طارق سيف من الصعب أن نسميهم «الإخوان»، لأنهم تنكروا للأخوة وألقوا بهذه العلاقة السامية في أول صراع على السلطة والسطوة، كما يستحيل أن يكون بينهم وبين «المسلمين» أي رابط بعد أن استباحوا قتل الأبرياء وسفك دم من يخالفونهم الرأي، لذا فالإسلام براء مما فعلوه ويفعلونه، وقد استطاعوا أن يفرقوا بين المرء وأخيه ويدفعوا بالمسلمين كافة إلى جانب العداء للعالم بأسره، لذا فهم ملاعين وملعونون؛ لأنهم شككوا في الإسلام الصحيح وجعلوه ديناً للإرهابيين والسفاحين والقتلة والمأجورين والمتآمرين على أوطانهم ومجتمعاتهم وأهلهم.لقد استطاع الإخوان المسلمون أن يدمروا في خمسة عقود ما بناه الإسلام والمسلمون في 1400 عام، ولم يكن استعراض التايكوندو والكاراتيه لشبابهم بالملابس السوداء في جامعة الأزهر بمصر منذ عامين تقريباً من قبيل «الفجور الإعلامي»، بل كان رسالة واضحة للجميع، حكومة وشعباً، بأننا جاهزون ومستعدون للقتال يداً بيد ضد كل من تسوِّل له نفسه الوقوف أمامنا، وهذا هو موقف الإخوان في كل زمان ومكان.تُعتبر جماعة الإخوان المسلمين المدرسة التي تخرجت فيها جميع حركات العنف والإرهاب الإسلامي لتحقيق أهداف سياسية، بعد أن استطاعت «تديين السياسة» أو «تسييس الدين» لتحقيق مصالحها والوصول إلى كرسي الحكم، ومن يطالع خريطة العالم- وخاصة الدول الإسلامية من إندونيسيا شرقاً إلى المغرب غرباً، ومن تركيا العلمانية الإسلامية شمالاً إلى الصومال جنوباً- سيجد بصمة الإخوان المسلمين، وجميع أعمال العنف والإرهاب وقتل الأبرياء مذيلة بتوقيع هؤلاء، لذلك سيشعر بمدى التشويه وعظم الجرم الذي ارتكبوه في حق هذا الدين ومعتنقيه بقدر يفوق ما صنعه أعداؤه على مدى عقود من الزمن.لقد استطاع فكر الإخوان المسلمين أن يسيطر بصورة غير مسبوقة على ملاعين وشياطين الإرهاب في العصر الحديث، وأفرز العديد من الخلايا والتنظيمات المتطرفة التي اتخذت من الدين شعاراً لإشاعة الفوضى ونشر الرعب والإثخان في القتل بلا هدف واضح سوى الإساءة لهذا الدين، الأمر الذي دفع العالم إلى أن ينظر للإسلام كعقيدة تحض على العنف والوحشية والإبادة، ولا تأبه لأرواح البشر؛ مسلمين كانوا أو غير مسلمين.لقد جرى التوظيف الإعلامي للتصرفات العدوانية والوحشية لهذه الحركات، التي تحمل للأسف شعارات إسلامية، كنموذج للثقافة الإسلامية والعربية وسلوكها «الهمجي»، وساعد ذلك في تراجع الاهتمام العالمي بما يحدث للمسلمين في فلسطين والعراق وكشمير والشيشان على أيدي عصابات البطش الصهيونية اليهودية، والمسيحية الأصولية، والهندوس، والروس.منذ نشأتهم والإخوان أول من أدخل العنف في السياسة، وأول من حرض على القتل والاغتيال للانتقام، وأصبحوا نموذجاً يحتذى به في الشر وإثارة الفتنة داخل المجتمعات الآمنة، وإشاعة الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.كانت بدية ظهور الإخوان الملاعين في العشرينيات من القرن الماضي، وسرعان ما انخرطوا في العمل السري الدموي، وانقسموا إلى جناحين، الجناح الأول يقوم بالإفتاء وصياغة الفكر المعوج، والجناح الثاني مسؤول عن التنفيذ.ومن العجيب أن نرى أن الجناح المسؤول عن الفتوى شيوخ يعرفون من الدين الشكل المظهري فقط، ويتعاملون بمكيالين، حيث يصدرون فتاوى متطرفة، لم ترد في كتاب الله ولا سنة رسوله، بالقتل والخروج على الحاكم، واستباحة الأموال والأعراض، والسماح بالزنا تحت أسماء مختلفة للزواج لم يسمع بها أحد من قبل، في الوقت نفسه الذي يرتمون فيه في أحضان وسائل الإعلام لجني الثروات وجمع الأموال الطائلة، من دون جهد سوى إنكار ما أفتوا به سراً أو تحت زعم أن ما أفتوا به قد جرى تحريفه. إنهم «شيوخ الفتنة»، المشتاقون الى السلطة والحظوة، أرادوا أن يركبوا قطار التطرف، رافعين شعار «كله مكسب»، فإذا ما انتشرت فتواهم فإنهم يكسبون الدعاية الإعلامية، وإذا كذبوها أو أشاروا إلى تحريفها فإنهم يقبضون الثمن، وفي جميع الأحوال فإنهم يظلون بعيداً عن ميدان القتل، وتكون النهاية أن يصبح الخاسر الحقيقي هو الإسلام والمسلمون.