الملك فاروق كان يقتني مجموعة نادرة من المسبحات
القاهرة/14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية :في شهر رمضان تتعدد المظاهر والاحتفالات الشعبية ، التي توارثتها الأجيال ، وإن كان بعضها يثير التساؤلات والحيرة حول اقترانها بقدوم الشهر الفضيل ·· ومن العادات المحببة لدي سائر المصريين والعرب اقتناء ( المسبحة ) ، بحباتها الملونة وأشكالها البهيجة كتراث قديم ، وعلامة على التقوى والخشوع ، ورغم أن ( المسبحة ) من العادات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة ،فإن الكثير لا يزال يمارسها حتي الآن ، فلم يعرف أن الرسول > ، كان يستخدمها للتسبيح ، أو أحدا من الصحابة - رضوان الله عليهم ، ولذلك يرى بعض علماء الإسلام أن ( المسبحة ) صورة لا تتلاءم مع الروح الإسلامية في أي مرحلة من المراحل، خاصة أنها ليست مقصورة علي الإسلام ، وإنما هناك طوائف أخرى تستخدمها ، وهي عمل مظهري يتنافي مع الذكر الخالص لله تبارك وتعالى .ويذكر التاريخ أن المسبحة عرفت منذ آلاف السنين في العهود الفينيقية والمسيحية ، وكانت هناك مناطق متخصصة في صناعة أنواع معينة منها ، حيث استخدمت للصلاة ، وحملها المتعبدون علي أماكن عبادتهم ، وانتشرت في بلاد الشام إبان الفتح الإسلامي ·· وكانت المسبحة مؤلفة من تسعة وتسعين حبة ترمز إلي أسماء الله الحسنى ، إلا أنه نتيجة لطول المسبحة ، فقد تم تجزئتها إلي ثلاثة أجزاء ، يضم كل جزء ثلاثة وثلاثين حبة ، أما المئذنة التي نجدها في المسبحة ، فهي رمز لمئذنة المسجد ، ولا تخلو ( المسبحة ) من تلك المئذنة وإلا فقدت قيمتها .[c1]قدماء المصريين [/c]ويروي المؤرخون أن قدماء المصريين استخدموا المسبحة في عباداتهم منذ آلاف السنين ، وبعد الفتح الإسلامي لمصر في عهد عمرو بن العاص ، ظهرت بعض الأسواق في العاصمة ( الفسطاط ) ، التي شهدت رواجا لتلك البضاعة علي أيدي صناع مهرة تفننوا في زخرفتها وتلوينها ، لتتفاوت أحجامها وأشكالها وقيمتها ، طبقاً للمادة الخام التي دخلت في صناعتها مثل الياقوت والمرجان والكهرمان وأنواع من الخشب المخصوص ·ويقول المؤرخ أحمد أمين عن المسبحة في قاموسه عن العادات والتقاليد : إنها تستعمل في الاستخارة ، فيأخذهاالإنسان من أي موضع ، فإذا انتهت بما يدل علي العمل كان معناها أن العمل مقضي والعكس صحيح ، وفي الأرياف كان يستخدمها الفقهاء في قراءة ما يسمي “ بالعتاقة “ ، إذ يتلون علي المسبحة سورة الإخلاص آلاف المرات كفارة للموتي ، وغفرانا لذنوبهم ·وكان بعض الفقهاء من كفيفي البصر يجتمعون ويتلون علي المسبحة> سبحان الله < مئات المرات ، ويختمونها بأسماء الله الحسني وبعض الأدعية ، وهي في العادة تقال لميت وتوهب لروحه ·· وجرت العادة لدي المصريين أن يقومو يومها بصناعة الحلوي ( لقمة القاضي ) ، وهي نوع من الحلوي المصنوعة من الدقيق علي هيئة كرات صغيرة ، وتقدح في السمن أو الزيت ، لتأخذ اللون الذهبي ، ثم