مدفع رمضان أهم طقوس المصريين في الشهر الكريم
القاهرة /14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية: يتحقق الصوم في الإسلام بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر الصادق ، إلى غروب الشمس مع اقتران النية به ، وكان المسلمون الأوائل يبدؤون صوم رمضان من ( الفجر الصادق ) حتى وقت الغروب ، ومن هنا كان تحديد الوقت من الأمور الهامة ، والتي يخشى الصائمون مخالفتها ، تحسباً لبطلان الصوم . إذ يقول الله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) أي بدء دخول الليل بغياب قرص الشمس ، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث شريف : “ إذا أقبل الليل من ههنا ، وأدبر النهار من ههنا ، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم “ .وهكذا اقترن وقت الإمساك والفطور بأذاني الفجر والمغرب ، لقرون عديدة دون أن تكون هناك علامة منذرة بوجوب الإفطار أو الإمساك غير الإنصات إلى صوت المؤذن ، الذي يصعد إلي المئذنة ، ويسمعه أهالي الحي أو الشارع الكائن فيه المسجد أو الجامع ، حيث لم تكن قد اخترعت بعد ( مكبرات ) الصوت ، التي تتناقل أصداء الآذان في نطاقات رحبة وتمر الأعوام ليكتسب شهر الصوم العديد من الملامح والتقاليد المحببة إلى القلوب ، وكانت المصادفة وحدها وراء رسوخ تقليد عمره يزيد علي خمسة قرون ونصف قرن ، ألا وهو مدفع الإفطار الذي تتابع طلقاته الثلاثين على مدى الشهر في معظم أرجاء المدن العربية والإسلامية .[c1]مدفع الحاجة فاطمة [/c]لهذا المدفع حكاية بدأت في عام 958 هـ ، حيث كان جنود السلطان المملوكي (خوشقدم) يجربون مدفعاً أهداه إلى السلطان رجل ألماني ، وتصادف أن يكون إطلاقه في أول يوم من أيام شهر رمضان ، وتحديداً في وقت الغروب ، فظن أهالي القاهرة أن ( سلطانهم ) ، قد استحدث هذا الأمر لتبنيههم إلى موعد الأذان .وفي صباح اليوم التالي توجه نفر من العلماء والأعيان إلى القلعة لمقابلة الحاجة فاطمة (زوجة السلطان ) ، وناشدوها أن يستمر إطلاق المدفع طيلة أيام الشهر الفضيل ، لما أضافه لأهالي القاهرة (المحروسة ) من بهجة وأفراح ، وما مثله لهم من تأهب لسماع صوت أذان المغرب وتناول وجبة الأفطار.. وقد وافق السلطان خوشقدم على الفكرة واستحسنها ، وأمر بأن يطلق المدفع يوميا ( طلقة واحدة ) إيذاناً بالاستعداد لسماع آذان المغرب ، واشتهر المدفع باسم ( الحاجة فاطمة ) ، ليبقى في الذاكرة الشعبية اسم هذه السيدة ، وزوجها السلطان ( خوشقدم ) ، الذي أطلق أهالي ( المحروسة ) اسمه على الحى المسمي ( حوش آدم ) ، والكائن في قلب القاهرة القديمة .وذهب بعض المؤرخين إلى أن مدفع الإفطار منذ هذا التاريخ ، أصبح من الطقوس المحببة لدى المصريين ، حتى أن حالة من الاستهجان قد أصابتهم ، حين حاول بعض السلاطين والولاة إبطال هذه العادة.