعة التي تتوجه الى الحياة بكل تفاصيلها، وليس الحث الدائم على الموت.لقد آن الأوان لتحرير الدين من خاطفيه الارهابيين. وهذا التحرير لا يكون كاملا بتنديد من هنا ومراجعة من هناك. بل باعتبار انه يعني إعادة الاعتبار للحياة في الدين. مع ما ينطوي عليه ذلك من إعادة تفكير بكل ما يربط المسلم بالحياة.وفي الوقت نفسه، لم يعد خافيا الاستغلال السياسي المباشر لبعض جماعات الاسلام السياسي ومجموعات الارهاب في البلدان العربية والاسلامية، ففي حين يندفع الارهابيون الى ممارسة عنفهم، ثمة من يرى في هذا الاندفاع حصانا رابحا في مواجهاته مع خصومه السياسيين .الارهاب عرفته كل العصور في المواجهات السياسية والوطنية. لكن عندما يتم تبريره باسم الدين فإنه يورط اتباع الدين في معارك لا تعني معتقداتهم. واتساع الظاهرة حالياً يعني ابتعاداً متزايداً عن المقاصد الحياتية للدين. وهذا يعني ان الارهاب لا يستهدف من يكفرهم من البشر، بل يستهدف ايضاً الدين نفسه، بما هو قيم بشرية تحض على المساواة ومكارم الاخلاق.من اقاصي آسيا، مروراً بافغانستان والعراق ولبنان، حتى مطار غلاسكو وصحراء مأرب التبرير هو نفسه: مواجهة الغرب والاحتلال لرفع راية الدين. لكن ذلك، في الواقع، تعبير عن المأزق الذي لم نحاول مواجهته مباشرة. كيفية إنجاز مشروع الاستقلال الوطني، والتعامل مع مكونات الحياة الحديثة، وجعل الايمان الديني دافعاً الى التقارب وليس التناحر. وفي ظل استمرار هذه الازمة، لا ينفعنا التباكي على ما نحن فيه والشكوى من التعامل الغربي مع البيئات الارهابية. فمهما كانت قضيتنا محقة، لا يمكن إقناع احد في العالم ان شخصا ما يحاول تفجير سيارة في عاصمة غربية او مدينة عربية يمكن ان يقدم خدمة لهذه القضية.
أخبار متعلقة