عمالة الأطفال في العطلة الصيفية ..بين الرفض والتأييد!!
ريبورتاج/ محرر الصفحةالحرمان يولد ثورة أو خنوعاً واستسلام.. ولهذا استسلم الأطفال للقمة العيش الحرة الكريمة، وذلك لما يعانونه من معيشة ضنك جعلت فرائصهم تهتز لوضع حد لهذا الفقر.. وهنا نجد صديقنا (علي) ذي العشرة أعوام يقوم بالتردد على أسواق (السوبر ماركت) القريبة من منزلهم للبحث عن عمل فيها - بعد أن أنهى امتحاناته النهائية خلال العطلة الصيفية الطويلة.. لأنه لا يريد قضاء العطلة متسكعا في الشوارع ومتسمرا أمام شاشات التلفزيون أو باللهو مع أصدقائه، محاولا استثمارها بعمل يشغل وقته ويوفر له المال في الوقت نفسه ليخفف عن عائلته بعض الشيء.ولم يكن صديقنا علي الصبي الوحيد الذي فكر بالعمل بل هناك أطفال آخرون اختاروا العمل في العطلة الصيفية في مجالات شتى وكانوا حريصين على تمضيتها بما يناسب أعمارهم .. إن أرباب العمل يفضلون عمالة الأطفال أكثر من غيرهم حسب قول صاحب إحدى الورش في محافظة عدن الذي كان يعمل معه اثنان من الصبية بعمر علي ، يعملون بجد وحرص ومع ذلك يتقاضون أجورا بسيطة ، كما أنهم يستجيبون بدون مشاكل لأوامر صاحب العمل فضلا عن أمانتهم وبساطة مطالبهم. [c1]فرصة جيدة[/c](سالم) 12عاماً وجد عملا في محل لبيع الخضروات يمتلكه صديق والده ، وهو سعيد بعمله لأنه حسب تعبيره يوفر له أجواء جيدة بعيدا عن حرارة الشمس إضافة إلى أن الأجور اليومية التي يتقاضاها تسد احتياجاته المدرسية في العام القادم دون إرهاق عائلته وهذا ما يشعره بالارتياح .ويشاطره الرأي (عماد) الصبي الذي يكبره بعامين يقول ( تعودت العمل أثناء العطلة الصيفية في هذه الأسواق التي أجد فيها فرصتي في توفير المال الذي تحتاجه عائلتي أيضا ، نجحت إلى الصف الثالث المتوسط ولم ارغب في ضياع الوقت باللهو وفي أمور لاتجدي نفعا ، ولأني أحب الاعتماد على نفسي كي لا احمل عائلتي أتعاب مصاريف الدراسة .. كما أن العمل يشعرني بالرجولة وبقيمة الإنسان).[c1]لهيب الفرن أرحم [/c]
يصف ( حمود) 10 سنوات الفرن الذي يمتلكه عمه بأنه أفضل بكثير من الأعمال الشاقة التي يمتهنها الأطفال الآخرون والتي تعرضهم لمخاطر عديدة تحت وطأة الشمس المحرقة وازدحام الطرقات ومشاكل الصبيان فيما بينهم ! فلهيب الأفران ولا لهيب الشمس كما يقول ، ويناشد ( حمود) المواطنين باحترامه عند بيعه الخبز(الروتي) لأنه يتعرض من الزبائن والأطفال الآخرين للكثير من السخرية والشتائم أمام الفرن كل صباح.أما ( احمد) 14 عاماً فقد اعتاد أن يذهب صباح كل يوم مبكرا إلى محل النقالة في السوق الشعبي الذي يبعد مسافة ثلاثة كيلو مترات عن منزله لأنه استطاع الحصول على عمل هناك .. ولاينتهي عمله الذي يصفه بالشاق إلا بعد ساعات طويلة من التعب والإرهاق وبعد أن يحل الظلام ليعود منهكا آخر النهار .. عن عمله يقول (رغم العناء الذي أواجهه في السوق إلا انه يوفر لي المال الذي احتاجه كما انه فرصة مناسبة لا أحب إضاعتها في التسكع أو النوم فما احصل عليه من عملي اليومي والذي لايتجاوز الألف ريال أراه مبلغا مناسبا بدلا من ضياع الوقت ٍ).