د . زينب حزام :ذات يوم تصدى المفكرون والفلاسفة والتربويون ورجال الدين لبناء منظومة أخلاقية تدعو إلى غرس العلم والأخلاق في المجتمع الحديث والمحافظة على القيم الإنسانية وفي غمرة هذا الحراك غاب العالم والمخترع والمبتكر عن المشاركة في هذه المنظومة الأخلاقية التي تدعو إلى السمو والارتقاء. حجر الأساسفي البدء تحرك سقراط وأفلاطون وأرسطو لوضع حجر الأساس لقلعة الحكمة وضرورة غرسها في قلب الطفل حتى ينشأ على الأخلاق الحميدة وأنه يجب أن يغرس كذلك في قلب الطفل حب العلم والاختراع وربط العلم والأخلاق معاً . كان كل من سقراط و جالينوس مهتمين بالطب والصيدلة ، وبينما اهتم الفلاسفة بالفكر والأدب والفنون والبحث في ما يخطر على الوجدان، المشاعر وما يرتقى بالإحساس والضمير واليوم أصبح من الضروري ربط العلم والأخلاق معاً وغرسهما في قلب الطفل حتى ينشأ على حب السلام ونبذ الدمار والحروب في جميع أنحاء الأرض حيث تطورت الأسلحة النووية والدمار وانتشرت دعوات التطرف والإرهاب واستخدم الأطفال الأبرياء في الأعمال الانتحارية والتفجيرات بالأحزمة الناسفة التي يرتديها الأطفال دون علم بخطورتها على أنفسهم وأفراد المجتمع لذا من الضروري توعية الطفل منذ الصغر بالتفتيش عن الحقائق التي تشكل الطريق نحو الفضائل والسعي الحقيقي لبناء قلعة الحكمة وربطها بالعلم وإلا ما فائدة تعليم الطفل استخدام الكمبيوتر والانترنت وأفلام الكرتون التي تحتوي على العنف ومشاهد الحروب والدمار إذا كنا لا نعرف هذا الطفل البريء بما تسببه الحروب وأعمال العنف من أضرار جسدية ونفسية للإنسان والمجتمع ومن الضروري تشجيع الطفل على البحث العلمي والاكتشاف مع ربط العلم بالأخلاق وعلينا توفير منظومة علمية متكاملة وإشاعة مناخ يساعد على الإبداع وتفجير طاقات العلماء الذين نقوم بإعدادهم منذ الطفولة المبكرة وربط الدين بالعلم وعدم استخدام الدين كأداة لمنع العقل من فهم العلم والتفاعل معه والابتكار فيه والإضافة إليه. ومن الضروري وضع خطة للارتقاء بالتعليم في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية تدعو إلى تشجيع البحث العلمي الميداني وربطه بالأخلاق والحكمة والاستفادة من تجارب من سبقنا في ميدان العلم والأدب.
الأطفال ..وتحقيق الطموحات والآمالهناك تساؤلات كثيرة يثيرها الطفل في سنوات عمره الأولى وأول ما يسأله الطفل لأمه كيف أتيت إلى هذه الحياة؟ وهنا قد تخجل الأم من الإجابة عن هذا السؤال وكثيراً ما تحتار في الإجابة. لذا علينا الرد بطريقة علمية مبسطة حتى يفهم الطفل الحياة وكيف يتكون جسم الإنسان والحيوان وكيف يتم تلقيح النبات والحيوانات وكيف يتم الإنجاب عند الإنسان عبر طريقة الزواج الشرعية التي يقرها الدين الإسلامي الحنيف. هناك عشرات الأسئلة التي يضعها الطفل وعلينا الاستماع إليها والرد بوضوح حتى لا يفهم الطفل الإجابة خطأ وعلينا عدم الاستخفاف بكلماتهم وهي اصدق من نشرات الأخبار كلها.. لماذا نصم آذاننا ونوصد قلوبنا عما يقولونه بعفوية لم تلوثها الحياة، وكيف نستحق بذكائهم الفطري وصفاء أرواحهم ونقاء قلوبهم وطموحاتهم في الحياة، لماذا نستخدم السلطة الأبوية العمياء في قمع آرائهم وإخراس أصواتهم وتكميم أفواههم بأصابعنا القاسية ؟ لذا ينشأ عندنا الطفل الأسير للسلطة الأبوية العمياء وقمع العالم أو يهرب أبناؤنا إلى دراسة المجالات الأدبية البسيطة والخالية من البحث العلمي والاكتشافات العلمية . إن سلطة الآباء العمياء تقمع تربية الطفل على العلم والأخلاق وتربي الأنانية والإهمال لدى الطفل الذي كسرت شخصيته وأهمل رأيه وهمش من قبل أبيه وأمه. أتذكر عندما كنت طالبة في السنة الرابعة ( ابتدائي) وكانت مدرستي للغة الانجليزية تبلغ الخمسين من عمرها جاءت إلى اليمن من الهند للتدريس وكنت اجلس بصمت انظر إليها والى الطالبات اللواتي كن يصرخن بأعلى أصواتهن أمامها وفجأة قامت هذه المدرسة بمعاقبتي دون مبرر وعندما سألتها لماذا قمتِ بمعاقبتي بينما كنت اجلس