وقد كتب الزعيم الوطني محمد فريد في مذكراته : إنه في رمضان المقابل لعام 1890 الميلادي ، أصدر مصطفى فهمي باشا ناظر النظار “ رئيس الوزراء “ ، وناظر الداخلية “ وزير الداخلية “ في نفس الوقت ، أمراً بإبطال إطلاق المدفع في المدن ، فثار الأهالي ، وعدوا ذلك مساسا بالدين ، وكتبوا عدة تلغرافات للخديوي للاحتجاج على هذا الأمر ، وبالفعل صدر الأمر الخديوي بتجميد قرار رئيس النظار ، وبذلك عادت البهجة إلى نفوس المصريين .وهكذا استقر مدفع الإفطار في موقعه بالقلعة وتم عام 1895م ، تحويل الأجزاء الخاصة بإطلاقه ، من الذخيرة الحية إلى ( الفشنك ) ، وهي عبارة عن كيس من البارود الأسود وزنه 750 جراماً ، وتستخدم ( الشطاطة ) لإشعال هذه الكمية من البارود ، ويصل مرمى المدفع حتى خمسة أمتار لتتناقل أرجاء القاهرة أصداء الطلقة التي يسمعها الأهالي المحيطون بقلعة صلاح الدين ، وما تلاها من أحياء ومناطق واقعة في النصف الشرقي من مساحة القاهرة .وحتى فترة ما قبل دخول الإذاعة كان يتزامن إطلاق مدفع القلعة ، مع إطلاق أربعة مدافع أخرى في مناطق مصر الجديدة وحلوان ومدينة البعوث ، ومدينة نصر ، وبدخول الإذاعة ألغيت هذه المدافع ، ليبقي مدفع (القلعة) هو الوحيد الذي يعمل خلال شهر رمضان ، ويسمعه أهالي مصر من خلال أجهزة الراديو علي أن يراعوا فروق التوقيت من مدينة لأخري.[c1]تجارب على المدفع [/c]وعادة ما يبدأ الاستعداد لإطلاق مدفع رمضان قبل الشهر بأيام قليلة ، وذلك بالتأكد من سلامته ، من خلال عدة طلقات تجريبية ، ثم يبدأ دخوله في نطاق العمل الفعلي ، بدءاً من اليوم الأول من رمضان وحتى تمام الشهر الكريم ، وقد جرت العادة أن تكون هناك طلقة ( يومية ) مماثلة ، إيذاناً بالإمساك والصيام .ويتكون طاقم ( المدفع ) من رئيس وثلاثة مساعدين يتناوبون العمل من طاقم آخر لمدة 42 ساعة ، ويكون بجوار المدفع خيمة يقضي فيها الطاقم كل وقته ، ولا يترك المدفع ، ويقوم بحراسة البارود ، وصيانة المدفع بعد الإطلاق مباشرة ، وذلك عن طريق قطعة من القماش مبللة بزيت السلاح لتنظيفه من الأتربة ، وتتم هذه العملية على مدار العام بشكل دوري ، حتى لا يتعرض المدفع لأية أعطال أو أعطاب تعوق تشغيله ، أو تتسبب في أحداث غير متوقعةوهكذا أخذ ( المدفع ) شكل التقليد الثابت والمتكرر ، خلال أيام شهر رمضان ، حتى أن الأجهزة السمعية والمرئية ، من مذياع وتلفاز تحرص أن تنقل علي الهواء مباشرة صوت إطلاق مدفع رمضان.. وقد انتشرت بين ألعاب الأطفال في رمضان أشكال مصغرة للمدفع ، وهو عبارة عن قطعة حديدية بها تجويف صغير الحجم لا يتجاوز طولها عشرة سنتيمترات ، ويوضع في هذا التجويف قطعة حديدية مسنونة ، ليحمله الطفل من خلال وثاق رفيع يربط بين القطعتين ، ويسدده إلي جدار صلد ، فيصدر صوتا أشبه بطلقة المدفع الكبير .ويري الكثيرون من الأهالي أن انتشار مثل هذه العادة يسبب الإزعاج ، لأنها في متناول الأطفال الذين يطلقون (مدافعهم) بشكل دائم خلال ساعات الإفطار ، وحتى وقت السحور ، وقد تلاشت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة ، ليبقي مدفع ( الحاجة فاطمة ) صاحب السبق والمداومة في تنبيه الصائمين ، لوقت صلاة المغرب والفجر ، أووقت الإفطار والإمساك.