وقد أفرز الإخوان فئات ضالة كثيرة نتيجة لضعف إيمان أعضاء جناح القتل وسهولة التأثير فيهم، حيث اعتنقوا الأفكار الهدامة ونزعوا إلى العنف والقتل من دون الفهم الصحيح لحقيقة الإسلام كعقيدة بنيت أصلاً على الوسطية والتسامح، وكدين يحض على الرفق والرحمة وينهى عن العنف والقتل، ففي الحديث الشريف الصحيح: «من أُعطي حظه من الرفق فقد أُعطي حظه من الخير، ومن حُرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير»، وفي حديث شريف آخر: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه».والمراجعة التاريخية المعاصرة لنشاط الإخوان الملاعين في بعض الدول العربية تشير إلى مفارقات كثيرة، ففي مصر مثلاً تظهر بوضوح أبعاد تجربتهم الفاشلة، فبعد أن خرجوا من الجحور وأشعلوها حرباً ضروساً ضد المصريين والأجانب، وعرَّضوا آلاف الأبرياء للقتل، عادوا إلى جحورهم تحت وطأة لفظ المجتمع لهم ورفضه لفكرهم وسلوكهم، وسرعان ما أعلنوا الانتقال من المواجهة إلى المراجعة، ثم من المراجعة إلى مبادرة لوقف العنف.أما في الجزائر فكانت الطامة الكبرى، حيث قام الإخوان الملاعين باستباحة ذبح الأهل والأقارب والأطفال والأبرياء من المسلمين، وكانت الجحور والكهوف مأوى لهم بعد أن كشفتهم الشرطة الجزائرية وفضحت أعمالهم الدنيئة وناهضهم الشعب الجزائري، ولم تنطل على أحد فتاوى شيوخهم التي استباحت أعراض الأبرياء من المسلمات تحت زعم أنهن سبايا وغنائم حرب!أما في اليمن والسعودية، والكويت من قبل، فنجد تراجعاً حاداً من شيوخ «الفتنة» عن فتاواهم المحرضة على قتل الأبرياء، بعد أن شعروا بمدى الجنون الذي أصاب الإخوان الملاعين وجعلهم يفجرون أهدافاً عشوائية، بل إنهم أصبحوا السبب الرئيسي وراء حملات الغرب في الإساءة للإسلام، والإصرار على أنه دين قتل وإرهاب.لقد أصبحت زعامة الإخوان مهنة من لا مهنة له، فمعظمهم لا يفقه في الدين سوى الأمور المظهرية، ويفتي فيما لا يعرف، ويقتطع الآيات من سياقها لخدمة أغراضه، ويستبيح قتل الأنفس التي حرَّم الله قتلها إلا بالحق، وهو لا يملك أيَّ حق. وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد خاطب نبيَّه الكريم بأنه لو كان «فظاً غليظ القلب» لانفضوا من حوله، فما بالنا بخسِّة عمليات القتل والتنكيل بالأبرياء من دون ذنب ارتكبوه أو جريرة فعلوها، تحت زعم الكفاح أو مناهضة المحتل؟والمدهش أن أصحاب هذه الفتاوى ومتبعيها يتحدثون عن الوحشية والعنف في فلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير، ولا ينظرون لأعمالهم الملعونة في تهديد أمن واستقرار الأبرياء والمكافحين والكادحين من المسلمين وغيرهم من أبناء الديانات السماوية الأخرى.لقد بات الإسلام غريباً في أهله وأصبح المسلم أو العربي، رجلاً كان أو امرأة، مطارداً في كل مكان، والجميع ينظرون له بريبة وشك، بل إن بعض ركاب الطائرات يرفضون إقلاعها وعليها عربي، ومن يحمل اسماً عربياً أو ملامح عربية يجب احتجازه وتفتيشه، فهو مدان قبل أن يفعل شيئاً، والطامة الكبرى لو كان الاسم إسلامياً.نجح الإخوان الملاعين فيما فشل فيه أعداء الإسلام من تشويه للإسلام ولا يزالون، ونجح الشيطان في أن يصوِّر لهم أن ما يقومون به من شر إنما هو لصالح الإسلام والمسلمين. لقد آن أوان التوبة النصوح والعودة إلى صحيح الإسلام، لعل الله يغفر لهم ما اقترفته أيديهم في حق أنفسهم وأهليهم وأوطانهم. وإنا لله وإنا إليه راجعون.[c1]* كاتب إماراتي[/c]
|
دراسات
الإخوان المسلمون والتحريض على العنف
أخبار متعلقة