نبض القلم
الضمير في اللغة هو ما يضمره الإنسان ويستره في نفسه, بحيث يصعب على غيره الوقوف عليه. ومعناه في العرف الأخلاقي الشائع ملكة أو حاسة نفسية عقلية يميز بها الإنسان الخبيث من الطيب, والقبيح من الحسن, فيقبل على الطيب, وينفر من الخبيث, ويستحسن الحسن, ويستقبح القبيح.والضمير قوة دافعة إلى عمل الخير مانعة عن فعل الشر, وقوة الضمير تنبع من الشعور بقبح السيئات وحسن الحسنات, وتتفاوت هذه القوة بتفاوت الشعور قوة وضعفاً.وعليه فإن الحاجة ملحة في أيامنا إلى تقوية الضمير في النفوس لضمان استقامة سلوك الناس, حتى لا ينغمسوا في الفساد, والطريق إلى تقوية الضمير هو العلم, الذي به يعرف المرء ما يسوء وما يضر, وما يعاب أو يستحسن من الخلال والصفات والأقوال والأعمال. ولا يكفي أن يعلم المرء ما يستحسن أو يستقبح من السلوك, ما لم يكن العلم مقترناً بالعمل الحسن, والابتعاد عن العمل القبيح, وليس العلم بالحسن والقبيح وحده هو الطريق إلى تقوية الضمير في الإنسان, كما أن الجهل بما هو حسن أو قبيح ليس بالضرورة سبباً في ضعف الضمير لدى الإنسان, وإنما العملية تحتاج إلى تربية منذ الصغر. أي تربية الضمير.وتربية الضمير عملية مستمرة يصحبها الشعور بقيمة العمل الذي يقوم به المرء من حيث صحته أو فساده, وتبدأ هذه العملية منذ الطفولة وفقاً لما يعرف في الأوساط الشعبية بقانون (العيب) الذي ينظم سلوك الأفراد والجماعات, والذي به يعرف المرء قيمة العمل الذي يقوم به أهو خير أم شر, وهل فيه نفع أو ضرر. وهل هو مقبول اجتماعياً أم مرفوض؟.فالطفل الذي يسرق نقود زميله مثلاً. لا يعلم إن كان ما يفعله خيراً أو شراً, وليس بالضرورة أن يعرف ذلك, ولكن المهم أن يشعر أن هناك ضرراً لحق بصاحبه من جراء سرقة نقوده, وأن الضرر نفسه سيلحق به لو كان هو المسروق.فالشعور بذلك هو القوة الدافعة إلى الإقبال على الخير, والإعراض عن الشر, وهنا يأتي دور المربي الذي تقع على عاتقه مسؤولية غرس هذا الشعور لدى الناشئ منذ الطفولة, فلا يكفي أن يقول له هذا الفعل حلال أم حرام, وإنما يجب أن يساعده على فعل كل ما هو حسن ويشجعه على ذلك, ويجنبه فعل كل ما هو قبيح, وينهاه عن ذلك. وبذلك تكون التربية مكملة للتعليم.ومعروف أن النفوس تختلف في استعداداتها لتقبل العلم, والعمل بمقتضاه, والسير على هداه, كما تختلف بقع الأرض في تقبل الماء من السماء, وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : «إنما مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا, وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ». وهذا هو شأن الضمير الحي في الإنسان, فهو لا يولد في النفوس القاسية المتحجرة كالصخرة, وإنما يولد في النفوس الطيبة الصالحة لمولده ونموه.إن ميلاد الضمير وتكوينه يبدأ في الأطوار الأولى لحياة الفرد, حيث تكون فطرته سليمة, وطبيعته نقية, وتكون نفسه مستعدة لما يلقى عليها من خير أو شر.فالطفل كما يقول الإمام الغزالي رحمه الله : «قلبه الطاهر جوهرة نفيسة, ساذجة خالية من كل نقش وصورة, وهو قابل لكل ما ينقش عليه, ومائل إلى كل ما يمال به إليه, فإن عود الخير وعلمه, نشأ عليه, وسعد في الدنيا والآخرة, وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب. وإن عود الشر, وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك, وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له».ويمكن أن نلحظ أثر تربية الضمير في النفس اللوامة, والنفس المطمئنة, فإن النفس اللوامة هي التي تكثر من لوم صاحبها على فعل السيئات أو على التقصير في فعل الحسنات, والنفس المطمئنة هي التي تشعر بالأمن والسكينة والاطمئنان والارتياح لفعل الخير والتمسك بالحق.ولا شك أن وظيفة الضمير في الإنسان هي اللوم على فعل الشر, والارتياح والاطمئنان إلى فعل الخير, وهذا لن يتأتى إلا بتربية الضمير, التي بها يشعر الإنسان بالسعادة, وهي التي توجه سلوكه, وتتحكم في تصرفاته, سواءٌ وجدت القوانين أو لم توجد. فالقوانين مهما كانت قوة القائمين على تنفيذها لا ترقى إلى قوة الضمير الذي ينفذ إلى أعماق النفوس, ويمتد سلطانه إلى قلوب الناس ومشاعرهم.[c1]* خطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان)[/c]