سيرة مبدع
إعداد/ميسون عدنان الصادق :العالمة الأدبية الراحلة ( عائشة عبدالرحمن) الملقبة (بنت الشاطئ) لها في تاريخ نشر النصوص مكان ومكانة وقد دلفت إلى ذلك المجال التراثي من باب الدراسات الجامعية أيضاً ولكنها دخلت ولم تبرح . فقد أقامت أطروحتها للدكتوراه بعنوان (الغفران) دراسة نقدية مع تحقيق رسالة (الغفران) لأبي العلاء المعري ، (الرسالة) وهذه أشهر آثار أبي العلاء وأخلدها على مر الأيام ، وكان المشرف على هذه الأطروحة الدكتور طه حسين ، وقد نوقشت في الخامس من أبريل عام 1950م بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة) وأجيزت بتقدير (ممتاز) ثم حصلت بهذا التحقيق على جائزة مجمع اللغة العربية في تحقيق النصوص. وحين أقدمت بنت الشاطئ على تحقيق هذا النص كان في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات كان تحقيق النصوص قد استقر كعلم له مناهج ومدارس وكان المستشرقون قدموا فيه يداً مبسوطة وفي البلدان العربية الإسلامية كان نشر النصوص قد انتقل من مراحله الأولى – أعني مرحلة مطبعة بولاق ومطابع إستانبول والشام ثم المطابع الأهلية المصرية والناشرين المصريين والشاميين الذين وفدوا إلى مصر واتخذوها دار مقام كالحلبي والخانجي ومحمد منير الدمشقي وحسام الدين القدسي والخشاب انتقلوا من هذه المرحلة إلى مرحلة النشر العلمي من حيث التوثيق وجمع النسخ المخطوطة ثم دراسة الكتاب المحقق وبيان مكانته في المكتبة العربية وفهرسته وكانت ديار مصر في ذلك الوقت بالذات تؤسس هذا العلم وتقيمه على عمد ثابتة وذلك فيما عرف بمدرسة أحمد زكي باشا شيخ العروبة ودار الكتب المصرية ثم مرحلة الأفذاذ من الرجال أمثال (أحمد محمد شاكر ومحمود محمد شاكر وعبدالسلام هارون والسيد أحمد صفر) وقد فصلت ذلك كله في كتابي (مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي).فكانت جرأة عالية وهمة جسورة من بنت الشاطئ أن تبحث لها عن مكان بين هؤلاء الأفذاذ من الرجال في ذلك الزمان ، وقد اقتحمت وما وهنت وما قصرت فقد أخذت للأمر أخذه وأعدت له عدته ، فجمعت أصح النسخ وأوثقها من (رسالة الغفران) المخطوطة ثم عرضت للنشرات السابقة من الرسالة وكشفت عن أوجه النقص فيها ثم قدمت نصاً محرراً مضبوطاً مضاء ببعض التعليقات وأزالت عنه عوادي الناس والأيام ولئن كان بعض شيوخ التحقيق قد عرضوا لعملها فيما بعد بالنقد والتصحيح فيظل لهذا العمل مكانته في خدمة تراث أبي العلا المعري ثم في تاريخ المكتبة العربية كلها.