شفاء منصرثمانية قرون تفصل بين فجيعة الغزو التتري الوحشي الذي اجتاح (بغداد) بجيوشه المدججة بالجهل والهمجية، وحوَّلها إلى مسلخ بشري، وأغرق مكتباتها في مياه دجلة والفرات، وبين فجيعة الغزو الأمريكي الذي استباح (بغداد) وبقية مدن العراق، وصبغ كل ركن من أركانها بالدم والعذاب وأحرق مكتباتها، ومراكزها الأدبية والعلمية ومتاحفها وحوَّلها إلى كومة رماد. بعد أن نهب كنوزها التراثية والأثرية وهرَّبها إلى خارج حدود العراق، مستهدفاً تراث الأمة وتاريخها ورموزها، ومبرهناً على كراهيته وحقده الدفين لذلك التاريخ، ولذلك التراث.ولعل أقسى ما في تلك الحرب الشرسة أنّها فضحت بصمات الإرهاب الصهيوني الذي تطاول على تراثنا بما فيه من فكرٍ وإبداع وحضارة.إنّه تطابق مذهل بين تاريخ الغزو التتري الهمجي، والواقع الدموي للغزو الأمريكي!! ولعل الفارق الوحيد بينهما أنّ عدو الأمس كان جاهلاً وبلا حضارة، وعدو اليوم يدعي أنّه قمة في التحضر والسمو الإنساني!!وهو مثال للتوحش والبربرية : ((إنّها الأسطورة اليهودية الأمريكية في أنّهم أكثر قرباً من الإنسانية)). وإذا كان هناك تشابه في درجة البشاعة بين فجيعة الأمس وفجيعة اليوم لكن تظل دوافعهما مختلفة، فالغزو التتري لبلاد المسلمين جاء كرد فعلٍ عنيف على قتل ((خوارزم شاه)) لرسل (جنكيز خان) مبرراً له شن تلك الحرب الدموية انتقاماً لمقتلهم، بينما الغز الأمريكي يرتكز إلى ((حيثيات أيديولوجية عميقة الجذور)) ترتكز إلى تحقيق (الحلم الديني) للكيان الصهيوني بإنشاء ما يسمى ((مملكة الرب)) دولة إسرائيل الكبرى، التي تتحدث عنها نبوءاتهم القديمة في أسفار التوراة كما يدعون، وذلكم الهوس الديني اليهودي استخدم لتحقيق أهداف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وفي تبرير تصرفاتها من الاحتلال إلى الاستيطان ومن إعلان الدولة العبرية في فلسطين إلى غزو العراق الذي استند فيه بوش الثاني زعيم حملة اليمين الأمريكي إلى خلفية دينية توراتية، حيث يجد أن كل ما فعله جيشه في العراق من قتل وحرب إبادةٍ يجعله مرتاح الضمير ((لأنّه لا ينظر إلى نفسه، إلا كونه متديناً ينفذ تعاليم الرب)).ومعروف أنّ بوش وبقية رموز حكمه وأسلافه أصوليون صهاينة منذ الرئيس ((رونالد ريجان))، وحتى بوش الأول الذي كان يؤمن بضرورة تدمير العراق، حينما كشف عن حقده الدفين للعراق إبان حرب الخليج الثانية :((سأُعيد العراق إلى العصر الحجري))، لأنّه هو الآخر استند فيما قال إلى خلفية توراتية؟! على اعتبار أنّ التوراة بالأساس (العهد القديم) هي المرجع الأعلى لدى البروتستانت ومعروف أنّ (الطائفة البروتستانتية خارجة عن سلطة (البابا) الكاثوليكي، وهي ((أقرب على تبني الإدعاءات اليهودية والتفسيرات التي وضعوها في العهد القديم نظراً لإدخال اليهود لأفكار قديمة تعتمد على تفسير مغلوط لتنبؤات توراتية في مفاهيم الكنيسة البروتستانتية)) فتلاقت مصالح البروتستانت في أمريكا مع مصالح الصهيونية اليهودية من خلال دعمهما القوي لقضية تحقيق نبوءة إقامة مملكة الرب أو إسرائيل الكبرى التي يلزم لتحقيقها أن تقوم حرب إبادة! وهو ما نراه جلياً في الحرب الدموية التي ما زالت فصولها تتوالى تباعاً على أرض العراق دماً ودماراً وترويعاً.ومن أجل تبرير الحرب والاحتلال منذ اغتصاب فلسطين حتى اجتياح (بغداد) عمدت الصهيونية العالمية إلى استخدام أساليب إستراتيجية مخادعة وعديدة ومن ضمنها توظيف السينما الأمريكية ودعمها لإنتاج، الأفلام والروايات التي تصور (بابل) على أنّها ((مدينة الشيطان)).