على مدى المراحل المنصرمة للنضال الوطني التحرري ظلت الحركة الطلابية اليمنية إحدى المراكز الجماهيرية الواسعة للحركة الوطنية اليمنية في كفاحها ضد الاستعمار ومن اجل التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي وإعادة توحيد الأرض اليمنية على أسس ديمقراطية تلبي حاجات شعبنا في النهوض والتقدم والازدهار وهي بذلك قد متلث ومازالت إحدى روافد الحركة الوطنية اليمنية في كفاحها في سبيل أهداف شعبنا الوطنية والاجتماعية تمده بقدرات زاخرة بالنشاط المتجدد.. وهذه الميزة الرئيسية والعامة للحركة الطلابية اليمنية قد اكتسبتها عبر تاريخ نضالها النقابي السياسي والوطني والاجتماعي الذي مثل جزءاً لايتجزأ من نضالات الشعب اليمنية بقيادة حركته الوطنية ومن خلال نموها وتصلب عودها في خضم الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية في جنوب الوطن والنظام الأمامي الكهنوتي المتخلف في شماله.ومن وحي ذلك التراث النضالي الذي أضحت تكتنزة الحركة الطلابية اليمنية ودروس تجربتها الفنية فإنها في المرحلة الراهنة تستمد القدرة والإمكانية لمواصلة عطاءاتها المتجددة وتحقيق مساهماتها الايجابية النشطة في ح حياة بلادنا والإسهام في انجاز المهام المرسومة أمامها بما يؤمن نهوض المجتمع وتقدمة وازدهار حياة شعبنا.وارتبطت البدايات الأولى لنمو الحركة الطلابية اليمنية بالتطورات التي شهدتها الساحة اليمنية على الصعيدين السياسي والاجتماعي في أواخر الأربعينيات وتجسدت من خلال البذور الأولى لها حقيقة تفاقم التناقضات الاجتماعية في بنية مجتمعنا وتاجج المشاعر الوطنية في صفوف الشعب إزاء الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها البلاد من جراء هيمنة النظام الأمامي في الشمال واستمرار السيطرة الاستعماري البريطانية في الجنوب.ولقد أسهمت في إذكاء النضم الجماهيرية لمواجهة الاستعمار والنظام الأمامي تطورات الوضع السياسي في المنطقة العربية آنذاك على اثر نكبة 1948م والتي كانت عاملاً عمق من المشاعر القومية للشعوب العربية وزاد من حد عدائها للاستعمار والأنظمة المتحالفة معه التي كانت وراء النكبة ودفعت بها للنضال من اجل تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في سبيل تحقيق أهدافها في الاستقلال والتحرر السياسي والاقتصادي والتقدم الاجتماعي.ولقد تجلت تلك البدايات الأولى في مسيرة نضال الحركة الطلابية اليمنية التي حملت معها وجسدت حقيقة الاستياء والنقمة الجماهيرية في مواجهة الأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة حينذاك في الإضرابات الطلابية التي شهدتها مدينة عدن في أعقاب نكبة 1948م.وإذا كانت تلك الإضرابات محكومة بالمشاعر القومية التضامنية مع الشعب الفلسطيني الذي مسته النكبة مباشرة فإنها قد مثلت بمعانيها ومدلولاتها رفضاً للتسلط الاستعماري الأجنبي على مقدرات الشعوب العربية ودعوة للنضال ضد استمرارية وجودة والأنظمة العربية المتواطئة معه وكانت المرحلة التي تلتت تلك الاضرارات بتطوراتها السياسية الهامة ومرحلة سارت فيها الحركة الطلابية اليمنية باتجاه التبلور والتكون المحدودين وظلت على امتدادها تتفاعل على نحو ايجابي مع الأحداث والتطورات السياسية التي عاشتها المنطقة .