أضواء
على الرغم من التحذير الذي أطلقته وزارة الداخلية السعودية - قبل أيام -، من إلزام المواطنين السعوديين المتقدمين للزواج من الخارج، بضرورة توقيع تعهدات تفرض عليهم قبول الأنظمة والتعليمات وتطبيق الشروط، - سواء - فيما تشترطه هي، أو تشترطه أنظمة دولة الزوجة، ومن أبرز ذلك: حقوق الحضانة بعد الانفصال، وقوانين الأحوال الشخصية. إلا أن تقارير إعلامية، تشير إلى أن زيجات الصيف، أو ما يسمى « الزواج السياحي»، والذي لا يحمل صفة الاستمرارية، بات ظاهرة مستفحلة، تنتشر في عدة دول عربية وآسيوية، والتي تعتبر وجهات سياحية مزدهرة، تجذب الكثير من السياح.يندرج الزواج السياحي تحت مصطلح «عقود النكاح المستحدثة». أحدثه الناس بما يتوافق ومعطيات العصر الحديث، فهو زواج غير واضح المعالم، ومع أنه يكيف تحت مصطلح «الزواج بنية الطلاق»، إلا أن هذه العلاقة تنتهي بينهما بقضاء الإجازة، والعودة من السفر. ولذا، قال بعض العلماء:«إن الزواج السياحي حسب صورته الغالبة، المتمثلة في السفر بقصد الزواج، أو السياحة والزواج معاً، مع تبييت النية بالطلاق عند العودة، صار في وقتنا الحاضر وسيلة للفسوق والفجور عند الكثير، والشيء المباح إذا تضمن وقوعاً في حرام، أو تركاً لواجب، صار حراماً. وقد صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة، المعقودة في مكة المكرمة، في الفترة من:10 14- 1427هـ،«القرار الخامس»، الذي موضوعه «عقود النكاح المستحدثة»، القاضي بمنع الزواج بنية الطلاق. وجاء في قرارات المجمع الفقهي:« الزواج بنية الطلاق، وهو: زواج توافرت فيه أركان النكاح، وشروطه، وأضمر الزوج في نفسه طلاق المرأة بعد مدة معلومة، كعشرة أيام، أو مجهولة؛ كتعليق الزواج على إتمام دراسته، أو تحقيق الغرض الذي قدم من أجله، وهذا النوع من النكاح، على الرغم من أن جماعة من العلماء أجازوه، إلا أن المجمع يرى منعه؛ لاشتماله على الغش والتدليس؛ إذ لو علمت المرأة، أو وليها بذلك، لم يقبلا هذا العقد، ولأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة، وأضرار جسيمة تسيء إلى سمعة المسلمين».لا شك - أن الفقر، وغياب القيم الاجتماعية، وما يترتب عليه من ضعف في البناء الديني والأخلاقي، أسباب رئيسة في تحول المرأة إلى سلعة رخيصة، تنتقل من يد إلى يد، بعد أن يتقاذفها المصير إلى المجهول، ويكفي أن أشير إلى معاناة الزوجات في الحصول على حقوقهن عندما طلقن، ومطاردة هؤلاء الزوجات لأزواجهن؛ للاعتراف بأبنائهم، بعد أن كن يحلمن بالاستقرار المادي والمعنوي. وهذا ما أكد عليه - مفتي عام المملكة - عبدالعزيز آل الشيخ:«على أن ما يعمد إليه الشباب، الذين يترددون على بعض الدول خلال شهور الصيف، بغرض تحقيق هذا النوع من الزواج، عبث لا يصح على الإطلاق «، لافتا إلى:» أن الزواج يتحقق معه استقرار الزوجين، واستمراره. والزواج المؤقت يخلو من تلك المعاني، بل هو تلاعب في حق الزوجة». - للأسف - أن هناك من يدافع عن هذا النوع من الزواج، بحجة تحصين الزوج من الانحراف، والخوف من الوقوع في شباك الغريزة الجنسية المحرمة. فيعقد على امرأة لمدة معينة، وفي نيته طلاقها بعد قضاء حاجته، في البلد الذي هو مقيم فيه. وقد تملكني العجب، وأنا أقرأ فتوى لأحدهم على الشبكة العنكبوتية، مع أنه لا يحمل شهادة جامعية، ولا يعرف عنه طلب العلم عند أهله، في رده على طالب مبتعث، ترافقه زوجته في إحدى الدول الغربية، ويريد هذا النوع من الزواج، فأفتاه بأن:«المسميات الجديدة في الزواج لا تهمنا، يهمنا فقط شروط الزواج وأركانه، وهي: أن تتزوج بولي وشاهدين وإيجاب وقبول، صح الزواج إذا انتفت موانعه.. والمسفار، يقصدون به: الزواج بنية الطلاق، وهذا جائز في حال الخوف على النفس من الوقوع في الزنا. ولكن دون تحديد وقت للطلاق، ودون إظهار النية فيه». وبدلا من أن يفتيه في طريق إشباع العلاقة الزوجية من النواحي الروحية والعاطفية والجسمية والجنسية؛ لإنعاش الحياة الزوجية من أزماتها، فعلى قدر سخاء العطاء من أحد الطرفين، يكون سخاء العطاء من الطرف الآخر، - لاسيما - وأن زوجته معه، نجده يفتي بإباحة هذا النوع من الزواج، دون النظر إلى مقاصد الزواج وأهدافه. إن التوقف عن القول بجواز هذا النوع من الزواج، واتخاذ الوسائل اللازمة لمنعه، وعدم انتشاره في المجتمعات، مطالب مهمة. فأهداف الزواج ليست منحصرة في الإشباع الجنسي فقط، وإنما يشمل إضافة إلى ما سبق، بقاء النوع والتكامل الإنساني. فهو سكن ومودة ورحمة، وفي نفس الوقت هو إمتاع ولذة جسدية. فالزوجان في الظاهر فرد، وفي الحقيقة زوج. وهذه هي المقاصد السامية من مشروعية الزواج، والمعادلة الكاملة لتلك العلاقة، بينتها الآية الكريمة: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون». [c1]* صحيفة (الجزيرة) السعودية