[c1]عمالة الأطفال ..بين تأييد ورفض[/c]بعض العائلات ترسل أطفالها إلى العمل منذ الصغر خصوصاً في أوقات العطلة الصيفية فمن الأفضل حسب تقديرهم قضاؤها في عمل مهم بدلا من ضياعها .. لان الأطفال يعتادون على السهر في الإجازة الطويلة ومشاهدة التلفزيون ويستيقظون متأخرين ، واغلبهم يكون الشارع واللعب ملاذهم الوحيد وقد تبدأ المشاكل والمشاكسات فيما بينهم، إضافة إلى أن العمل سيكسبهم خبرة وثقة بأنفسهم ليتعلموا كيف يوفرون بعض المال .والبعض الآخر على العكس من ذلك لهم وجهة نظرة مغايرة لهذه الفكرة ويجدون أن من حق الطفل الاستمتاع بإجازته خاصة في مثل هذا السن الصغير . ومن الممكن أن نعوضهم عن العمل في العطلة الصيفية باستثمار فراغهم في ممارسة هوايات نافعة كممارسة الرياضة وتعلم الحاسوب أو حفظ القرآن أو تطوير مستوياتهم الدراسية للمراحل المقبلة التي نجحوا إليها .[c1]أطفال وسط شذا الأزهار[/c]
الأطفال الذين وفقوا بإيجاد فرصة عمل خلال عطلتهم الصيفية في المشاتل كانوا محظوظين ، فالبعض من أصحاب المشاتل استقبل عددا من الأطفال كأيدي عاملة في رش المزروعات والاعتناء بالزهور ونقل الشتلات من مكان إلى آخر ويبدو أن تعامل الأطفال اليومي مع رائحة الزهور العبقة وصور الأراضي الخضراء التي امتدت على مساحة واسعة ومع صور الطبيعة وسحر الألوان قد أضفى على عمل الأطفال نوعا من الأحاسيس المرهفة والطمأنينة حتى في تعاملهم بعضهم مع بعض .. هذه الأعمال البسيطة والجميلة تنعكس على أذواقهم ليصبحوا مستقبلا من عشاق الجمال ، تمنيت وقت ذلك أن يعيش أطفال العراق المحرومون والمتسكعون في الشوارع والذين يتعاملون مع مهن شاقة أن تتوافر لهم فرص التمتع بالحياة الجميلة بعيدا عن العنف ومصادره.ينهض ( صابر ، واحمد، وصلاح) مبكرين كل يوم ويذهبون إلى المشتل في إحدى القرى الريفية القريبة من محافظة عدن الذي يعملون به بفرح لا يوصف يتنقلون بين شتلاته للعناية بها ورشها بالماء.. حيث يقضون ساعات من العمل الممتع والمحبب لديهم وعند انتهاء ساعات عملهم يرفضون العودة إلى البيت لما يستمتعون به من أجواء جميلة.يقول ( جعفر) صاحب المشتل إن هؤلاء الفتيان يتنقلون كالفراشات التي تحط كل حين على زهرة ما ، وهم يعملون بجد إضافة إلى سعادتهم بسحر الطبيعة وجمال ألوان الزهور وحينما أراهم يرددون الأغاني والأناشيد الجميلة أثناء العمل اشعر بالفرح لأني وفرت لهم إضافة إلى العمل بأجور يومية ،فرصة أخرى في التمتع بجمال الحياة لكني احزن للصورة الأخرى من الحرمان الذي يعيشه أطفالنا بعيدا عن الأجواء الحالمة حين يعملون باضطرار تحت حرارة الشمس وبمهن صعبة لاتوازي أعمارهم الغضة . [c1]قوانين دولية[/c]حرصت قوانين حماية الطفل على عدم تشغيل الأطفال في أي عمل لايتناسب مع قدراتهم البدنية وعدت ذلك استغلالا لمرحلة الطفولة التي ينبغي أن يتمتعوا بها.. لكن حكومات البلدان الفقيرة والنامية اعتادت على خرق هذه القوانين وقذفت بشريحة واسعة من الأطفال إلى سوق العمل متجاهلة تأكيدات