أن التبلور البطئ والتكون المحدود للحركة الطلابية اليمنية في مرحلتها الأولى قد كان محكوماً بتدني المستوى التعليمي في المدينة ناهيك عن المناطق الريفية الواسعة ... الأمر الذي انطوى عن ضعف مستوى الوعي النقابي –السياسي بين صفوف الطلاب وظلت حركتهم في بدايتها الأولى المتسمة بحيويتها أسيرة الحماس والمشاعر الوطنية غير الناضجة.ومما ساعد على استمرار ذلك الوضع فترة من الزمن هو غياب النشاط المنظم للحركة الوطنية اليمنية حتى ذلك الحين وان لم تكن الساحة اليمنية حينها تخلو من الأفكار المناهضة للامبريالية والاستعمار والرجعية والداعية للأهداف الوطنية في الاستقلال والتحرر والديمقراطية والتقدم الاجتماعي. وكان لدخول الطبقة العاملة معترك الحياة السياسية كقوة منظمة في نقابات ابلغ الآثار الايجابية على النضال الجماهيري حيث شهد النضال الوطني التحرري بعدها تطورات متسارعة سارت في مجرى النضال من اجل تحقيق أهداف شعبنا في التحرر والاستقلال وتلبية امانية في الديمقراطية والتقدم ومما له دلالته في تاريخ الكفاح الوطني التحرري في بلادنا أن إضرابات مارس 1956م التي قادتها الطبقة العاملة وكانت إيذانا بدخولها معترك الحياة السياسية كقوة منظمة في نقابات فعن تلك الإضرابات تكونت 25 نقابة وتكون منها وانبثق عنها المؤتمر العمالي وشاركت في تلك الإضرابات والمظاهرات سائر فئات شعبنا بما فيها الطلاب وسقط الطالب الشهيد قاسم هلال برصاص جنود الاحتلال البريطاني.وقد مثلت تلك الإضرابات والمظاهرات منعطفاً هاماً في مسيرة الكفاح الوطني التحرري لجماهير شعبنا وكانت بداية جديدة لسلسلة من النضالات الشعبية الواسعة لتغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإعادة صياغة حياة المجتمع بشكل يلبي طموحات شعبنا.إن مشاركة الطلاب في تلك الإضرابات ومساهماتهم الفعالة والحيوية فيها قام على أساس الإحساس بأنها وفي ضؤ الشعارات التي رفعتها والأهداف التي ترمي إلى تحقيقها إنما كانت تستجيب لحاجاتهم كفئة ديمقراطية وكجزء من حاجات جماهير شعبنا العريضة في المجتمع.لقد رفعت الحركة الطلابية اليمنية في بلادنا آنذاك شعاراتها النقابية المطلبية ضد سؤ الأوضاع التربوية والتعليمية ومن اجل حق أبناء الشعب في تلقي التعليم وتعديل المناهج الدراسية ونشر المدارس وحملت تلك الشعارات معاني وابعاداً سياسية عميقة وكانت تعبر عن ذاتها رفضاً للأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة ونزوعاً نحو التحرر والديمقراطية والتقدم . وتواصلت الإضرابات التي كانت جزءاً لايتجزأ من الإضرابات والمظاهرات الجماهيرية الواسعة في البلاد، وهي في الوقت الذي كانت فيه موجهة ضد المؤسسات التعليمية التي أنشاها الاستعمار وطبيعة مناهجها الدراسية فقد كانت ترمي في ذات الوقت إلى المناهضة للنظام الاستعماري وإفشال مخططاته الهادفة إلى إطالة عمر سيطرته واستمرار هيمنته على خيرات بلادنا ومقدرات شعبنا فإلى جانب مشاركة الطلاب الايجابية في إضرابات مارس 1956م ساهموا بفعالية ايضاً في إضراب 1959م لمواجهة المخطط الاستعماري لإنشاء الاتحاد الفيدرالي المزيف ووصلت التظاهرات الطلابية أوجها في فبراير 1962م حيث شملت مدارس عديدة وتحولت إلى تظاهرة سياسية وطنية لقيت الدعم والتأييد من مختلف قطاعات شعبنا وقواه الوطنية وحظيت بتضامن من الحركة الطلابية العالمية وطليقها اتحاد الطلاب العالمي.