ومعروف تاريخياً أنّ ((مملكة (بابل) قبل الميلاد جزء من خريطة العراق الحالي))، وهذه المملكة سبت في عهد (نبوخذ نصَّر) أكثر من ألف يهودي في ما يسمى بالسبي البابلي.وبسبب تلك الواقعة التاريخية ظل الحلم بتدمير بابل (العراق) أمنية عزيزة يسعى إليها اليهود لنيلها مهما كلفهم ذلك الحلم من ثمن.وكانت بداية تحقيق جزءٍ من ذلك الحلم الصهيوني بتدمير المفاعل النووي العراقي في عام 1981م في عملية أطلق عليها اسم (بابل) ((كنوعٍ من الانتقام الرمزي على عملية السبي البابلي التي نفذها (نبوخذ نصَّر).وإذا كان تدمير (بابل الجديدة) العدوان على العراق عقيدة لدى اليهود فماذا تقول عن ذلك العدوان النصوص التوراتية ؟ تتحدث النصوص التوراتية عن ((معركة كبيرة تدمر بابل جزاء ما فعلته باليهود. الأصوليون البروتستانت واليهود يؤمنون بها إيماناً جازماً ويسقطون مملكة بابل على دولة العراق الحالية بزعامة صدام حسين (ملك بابل))).يحاول الكاتب ((أمير سعيد)) في دراسة له بمجلة (البيان) السعودية التي اعتمدنا عليها كمرجعٍ في هذه المقالة كما يقول :أن يتمثل عقول الأصوليين الصهاينة ويضع أقواساً من عنده، لينظر كيف يفكرون؟ :ـ رؤية أشعياء : 13 : 1 ـ 8 : ((أنصبوا راية فوق جبل أجرد، أصرخوا فيهم، ليدخلوا أبواب العتاة.. لأنّ الرب القدير يستعرض جنود القتال يقبلون من أرض بعيدة (الولايات المتحدة) من أقصى السموات (بقاذفات بي 52، وطائرات إف 16 شاهقة الارتفاع)، هم جنود الرب وأسلحة سخطه لتدمير الأرض كلها (بأسلحة الدمار الشامل التي تحمل الاسم نفسه).رؤية أشعياء: 13 : 9 ـ 16 : ((ها هو يوم الرب قادم مفعم بالقسوة والسخط والغضب الشديد ليجعل الأرض خراباً.. وأعاقب العالم على شره (محور الشر)، وأضع حداً لصلف المتغطرسين وأذل كبرياء العتاة (ديكتاتور العراق)، وأزلزل السموات فتزعزع الأرض في موضعها (بفعل القنابل الذكية) وتولي جيوش بابل (منسحبة) حتى ينهكها التعب عائدين إلى أرضهم ويمزق أطفالهم على مرأى منهم (بفعل السرطان الناتج عن اليورانيوم المخصب أو بفعل القنابل الثقيلة)، وتنهب بيوتهم (بنهب نفطهم) وتـُغتصب نساؤهم..)).سؤال هل يستحق مليون طفل عراقي الموت؟سؤال شبكة C B C يوم 11 / 5 / 1996م أجابت عنه مادلين أولبرايت : ((نعم أعتقد يستحقون ذلك)) أولبرايت لا تتحدث بلسان جنرال وإنّما بلسان ((قديسة)) تؤمن حرفياً بنصوص المزامير التي تنص على : ((يا بابل المخربة طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا طوبى لمن يمسك أطفالك ويهشم على الصخرة رؤوسهم)).وتخاطب رؤية أشعياء : 14 : 4 ـ 23 : ملك بابل (صدام حسين) قائلة : (( أما أنت فقد طُرحت بعيداً عن قبركَ كغصن مكسور)) (بعد أن تقبل بالرحيل الذي تفرضه عليك أمريكا)، لأنّك خرّبت أرضك وذبحت شعبك (في مذبحة حلبجة وقمع انتفاضة الشيعة أو بواسطتنا) فذرية فاعل الإثم يبيد ذكرها إلى الأبد.. أعدوا مذبحة لأبنائه جزاء إثم آبائهم..)).ـ رؤية يوحنا 16 : 12 ـ 14 : ((وجمعت الأرواح الشيطانية في هرمجدون ثمّ سكب الملاك السابع كأسه في الهواء (بالقنابل الفراغية والأسلحة النووية)، فحدثت بروق وأصوات رعود وزلزال عنيف فانقسمت المدينة العظمى (بابل ـ العراق) إلى ثلاثة أقسام (دولة كردية ـ دولة سنية ودولة شيعية).وماذا بعد .. لاشك أنّ جراب أمريكا لن يخلو من الحيل والأكاذيب والنصوص التوراتية المخادعة لتفاجئنا بفجيعة جديدة تبرر من خلالها عملية مبادأتنا بعدوان بربري جديد، على أرض عربية جديدة تستهدف فيه كعادتها إدعاء الظلم لتلتف على مفهوم الحق وأصحابه مبررة وجه الظلم على أنّه دفاع عن النفس.
|
ثقافة
العدوان على العراق في النصوص التوراتية
أخبار متعلقة