الأمم المتحدة وبرامج رعاية الطفولة بشأن حماية حقوق الطفل والحفاظ عليها ، والمشهد في بلادنا لا يختلف كثيرا عما يجري في البلدان النامية الأخرى حيث تعمد الكثير من العائلات على تشغيل أبنائها خلال العطلة الصيفية وربما هناك مبررات اقتصادية واجتماعية لذلك .. وقد تكون الدوافع الرئيسية للاتجاه نحو زج الأطفال بالعمل تأتي بغياب الخيارات أمام العائلات وتكون مضطرة إلى ذلك , ومنها غياب وسائل الترفيه والنوادي الرياضية المختصة بالطفولة إلى غيرها من الطرق الهادفة إلى استثمار أوقات الأطفال والفتيان بالنافع والمفيد خلال عطلتهم الصيفية .[c1]نتائج تربوية وسلوكية[/c]
والأسباب وراء ظاهرة عمالة الأطفال، الفقر والعوز وتدني المستوى الثقافي للأسرة والقلق من المستقبل .فليس أمام هذه الفئة من الأطفال غير خيارين: مواصلة العيش في بؤس وفقر مدقع أو التوجه للعمل ومساعدة عائلاتهم وتأمين بعض احتياجاتهم.ولهذه الظاهرة آثار سلبية في التكوين التربوي والنفسي والأخلاقي والاجتماعي على ما لا يقل عن مليون طفل عراقي يتوجهون إلى ميادين العمل الذي لايتناسب وأعمارهم الغضة.ومن الناحية الجسدية ،تشير الدراسات الميدانية إلى أن الأطفال العاملين يكونون أقل وزنا وطولا وأضعف نموا من أقرانهم بالعمر نفسه. كما أنهم يمكن أن يتعرضوا إلى إساءة معاملة جسدية من ربّ العمل أو من الزبائن،وآخرون يتعرضون إلى تشوهات جسدية قد تكون دائمة.وآخرون يصابون بأمراض من تنشقهم لمواد كيميائية وغازات سامة.وأخلاقيا ،يتعرض بعضهم إلى التحرّش الجنسي ،ويتعلم كثيرون مفردات سوقية وتصرفات سلوكية غير مهذبة.ومعرفيا، يتأخر نموهم الذهني وتنخفض قدراتهم العقلية وتنعدم لديهم فرص التفوق العلمي،مع أن كل طفل هو مشروع لأن يكون مبدعا.ونفسيا، ويقلّ احترام الطفل لذاته وقيمته حين يقارن نفسه بأطفال الأسر الميسورة الذين يستمتعون بطفولتهم.ويتولد لدى كثيرين منهم كره نفسي صريح أو ضمني كونهم ولدوا في أسر فقيرة. وكثير منهم يصبحون عدوانيين ومثيري مشاكل حين يعودون إلى المدرسة، لسببين، الأول: لتفريغ الإساءات الجسدية والاهانات النفسية والتحقيرية التي لحقت بهم من ربّ العمل والزبائن بزملائهم طلبة المدرسة ..ليشعروا وكأنهم قد أخذوا حيفهم، والثاني:حقدهم على الأطفال الذين استمتعوا بالعطلة فيما هم قضوها في شقاء وتعاسة ومهانة .[c1]عواقب سياسية[/c]
قد لا يدرك كثيرون أن لهذه الظاهرة عواقب سياسية سلبية أيضا ..إذ أن ظاهرة عمالة الأطفال هي أخطر مصنع لتخريج جيل من الشباب متمرد على السلطة ..لأنه يعدها هي المسؤول الأول عن شقائه وحرمانه من التمتع بطفولته ..خصوصاً في اليمن الذي يمتلك العديد من الثروات الدفينة التي تجعلهم يعيشون في جنّة!! هذا إذا مازالت موجودة!؟. وعمل الأطفال في العطلة الصيفية فيه جوانب ايجابية جيدة لكن الموضوع برمته يتطلب اختيارا دقيقا للعمل ورقابة محفوفة بالتوجيه والرعاية .. فليس الهدف مادي فقط إنما في كونه نشاطاً صيفياً قد يتعلم فيه الطالب مهنة ما وقد يتعلم احترام الزمن وهذا هو المهم جدا .