في إطار الديمقراطية يمتلك كل مواطن الحق في أن يبدي رأيه بحرية تامة حول أية قضية عامة في وسائل الإعلام مع الإلتزام بمحظورات النشر التي ينص عليه قانون الصحافة والمطبوعات. وفي إطار الديمقراطية أيضاً يمتلك كل مواطن الحق في إبداء رأيه حول ما يُنشر في الصحف من خلال مختلف وسائل التعبير عن الرأي التي يكفلها الدستور والقانون للمواطنين والمواطنات كافة.وفي إطار الديمقراطية تمتلك المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والأفراد حقوقاً متساوية في الرد على ما يُنشر في الصحف بما في ذلك مناقشة الآراء المخالفة بعيداً عن محظورات النشر التي يمنعها القانون، وفي مقدمتها التخوين والتكفير والتحقير والذم والقذف والمس بكرامة الأشخاص والطعن في أعراضهم.في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة خطيرة في محافظة عدن تتمثل في محاولة بعض خطباء الجوامع المحسوبين على جمعيات "خيرية" أو مدارس "سلفية" تحويل المساجد إلى منابر للرأي ووجهات النظر، حيث ينبري بعض الخطباء للرد على ما يُنشر في بعض الصحف ومناقشة الموضوعات والأخبار التي يرونها بحسب وجهة نظرهم غير صحيحة، وما يُرافق ذلك من تحريض ضد هذه الصحف والقائمين عليها، يتلقفه بعض المتطرفين المتعصبين كإشارات بإقامة الحد على أصحاب هذه الآراء أو القائمين على هذه الصحف أو العاملين فيها.من حق هؤلاء أن يختلفوا مع غيرهم في الرأي والفكر، ومن حقهم أن يناقشوا ما يرونه مخالفاً لتوجهاتهم بالوسائل ذاتها، التي اختلفوا معها ومع ما يُنشر فيها.. لكنهم لا يمتلكون الحق في استغلال عملهم الوظيفي في المساجد لتحويلها إلى منابر للنقاش وعرض وجهات النظر.. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ إشرافهم على الجوامع جاء بقرارات إدارية حكومية وليس بتفويض إلهي على غرار ما كان يزعم به رجال الأكليروس في الكنائيس الأوروبية و محاكم التفتيش المسيحية، الذين اشتهروا بمحاربة العقل وملاحقة المفكرين والمثقفين في أوروبا قبل ظهور العلمانية التي انتصرت على الأكليروس.ليعلم هؤلاء أنّ المساجد لله.. وهي دور للعبادة وأمكنة لذكر لله.. وليست منابر للنقاش والرد على الآراء أو الأخبار التي لا تعجب القائم على هذا الجامع أو ذاك. وليعلم هؤلاء أيضاً أنّ الإسلام حرر المؤمنين من وساطة الأحبار والرهبان بين الله وعباده. حيث لايوجد في الإسلام رجال دين أمثال هؤلاء..وحين تتحول خطب الجمعة على أيدي البعض إلى آراء شخصية يناقش فيها الخطيب ما يُنشر في الصحف من مقالات وأخبار ويرد عليها ويحرض ضدها، فإنّ رأيه ليس مقدساً لا يأتيه الباطل. بل يمكن الرد عليه ومناقشته وتفنيده برأي آخر في إطار حرية التعبير والتفكير التي يكفلها نظامنا الديمقراطي التعددي لكافة الأفراد والجماعات في المجتمع.يبقى القول إنّ الآراء التي تعبر عن توجهات وقناعات بعض الخطباء في بعض جوامع مدينة عدن ليست مقدسة، لأنها آراؤهم ووجهات نظرهم الخاصة بهم وليست كلام الله.. ومن حق أي مواطن أن يختلف معهم وبوسعه أن يرد عليهم بالدليل والحجة من خلال وسائل التعبير عن الرأي، وليس من خلال المساجد التي لا يجوز حكرها على صاحب رأي بعينه.. ولذلك فمن الواجب عرض هذا الرأي في الصحف وغيرها من وسائل التعبير عن الرأي بدلاً من تحويل بيوت الله إلى ساحات للرأي والرأي الآخر؟!.إننا إذ نرفض أن يتحول بعض القائمين على المساجد إلى أحبار ورهبان يمارسون الوصاية على العقول، ويقررون ما يجوز وما لا يجوز .. نرفض أيضاً أي شكلٍ من أشكال الوصاية على الصحافة وممارسة الإرهاب الفكري على المحررين والكُتَّاب والتدخل في عملهم من قبل بعض خطباء المساجد، حيث لا سلطان على حرية الصحافة سوى الدستور والقانون ممثلاً بالقضاء العادل..وهو ذاته سلطان أيضاً على خطباء الجمعة في المساجد، بوصفهم موظفون معينون بقرارات إدارية ويستلمون رواتب شهرية وبدلات وظيفية مقابل عملهم، شأنهم شأن الصحفيين الذين يمارسون دورهم في إطار الدستور والقانون الذي يسري سلطانه على الجميع بدون تمييز.. ولله في خلقه شؤون.
أخبار متعلقة