أضواء
بينة فهد الملحم إن كانت المناداة بتمكين المرأة من القضايا المهمة التي باتت مطروحة على مختلف الموائد وتستحوذ على اهتمام مجتمعي وإعلامي كبيرين خلال السنوات الأخيرة , باعتبار أن العامل الحاسم في تغيير وضعية المرأة لا يمكن إلا من خلال التغييرات الجوهرية التي تتناول البنية التحتية لمجتمع المرأة بكل مكوناته المادية المعاصرة , والموروثة فإننا لا نبالغ قولاً أن قرار تعيين الأستاذة نورة الفايز كأول قيادية سعودية تتبوأ منصباً سياسياً , وتقف على سدة مقعد اتخاذ قرار حكومي رفيع المستوى هو قرار ثوري في جسم البنية التحتية المجتمعية . التي ظلت ردحاً من الزمن لا تتنفس إلا برئة واحدة , بحكم الموروثات الثقافية والمفاهيم الزائفة المغروسة في المجتمع حول المرأة . والتي أرى أن ثورية هذا القرار ستنسحب على إعادة النظر , ومراجعة لتلك المفاهيم المجمدة والشالة حركة المرأة , وبالتالي هي اوقفت عملية التنمية الشاملة بمفهومها الكلي .هذا, فيما لو قرأنا قرار تنصيب أول امرأة سعودية كقيادية بصفة عامة دون تخصيص أو تصنيف . إن القارئ لهذا القرار بتمييزه الجنسي , وتصنيفه في مجال التعليم بالذات يجعلنا نتطلع في المستقبل القريب ما ستسفر عنه هذه الخطوة في إعادة النظر , وتحويل العلاقة السلبية بين التعليم والعمل إلى علاقة إيجابية . قبل هذا القرار كان هناك من ينادي, يدعم, أو يعارض مطالبات وطموحات المرأة في مجتمعنا بالموافقة بين إمكاناتها وقدراتها الحقيقية والفردية, وبين الحقوق المقرة شرعاً, والمرفوضة اجتماعياً . هذا القرار برأيي لو أتى , أو ابتدأ في مجال آخر غير التعليم لاستهلك المجتمع مدة زمنية أطول , أو مدة تعادل الزمن الذي كلّف تكدس كل التراكمات في خلفيته الثقافية, من مفاهيم مغلوطة أو مزيفة, حتى أضحت أحكاماً قاطعة, و لها من القداسة ما يحصر تعليم وعمل المرأة في قطاعات دون أخرى, ومواقع تنفيذية دون قيادية. على اعتبار أنها تتناسب وطبيعة ما تقره تلك المفاهيم للمرأة من أدوار ليست - في الحقيقة - سوى عملية تعيد إنتاج نفسها من خلالها , ضمن أطر ثقافة المجتمع المشرّع , والفارض عليها هذا الإطار .إن الناظر إلى معدلات تعليم المرأة في مجتمعنا يجد أنها لا تأتي كنتيجة تواؤمية مع احتياجات سوق العمل , بقدر ما تعني استجابة الطالبة لما هو متاح من فرص تعليمية تدرك - الطالبة - سلفاً أنها غير موفرة لفرصة تعليمية تتناسب وتخصصها , أو حتى يشح وجود هذه الفرصة أصلاً من مهن بسيطة لاتتطلب قدراً عالياً من التعليم أو مهارات معينة . هذا ما يثبته مؤشر إحصائي بحسب تقارير رسمية صادرة عن وزارة العمل السعودية، أن 76% من العاطلات عن العمل، هن من خريجات الجامعات. وهذا لا ينفي أبداً , أو يقلل من قيمة التوجهات والتحركات الرسمية ,وغير الرسمية على صعيد تمكين المرأة علمياً ومهنياً , إلا أن ما اكتسبته المرأة لا يعبر عن الدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه داخل مجتمعها . وإذا كان الحديث عن مكتسبات المرأة في مجتمعنا , و التي تحققت من خلال واقعها إلى موقع على خارطة الوطن فإننا نرفع السؤال : هل يقاس موقع المرأة إلى واقعها الفعلي على خارطة الوطن ؟ . أو بعبارة أخرى هل مساحة موقعها هو انعكاس لحجم ومكانة واقعها ومساهمتها في إطار تنموي أو إطار اجتماعي ؟!.