بصمت؟! أجابت المدرسة الأجنبية : لأنك لم تعبري عن رأيك ولم تشاركي زميلاتك آراءهن!! من واجب الآباء والأمهات تشجيع الطفل على التعبير عن طموحاته مهما كانت بسيطة وتربيته على التكيف مع تيار الحضارة الذي نعيش فيه وبهذا تصبح التربية عملية خارجية يقوم بها المجتمع لتنشئة الأفراد ليسايروا المستوى الحضاري العام. ويرى علماء التربية في الغرب أن التربية تنشأ عن اشتراك الفرد في الوعي الاجتماعي للجنس البشري وهذا السبيل ينشأ تلقائياً ومن الميلاد تقريباً ويستمر على نحو موصول في تشكيل الفرد مشربأ وعيه ، مكوناً عاداته مدرباً أفكاره مثيراً مشاعره وانفعالاته وأن التربية ايضاً تعني بصفة عامة حاصل جميع العمليات والسبل التي ينقل بها مجتمع ما سواء أكان صغيراً أم كبيراً قوته المكتسبة وأهدافه بقصد ضمان استمرار وجوده ونموه كما أنها ليست شيئاً يقحم على الأطفال والشباب اقحاماً قسرياً من الخارج وإنما هي نمو القدرات الفطرية الكامنة في الإنسان عند ميلاده. إن تربية الطفل عملية صعبة تتطلب الصبر والدقة في الإجابة على أسئلته العفوية وتقديم المعلومة الدقيقة التي ترتكز على الصدق والصراحة ومخاطبة عقله وعواطفه السامية والارتقاء بمستوى رأيه وتشجيعه على العمل والاعتماد على النفس وفتح المجال له في دراسة المواد العلمية وربطها بالأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة. قبل الدخول إلى واقع البحث العلمي في اليمن وعلاقة الطفل بهذا المجال لابد من الإشارة إلى قضية مهمة وهي توفير المعلومات التي نفتقر إليها خاصة في الميدان العلمي وأضف إلى ذلك المعلومات المتوفرة في المدارس الابتدائية ورياض الأطفال ، نجد أن معظم المدارس الابتدائية لا تتوفر فيها مختبرات و مواد العلوم (فيزياء وكيمياء واحياء) التي تعرف الطفل على عنصر الاكسجين والكربون والعناصر الكيميائية المقررة في السنوات الاولى من مرحلة التعليم الاساسي ونجد ان معظم المدرسين لمادتي الرياضيات والعلوم يكتفون بشرح المادة نظرياً ولا يعرف الطالب في هذه المرحلة المختبر العلمي. ربط العلم بالأخلاق تشجيع الطفل على البحث العلمي يجب أن يبدأ من السنوات الأولى من عمره أي منذ دخوله الروضة مثل تدريسه علم النباتات والحيوان حيث يجب تشجيعه على معرفة الطيور وأنواعها وكيف تعيش وكيف تتغذى وكيف تبني أعشاشها على أن تتم هذه الدراسة على الواقع ولا نكتفي بالشرح النظري داخل الصف. وهكذا يجب تبسيط دراسة العلوم وتشجيع البحث الميداني لهذه العلوم عند الطفل وتوفير المختبر وادوات البحث العلمي البسيطة وتشجيع البحث العلمي في مدارس التعليم الاساسي والثانوي يتطلب الجهود التالية: توفير المختبرات العلمية والمواد اللازمة للبحث العلمي . زيادة المخصصات المالية للبحث العلمي والتقني. توفير المناخ العلمي الجيد للطفل وتشجيعه على الدراسة والبحث والاكتشاف. تشجيع التطبيق الميداني في دراسة مادتي العلوم والرياضيات. التقويم السليم لجهود الطفل ومكافأته مادياً ومعنوياً على الجهود التي يبذلها وتشجيعه على الاستمرارية وبث روح المثابرة والابداع. تشجيع طلاب الثانوية العامة على دراسة الاتصالات والليزر والانسان الآلي و الهندسة الحيوية.. وغيرها من العلوم والتكنولوجيا المتطورة . التأكيد على تدريس الطالب على اساس استقصاء المعلومات وكتابة المعولمات والتقارير كي نبني انساناً له القدرة على البحث العلمي . الخاتمة إن وتيرة تطور الدول المتقدمة تزداد باضطراد بسبب التركيز على البحث العلمي بجميع اشكاله بينما الدول العربية ما زالت في بداية الطريق في ميدان البحث والاكتشاف العلمي ولتخفيف هذه الهوة وتقليص التبعية في استيراد الاجهزة المختبرية والتكنولوجيا ينبغي علينا زيادة السرعة في ميدان البحث الميداني من موارد مالية وقوى بشرية للوصول الى نقل التكنولوجيا وتوطينها وحل مشاكل التنمية على نحو ملائم للواقع واحتياجات المستقبل وايجاد البدائل المحلية من مواد خام وطاقات والاعتماد على الذات.