لقد لقيت الإضرابات الطلابية التي قامت في عدن صدى ايجابياً لها في صفوف الطلاب على مستوى الشطرين وكانت تلك علامة على وحدة الأهداف المشتركة للحركة الطلابية اليمنية في ظل الحكم الاستعماري في الجنوب والنظام الأمامي في الشمال وهي التي مثلت جزءاً من الأهداف العامة للشعب اليمني بأسره في الاستقلال والتحرر والتقدم وإعادة وحدة الأرض اليمنية وحيث تجلت تلك المواقف المشتركة والاستجابات المتبادلة في نضال الحركة الطلابية اليمنية بامتداد التظاهرات الطلابية وشمولها شمال الوطن... وليس أدل على ذلك من الإشارة إلى حركة الإضرابات الطلابية التي قام بها الطلاب في الشمال في يوليو 1962م وشملت مناطق صنعاء وتعز والحديدة .وعلى اثر تلك الإضرابات اندلعت تظاهرات شعبية في عدن يوم 24 سبتمبر 1962م والمعروفة بيوم الزحف الشهير على ماكان يسمى بالمجلس التشريعي.. ومثلت تلك التظاهرات بمجموعها إحدى العوامل الممهدة لقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م.ولقد برزت بوضوح وحدة نضال الحركة الطلابية اليمنية في سياق مواجهتها للأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة آنذاك بالرغم من افتقارها حتى ذلك الحين إلى الإطار الطلابي الديمقراطي الذي ينظم حركتها ويقود فعلها ونشاطها.وتحت التأثير المطرد للحركة الوطنية اليمنية التي كانت قد أخذت لنفسها اشكالاً تنظيمية محددة وبدأت تمارس نضالها السياسي على أساس منظم وتحت شعارات وأهداف عامة وواضحة تطور معه نضال الحركة الطلابية اليمنية وازدادت مساهمتها في النضال الوطني التحرري وكانت هذه الفترة نفسها (أواخر الخمسينات وبداية الستينات) قد شهدت خروج إعداد من الطلاب اليمنيين لتلقي دراساتهم في العديد من البلدان وظلوا يتفاعلون مع تطور الأحداث في البلاد ودفعهم حرصهم على معايشة القضايا الوطنية والتفاعل مع مجريات الأحداث الى تشكيل تجمعات طلابية كأطر نقابية توحدهم وتنسق نشاطهم الطلابي النقابي وتصحبهم مع التطورات الجارية في البلاد.ومن هنا جاءت نشأة التكوينات الطلابية اليمنية في البلاد العربية في كل من القاهرة، الكويت، العراق، سوريا، ولبنان خلال الأعوام 59-1965م وفي بلدان اوروبا الاشتراكية (سابقاً)في كل من الاتحاد السوفيتي، بلغاريا،المجر،يوغسلافيا،المانيا الديمقراطية،تشيكوسلوفاكيا،خلال الأعوام 64-1967م.ونستطيع القول أن تلك التكوينات الطلابية النقابية التي نشأت في الخارج قد أسهمت عند نشأتها وبشكل متفاوت في بلورة الوعي النقابي والسياسي في صفوف الطلاب اليمنيين في الخارج في الوقت الذي كانت الحركة الطلابية في الداخل دون مستوى ذلك التطور.وبقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشمال بدك معاقب النظام الأمامي وإعلان قيام الجمهورية شارك الطلاب فعلياً فيها حيث انخرطت أعداد كبيرة منهم في صفوف الحرس الوطني مشاركة منهم في الدفاع عن الثورة والحفاظ على النظام الجمهورية الوليد..وأثرت ثورة 26 سبتمبر بشكل ايجابي على تطور النضال الوطني في الجنوب حيث دخل ذلك النضال الوطني التحرري طوراً جديداً باندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963م وعلى امتداد سير وتطور ثورة 14 أكتوبر واصل الطلاب نضالهم وبحماس بالغ تحت شعاراتها ضد الوجود الاستعماري.