في معرض المخرجة (تينا غرافي)
عبدالقوي الأشولهي رحلة في مرافئ ذكرياتهم .. بعد أن تناقص عددهم من عدة آلاف حتى بلغ الرقم أربعة عشر بحاراً .. وحين يروي هؤلاء عبر شاشة تلفزيونية أعدت للعرض قصة حياتهم وحكاياتهم مع البحر وأنواء اليم .. تأتي عباراتهم تلقائية نقية كسيرة حياتهم المليئة بالكفاح والجهد والعناء .. أسارير تفيض بها ملامحهم الطيبة وشحناتهم الإيمانية وسيرة حياتهم التي لا تتعارض مع أحد .. تعايشوا منذ زمن بعيد مع أبناء الديانات الأخرى بكل محبة وإخاء انصهروا في مجتمعهم الجديد ولم يطلب منهم المجتمع ذاته التخلي عن ثقافتهم ودينهم وعاداتهم باعتبار أن تلك الفسيفساء هي مصدر قوة وتنوع لابد من الحفاظ عليها.مدينة (ساوث شيلدر) وحكاية من بقي من البحارة اليمنيين، رواية تفتح الباب لحكايات طويلة من تاريخ الجاليات المسلمة في المملكة المتحدة، بل إسهامات هؤلاء في التنمية وانصارهم في مجتمعهم الجديد ... ولعل المخرجة (تينا غرافي) بهذا العمل قد لامست واحدة من أبرز القضايا التي لو مر عليها مزيد من الوقت لبدت مندثرة لا تسندها حقائق الشهود الأحياء. على الجدار صورة رجل لافتة للانتباه وبجانبه عبارة تشير إلى آخر سجل رجال القاموس .. تختلط في محيا الرجل ملامح شرق أوسطية بالسحنة البريطانية تلك الصورة كانت معلقة بجانب بوابة المكتبة الوطنية عدن، وهي تشير إلى معرض متواضع أقيم في الطابق الأول للكاتبة خصص لنماذج من روايات لبحارة يمنيين من مدينة (ساوث شيلدر) البريطانية. فماذا يعني آخر رجال القاموس؟- في (البروشور) التعريفي الذي وزع في المعرض يشار إلى أن آخر رجال القاموس يعنى به هذا المعرض المتواضع الذي أفرد للحديث عن الجالية اليمنية في مدينة (ساوث شيلدر) البريطانية والذي تعرض فيه المخرجة (تينا غرافي) سلسلة من أربعة عشر فيلماً تصويرياً تاريخياً تركز على التاريخ الغني لأحد أقدم المجتمعات العربية المسلمة في بريطانيا مع عدد من الصور الشخصية لرجال القاموس.يعد هؤلاء آخر البحارة ممن لازالوا على قيد الحياة من الجيل الأول للمستوطنين اليمنيين في المدينة المشار إليها سلفاً .. وهو في الوقت الذي يتفرد بالحديث عن التراث البحري والصناعي لشمال شرق (إنجلترا) والذي اختفى كلية في مضمار العصر الحديث من المشهد على ضفاف (التاين) المكان الذي وطأة أقدام آلاف البحارة اليمنيين موقعة لأكثر من 100 عام على متن سفن التجارة الحال الذي جعل استقرار عدد من هؤلاء في مدينة (ساوث شلدر) الموطن الصغير الجميل لهؤلاء الذين يحفظون عن ظهر قلب تاريخ أيام مضت وأعمار فنيت بواكيرها في تلك الأعمال التي احترفوها خارج وطنهم الأم .. ماض لابد من استقراء الصلة فيه بين الشرق والغرب ومدى الاندماج مع تلك المجتمعات الحضارية. اندماج لابد إن يشار فيه إلى ما لهذه الجالية اليمنية من حضور ومكانة وقدرة على نسج علاقات حميمة مع من حولها .. مثل غيري ممن زاروا المعرض واستوقفتهم ملامح شيوخ قضوا سنوات الأعمار كبحارة في إنجلترا .. متخذين من ذلك المكان المجاور لمجالات عملهم مستوطنتهم السكنية .. وجدت أحاديثهم تفتن المستمع والمشاهد في آن واحد فهؤلاء الرجال يروون وبتلقائية رحلة الذهاب إلى (إنجلترا) بل تجد في أحاديثهم حنيناً جارفاً للوطن الأم نسمع أحاديثهم تارة بالإنجليزية إلا أنهم سريعاً ما يخلطون الإنجليزية بالعربية .. ربما شجن ما تروي ذاكرتهم من أحاديث عن ماض مازالوا يشكلون شاهده الوحيد بعد أن غيرت معالم الزمن أرض المكان وطبيعة المهن التي احترفوها وأجادوها وأخلصوا لها ..نلمس من عباراتهم .. حب الوطن الأم، والإخلاص للوطن البديل بكل ما قدم لهم من تسهيلات .. فماذا يعني هذا الاستكشاف للتاريخ ؟- مديرة المكتبة الوطنية عدن السيدة نعمة الغابري التي أولت المعرض اهتماماً خاصاً قالت إن المشروع هو ثمرة جهد مضن (مشروع آخر رجال القاموس الذي قدمته المخرجة (تينا غرافي) بالتعاون مع عدد من البحارة اليمنيين) والهدف منه هو جمع وتوثيق تراث هؤلاء المتصل طبعاً بالمنطقة التي عملوا وعاشوا واستوطنوا فيها، وهو في الوقت نفسه يستعرض قضايا على قدر من الأهمية متصلة بموضوعات الهوية والهجرة والتعددية الثقافية في المجتمع البريطاني خصوصاً في المناطق الشمالية الشرقية لإنجلترا، وهو كما قالت بحث يميط اللثام عن قضية أساسية لو أردنا الدقة تتعلق بقدرة هؤلاء على الاندماج في المجتمع وعدم وجود مشكلات تذكر في وسط تلك الجالية مع مجتمعهم الجديد .. ما يجعل الحديث عن عدم قدرة الشخصية المسلمة على الاندماج في غير محله، وهذه القضية لا شك في إنها تعني الكثير في الزمن الراهن.