بتال الحربي، شاب سعودي، عمره اثنان وعشرون عاما، يقبع في سجن بادوش في العراق. أرسل إلى هناك من قبل محكمة عراقية حكمت عليه بالسجن ست سنوات بدعوى التسلل المشبوه إلى بلادها. هذه واحدة من روايات جمعتها الزميلة صحيفة «الوطن» السعودية عن عدد من أهالي السعوديين المعتقلين في مناطق الحروب، العراق ولبنان. كل الآباء الذين التقتهم الزميلة رووا قصصا متشابهة.. كيف أنهم لم يدروا بالتحاق أبنائهم بجماعات إرهابية، ولم يكتشفوا رحيلهم لـ«الجهاد» إلا بعد أن وصلتهم مكالمات عن اعتقالهم او عادوا جثثا هامدة. راح الأبناء ضحية تضليل من قبل من قام بتجنيدهم، والأبناء ضللوا الآباء بتلفيق قصص عن غيابهم. عميش والد بتال الحربي يقول إن ابنه زعم له انه سيسافر من أجل الالتحاق برحلة صيد برية بريئة مع أصدقائه، ولم يدر في خلد الأب أنها رحلة صيد بشرية.اليوم الوضع ليس بالسوء الذي كان عليه قبل سنوات قليلة. فقد مرت سنوات من الإثارة الإعلامية، صاحبت حملة منظمة من جماعات لم تخف حقيقة أهدافها بتجنيد الشباب وإرسالهم للقتال في أنحاء العالم: البوسنة وأفغانستان ـ الحرب الثانية، والعراق، وكشمير، وقبلها الشيشان. وقد سارت أطراف مختلفة وراء تلك الجماعات مغمضة العقل والعينين، بدون فحص لتلك الرسائل الدينية والدعائية. كانت تبيع المظالم التي يتعرض لها المسلمون في أصقاع العالم وتحث على فضيلة الجهاد من اجلهم. جماعات كانت تجمع التبرعات المالية تحت عناوين ملتبسة كدعم النشاطات الإسلامية عموما، أو تجمع خلف قضايا حقيقية لكن لأهداف مزورة مثل الفيضانات والزلازل والجوع، وأحيانا صريحة يجاهر بها مثل دعم «أخواننا في كشمير أو الشيشان». وقرأت ما كتبه البعض، الذين أرادوا تنظيف السمعة المحلية، مدعين بأن العدد ضئيل والقضية لا تستحق الحديث عنها في الصحافة لان فيها إساءة للسعودية. ومع احترامي للغيرة الوطنية، إلا إن الحقيقة تخدم الوطنية أكثر من التستر عليها. إن خبراء في الأمن في داخل المملكة هم أنفسهم أكثر صراحة ووضوحا في قلقهم من هذه الظاهرة، وهم الذين يقرون بالمشكلة بلا مواربة. احدهم قال إننا نعتقد أن العراق بالنسبة لهذه التنظيمات التي تضلل شبابنا مجرد ميدان رماية لتدريب جيل جديد من الإرهابيين ليعودوا لاحقا كما فعلوا في المرات الماضية من أفغانستان والشيشان وغيرها. وفي رأيي الوضع أقل خطورة متى ما كانت الأمور شفافة وواضحة للجميع، وعرف الأهل المخاطر التي يمكن أن تلحق بأبنائهم جراء الانخراط في نشاطات مشبوهة. إن ما حدث للأب، عميش الحربي، وعشرات غيره، نتيجة لغياب التوعية وراح ضحيته الآباء والأبناء، هذا الأب محظوظ رغم صدمة المكالمة التي «جاءته قبل نحو خمسة أشهر يخبره ابنه فيها أنه ألقي القبض عليه داخل الحدود العراقية بتهمة الدخول غير المشروع لها». هناك الكثير من الآباء لا يدرون أين هم أبناؤهم، وبعضهم وصلهم أبناؤهم جثثا بعد أن غادروهم في رحلات دراسية أو ترفيهية مزعومة.الوضوح في معالجة مثل هذه القضايا خير وسيلة لوقف المأساة، وإلا فإنها ستستمر. لا بد أن ندرك أن السعودية تمثل هدفا مغريا للجماعات الإرهابية أكثر من أي بلد آخر في العالم. فيها خميرة من الشباب يملكون وعيا دينيا متميزا مقرونا بجهل سياسي. وفيها مجتمع ميسور وكريم ومتحمس لنصرة الغير. وفيها تنفرد المؤسسات ذات اليافطات الدينية بحرية الحركة أكثر من غيرها. وأخيرا فهي بلد يعطي أبناؤه شرعية لأي قضية. ويهم أي تنظيم خارجي أن يضم إلى صفوفه من الجنسية السعودية قبل غيرهم، كما فعل بن لادن في هجمات سبتمبر، وكما حدث أخيرا في مخيم نهر البارد.[c1]* نقلا عن/ جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية[/c]
من ضلل أولادنا ؟
أخبار متعلقة