تقدم علي أطباق من الخزف أو الصاج ، ويرش فوقها السكر أو العسل ، ويأكل منها قارئو المسبحة ، وتوزع علي الأهل والجيران في أطباق أو لفافات ورقية ·[c1]خان الخليلي[/c]وفي مصر كميات هائلة من “ المسبحات “ ، وعدد كبير من محبي اقتنائها بأشكالها وأحجامها المختلفة ، وهناك أسواق شهيرة مثل سوق “ المسبحات “ في خان الخليلي ، حيث ترتص الحوانيت المتجاورة ، وهي تعرض علي أبوابها ( المسبحات ) من كل صنف ولون ، ويقبل عليها الزبائن بكثافة شديدة ، خاصة في أيام وليالي رمضان ، ومواسم الحج والعمرة ·وكانت ( المسبحة) تصنع في الماضي من أخشاب الصندل والعود والكوك ، ثم أصبحت تصنع من البلاستيك واليسر والكهرمان والعاج ، ويحتاج التمييز بين الثمين والرخيص من المسبحات عينا ثاقبة ولمسات مدربة علي اختبار المادة المصوفة بها ، فهناك اللين كالكهرب الألماني والبولوني ، وهناك الصلد كالياقوت والمرجان واللؤلؤ ·[c1]الملك فاروق [/c]ويذكر أن فاروق > ملك مصر< كان يتردد علي سوق ( المسبحات ) ويقتني مجموعة نفيسة لا تقدر بثمن ، والمصنوعة من الياقوت الأحمر ، والزمرد والكهرمان الأسود النادر ، وكان يحب أن تنقش علي حبات المسبحة أسماء الله الحسني بالذهب وفصوص الماس ، مما كان يتطلب موهبة وحرفية من الصناع ، وجهدا كبيرا في تنفيذ ما يريد ·وفي سوق “ المسبحات “ سنجد أنواعاً مختلفة ، منها ذات أحجام ضخمة ، ليست للتسبيح بها ، بل لتعليقها علي جدران الغرف المنزلية ، كنوع من عناصر الديكور وتجميل الجدران ·· ويعد هذا السوق هو المركز الرئيسي للبيع والشراء في مصر ، حيث يتعامل يوميا مع آلاف الزائرين لمنطقة الأزهر والحسين ، والذين لا يفوتهم السير بين أروقه ، والتمتع بمشاهدة الألوان البهيجة للمسبحات بأحجامها المختلفة ، التي تدعو للدهشة من دقة الصناعة وفنونها ·ومن المشاهد التي تتكرر كل عام في رمضان ، أن تجد الناس وهم يحملون بين أصابعهم ( المسبحة ) ، كنوع من التفاخر ، الذي يتماثل مع الهوايات الأخري كاقتناء اللوحات التشكيلية النادرة ، أو جمع العملات النقدية القديمة ، ولذلك فدائما ما تجد خبراء حقيقيين بفنون ( المسبحة ) ، سواء هؤلاء من هواة الانتقاء أو من الصناع المهرة الذين توارثوا هذه المهنة عن أسلافهم · ولعل مصر من البلاد العربية الأكثر اهتماما بصناعة ( المسبحات) ، والتفوق في فنونها المتعددة ، فثمة تاريخ قديم يعود إلي آلاف السنين وحتي دخول الإسلام إلي مصر ، وبناء أول عاصمة إسلامية لها ( الفسطاط ) ، ثم ( العسكر ) و ( القطائع ) ، حتي بناء القاهرة في عهد المعز لدين الله الفاطمي وقائده جوهر الصقلي ( 358 هـ / 999 م ) ، حيث اختصت القاهرة نفسها بعدد من الأسواق ، التي مازال الكثير منها في ذات موقعه بين أحضان الأحياء الشعبية العريقة ، وكان لكل مهنة سوق خاص بها ، ومن بينها ( المسبحات ) ، التي راجت وازدهرت في العهود المتتابعة ، ليزداد إقبال المصريين عليها في أيام وليالي رمضان ·