وشهدت هذه المرحلة من مراحل نضال الحركة الطلابية اليمنية في الشطرين قيام أشكال متعددة للعمل الطلابي في الداخل حيث عرفت الساحة الطلابية في الشمال العديد من الصيغ الطلابية كان أبرزها قيام اتحاد طلاب الجمهورية العربية اليمنية الذي تبلور كصيغة طلابية مع مطلع 1967م إلا انه واجه في سياق نشاطه العديد من المصاعب والمحاولات التي رمت إلى تقليص نفوذه والحد من نشاطه ولم تتوافر في حياته الشروط الضرورية التي تكفل له الاستمرار والنمو والتطور.وفي عام 1969م نشأت فروع للاتحاد العام لطلبة اليمن الذي سبق وان أعلن عن قيامة في دمشق في مارس 1968 وعقد مؤتمره الأول في صنعاء في العام الثاني (اغسطس 1969) وان كتب لتلك الفروع في مناطق صنعاء وتعز والحديدة ان تستمر فترة من الزمن إلا إنها تلاشت تدريجياً لظروف ذاتية وموضوعية . وبرزت إلى جانب ذلك في العديد من المناطق الرئيسية في الشمال تكوينات طلابية نقابية محلية عملت على تطاير الطلاب في صفوفها على مستوى مناطق عملها إلا إنها لم يكتب لها النجاح حيث واجهت مصاعب موضوعية وذاتية كما واجهت التكوينات الطلابية التي سبقتها.وفي الجنوب واصل الطلاب نضالهم الطلابي النقابي والسياسي بالتفاعل الحي مع تطور النضال الوطني التحرري.. ومع نمو وتطور العمل المسلح ضد الوجود الاستعماري ساهم الطلاب مساهمة فعالة فيه ولعب دور المنظم الطلابي النقابي-اتحاد طلبة جنوب اليمن المحتل- وهو المنظمة الطلابية النقابية التي ارتبطت بالثورة ونجحت في تنظيم كفاح الطلاب وربطة بعجلة الثورة على متداد مرحلة سيرها وتطورها.لقد جاءت نشأة اتحاد طلبة الجنوب اليمني المحتل المترافق مع تطور الثورة ورقي أشكال عملها ليمثل المواصلة الحية لمسيرة العمل الطلابي في البلاد على نطاق أوسع وتنظيم أفضل إذ كانت الساحة الطلابية.قد عرفت بروز العديد من الأشكال الطلابية منذ مطلع الستينات تحت تأثير تاجج المشاعر الوطنية ضد الوجود الاستعماري البريطاني ومن تلك التكوينات الطلابية- اتحاد طلبة الحضارم 1962م وحركة الطلبة الثوريين 64-1965- و الرابطة الطلابية العربية في عدن، واللجنة الطلابية العليا 1965م.ومثل قيام تلك التكوينات تعبيراً جلياً عن حقيقة الاستعداد الكامن لدى الحركة الطلابية اليمنية للمشاركة بقسطها في النضال الوطني التحرري على الرغم من ان تأثير تلك التكوينات قد ظل محدوداً ونشاطها ضعيفاً. وكما سبق القول فقد مثل قيام- اتحاد طلبة جنوب اليمن المحتل –خطوة متقدمة على صعيد تنظيم العمل الطلابي، حيث توسع نطاق عمله وازدادت مساهمته في مسيرة الثورة . فتحت الدور القيادي الذي لعبة الاتحاد تحققت المشاركة الفعالة للقطاع الطلابي في الحياة السياسية بصورة اكبر من ذي قبل ولعبوا ادواراً مشرفة في مسيرة النضال الوطني التحرري من خلال إسهامهم وبفعالية في العمليات الفدائية المسلحة وتوزيع المنشورات وإيصال النشرات التي حثت الجماهير وعبأتها لمواصلة الكفاح المسلح ضد الوجود الاستعماري وفي سياق تلك النضالات قدمت الحركة الطلابية عدداً من الشهداء جنباً الى جنب الشهداء الذين قدمهم شعبنا في مسار كفاحه الوطني من أجل نيل استقلاله السياسي الناجز الذي تحقق في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م.
|
دراسات
البدايات الأولى لمسيرة نضال الحركة الطلابية اليمنية
أخبار متعلقة