يأتي هذا السؤال وثمة فرق كبير بين من يملك المعرفة, ومن يمارسها, بين الثقافة وممارستها، تماماً كالفرق الكبير بين الواقع الذي لا تراهن المرأة ولاتميز عن الرجل فيه, وبين موقعها. هذا السؤال المهم يأتي في وقت والمجتمع النسائي السعودي يشهد هذه الفترة تحولات كبيرة على صعيد التمكين للمرأة في مختلف المجالات التي ينبغي - الآن - لكل مواطنة أن تعيها بكل أحاسيسها وأفعالها, وعدم ركون طموحها , وسعيها لمواقع وظيفية تنفيذية في القطاعين العام والخاص ,أوالاكتفاء بسقف الأدوار والوظائف السائدة والنمطية .إن موقع المرأة المواطنة في خارطة النجاح السعودي الشاملة هو المترجم لإنجازات وطنية , وهو المؤشر و المعيار الحقيقي لقياس حجم الحضور ومستوى المشاركة الوطنية , الأمر الذي يجعل من طرح التساؤل : ما مدى تطلعات المجتمع لموقع المرأة المواطنة من المراكز القيادية النافذة ,وفي مختلف المجالات الثقافية والتعليمية والصحية والاقتصادية والصناعية ؟ , وكم يمكن الحكم من خلالها بأنها شاركت فعلياً في رسم إنجاز وضعت فيه أقدامها مشاركة فيها شقيقها الرجل في مركب الانجازات التي حازها خلال العقود الماضية ؟. هذا من جانب , ومن جانب آخر فإن طرح هذه التساؤلات ضرورة مهمة من جانبين , أولهما : في ظل سرعة التحولات والمتغيرات المعرفية والاجتماعية , وما يترتب عليه من تحديات كثيرة أمام المرأة بشكل خاص , مما يتطلب منها استجابة خلاّقة تتزامن مع هذه التحولات , وتستثمر هذه المتغيرات التي تدعمها قدراتها واستعداداتها الشخصية . هذا التزامن ينطلق من الركائز الثقافية والمنهجيات الفكرية الذي أخذ المجتمع يحتضن مقوماتها وقيمها, وينبذ الأفكار والأعراف النمطية بتوسع كبير في السنوات الأخيرة . لتطرح بدورها بدائل فكرية تتفق ومستلزمات ثوابتها السعودية , وتنسجم مع متطلبات وحاجات تحقيق موقعها . أما ثانيهما : فلأن تغييب المرأة المواطنة عن سدة صنع القرار , أو حصر موقعه في مجال دون آخر هو من أبرز معوقات عجلة التنمية الوطنية ,ومعطلات صنع المتغيرات الفكرية الاجتماعية المطلوبة. هذه التساؤلات الواقعية يمكن أن نجعل من طرحها في فعل مضى أو كان , من خلال الأدوار البارزة التي ستمتطي فيها المرأة المواطنة صهوة التحديث والتجديد والركض في مساحتها الثقافية وبنائها الاجتماعي. التقليدية التي ظلت المرأة المواطنة تقتات وتقتل طموحها وقدراتها في دهاليزها زمناً لن تعود الحاجة إليها تدق طبولها في أروقة الثقافة بعد تعيين الأستاذة نورة الفايز، لذلك يجب إزالة ذلك التراكم الفكري والتكدس والتمييز الاجتماعي الذي يخنق المرأة , أو يحصرها في مواقع لا ينبغي أن تخرج عن إطارها .اليوم, وفي ظل قيادة حكيمة, ذات رؤية إصلاحية, واعية ومتوثبة, فإن المساحة بالنسبة للمرأة المواطنة واسعة ورحبة لكي تمارس فيها الركض. فالمسارات متعددة, والفرص أكبر من سابقاتها, وهذا العهد من الزمان سيكشف لنا حاجة استثنائية ليس لدور المرأة بينما لحضورها الفعلي كما كانت تطمح. سنرى المرأة تسبح مع كل أعضاء المجتمع في ثقافة واحدة ومجتمع واحد. مجتمع يتنفس برئتين, لا برئة واحدة. مجتمع لديه القدرة على التكيف مع كل واقع حضاري وتنموي, يسعى الوطن إلى الوصول إليه بطريقة آمنة وناجحة. [c1] كاتبة سعودية[/c]