أثمار هاشمأثار انتباهي وأنا أقرأ في إحدى المجلات العربية مقالة قال فيها صاحبها إنه ومنذ بداية القرن الحالي شهد العالم جملة من التحولات السياسية والصراعات الدامية التي انتشرت في كل مكان ،الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية بوصفها القطب الأوحد في هذا العالم وصاحبة القوة والنفوذ ،إلى السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة والترويج لمجموعة من الثنائيات التي أطلقتها مثل (الديكتاتورية أم الحرية) و (محورا الشر والخير).فجميع الثنائيات التي تم الترويج لها كانت تهدف إلى وضع دول العالم في حالة اختيار بين شيئين لا ثالث لهما وإن كانت في مجمل الأحوال تدفع الآخرين دفعا لاختيار ماتريده هي(أمريكا) وما يتناسب ومخططاتها، مما يعني أن على الشعوب أن تختار مابين ديكتاتورية حكوماتها التي تدعي أمريكا رفضها ومابين الحرية التي ستحصدها الشعوب إذا ما انقلبت على حكوماتها، ولن يتم ذلك بالتأكيد من دون دعم ومساندة الإدارة الأمريكية، كذلك في حملتها التي أطلقتها ضد إيران وكوريا الشمالية والمتعلقة بالأسلحة النووية فوجود ما يعرف بمحور الشر يستدعي أن يكون هناك محور آخر مغاير تماما له هو التي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية (هي )التجسيد الحي له والدليل على ذلك سعيها المستميت لمنع بعض الدول من امتلاك الأسلحة النووية.. وهناك الكثير من الثنائيات لدى الأمريكان التي لم يحن الوقت بعد لإطلاقها وان كنا نتوقع أن يحظى الشرق الأوسط بنصيب وافر منها.ومع هذا ومن وجهة نظر شخصية اعتقد أن الإدارة الأمريكية لديها كلمة واحدة تعشق ترديدها بأشكال شتى ألا وهي الفوضى ، فتارة نسمع عن الفوضى الخلاقة وتارة أخرى عن الفوضى المنظمة، وان كانت الفوضى كمفهوم عام تعني حالة من اللانظام والعشوائية واختلاط الأمور ببعضها والوصول إلى حد التسيب والهمجية لكنها من وجهه النظر الأمريكية لابد أن تكون مقترنة بصفة ايجابية ، كيف يكون ذلك؟! وحدهم الأمريكيون اعلم!!.لذا فإننا هنا سنحاول الغوص في مفاهيم الفوضى الأمريكية وهي : الفوضى الخلاقة تعني انه على الحكومات أن ترخي قبضتها الأمنية لتسمح للمعارضة بالتحرك والتعبير عن نفسها ( بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في ذلك) وبذلك تتحقق الديمقراطية في البلدان التي تحكم قبضتها الأمنية على الأموروهذا هو الغرض المنشود من مفهوم الفوضى الخلاقة.أما الفوضى المنظمة فيرى كثيرون أنها لاتختلف عن المفهوم البريطاني الذي كان يستخدم في مستعمرات الدولة العظمى وهو سياسة"فرق تسد" وذلك على اعتبار أن الفوضى المنظمة ما هي إلا فوضى متعمدة تسعى بعض الجهات النافذة إلى إشاعتها بمباركة أمريكية وذلك بغرض تقسيم البلدان إلى إقطاعيات سياسية وطائفية كل حسب حجمه وتاثيره المادي والعددي وبذلك تتجزأ الدولة الواحدة إلى مجموعة دويلات صغيرة.وإذا ما نظرنا إلى ما قد ينتج عن تطبيق مفهومي الفوضى الخلاقة والمنظمة نجد أنها تمثل انعكاسا عمليا لمفهوم الشرق الأوسط الجديد وهو كذلك واحد من المفاهيم الأمريكية الهادفة إلى إعادة تقسيم الشرق الأوسط وفق وجهة نظر أمريكية وان كان مفهوم الشرق الأوسط الجديد مفهوم إسرائيلي محض فلقد ألف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق(شمعون بيريز) كتابا يحمل نفس الاسم قدم فيه شرحا وافيا لمشاكل إسرائيل والمنطقة العربية واقترح مجموعة من الحلول لجميع المشاكل الاقتصادية والصحية والتعليمية والطرقات وغيرها حتى أن القارئ لذلك الكتاب يخيل إليه أن إسرائيل ما هي إلا دولة تسعى للعيش بسلام وليس كما يظن جيرانها العرب وانه بالإمكان خلق علاقات متكاملة ومتبادلة بين الطرفين العربي والإسرائيلي.وبالعودة إلى مفهوم الفوضى الأمريكية فإننا سنجد أن دولا عربية كالعراق مثلا تمثل مرتعا خصبا لتطبيق المفاهيم الأمريكية حتى أن البعض وصف ما يحدث في العراق على انه(لبننه العراق)، متخذين مما يجري في لبنان انمودجا على حالة الفوضى الحاصلة بوجود أكثر من تيار سياسي ينتمي لطوائف دينية و مذهبية متعددة يتحدث فيها قادتها باسم الجميع.وبشكل عام يمكن القول إن ما تمر به منطقتنا من منعطفات و ورود مفاهيم جديدة إليها إنما هي بالأساس إعادة للفكر الاستعماري البريطاني ولكن بمسميات أمريكية جديدة من خلال السيطرة على وسائل الإعلام باعتبارها الورقة الرابحة وهو الأمر الذي تفتقر إليه كثير من الدول، مما يجعل معاركها ضد الحملات الإعلامية الأمريكية دائما ماتبوء بالفشل وتبقى متلقية لما تصدره إليها الإدارة الأمريكية من ثنائيات.