أضواء
في الأسبوع الماضي نشر خبر في جريدة الرياض عن سائق “تكسي” باكستاني “مجهول الهوية” رغم أن الهيئة ألقت القبض عليه ، بتهمة التغرير بنساء لإحياء سهرات باستراحات شمال الرياض للراغبين في المتعة المحرمة.يقول الخبر باختصار : “.. واعترف الوافد الباكستاني الذي كان يمتهن العمل في أحد محلات بيع الجبس قبل أن يقوده تفكيره الإجرامي للعمل كسائق للمشاوير الخاصة ونشر أرقامه في الأسواق الشهيرة وتلقي الطلبات من الفتيات صغيرات السن للعمل في توصيلهن ثم القيام بالتغرير بهن عقب تقوية العلاقة معهن أنه على علاقة قوية مع أكثر من 50 فتاة في مدينة الرياض ، وأنه يتقاضى أكثر من 2500 ريال عن الفتاة الواحدة لإحياء سهرات في استراحات وفنادق شهيرة بعد أن ينسق بين الفتيات وبعض الشباب راغبي المتعة المحرمة”.ثم يعود الخبر ليصبح أكثر دقة ويلغي كلمة أكثر فتأتي الأرقام هكذا : 2500 ريال و50 فتاة تتراوح أعمارهن ما بين 15 ـ 25 عاما ، ثم يلغي الاتفاقية بين السائق الباكستاني والفتيات لتصبح المسألة تهديدا ، بعد أن أقام معهن علاقات.هذا المجرم السائق في نهاية الخبر يتحول لواعظ إذ يقول الخبر : “وقال الوافد في اعترافه إنه استغل ضعف الرقابة الأسرية على الفتيات في استغلالهن لمشروعه الذي كان يدر عليه أموالا طائلة”.لست أدري من كتب الخبر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم محرر الجريدة، لكن المؤكد أن الخبر كان الهدف منه إثارة الرعب في المجتمع لتبرير وجودها، لهذا لم يتحدث الخبر عن القضية بأنها “شبكة دعارة”، كما يحدث حين يتم القبض على شبكة لترويج المخدرات أو الكحول، فهو بهذه الطريقة سيحصر القضية في فئة سيئة موجودة في كل مجتمع، لأن في كل مجتمع هناك فقر، وعادة يفشل البعض من الفقراء في اختبار الرغيف أو الجسد .ومع هذا ما أود التطرق له ليس الصياغة الركيكة للخبر، بل تلك الردود التي وصلت إلى 1060 ردا على موقع جريدة الرياض خلال يوم واحد، لأنها تقدم لمن يريد رؤية أولية لآلية التفكير، وماهية العدل والشرف؟فغالبية الردود طالبت بقطع رأس الباكستاني فهو يمثل الشيطان المسئول عن كل خطايانا، بالإضافة إلى 50 امرأة سيمثلن كل نساء المجتمع، اللاتي هن قابلات للفساد إن لم تتم مراقبتهن.وبين قطع الرأس ولعن المرأة بوابة الفساد، كان هناك من يوبخ الأسر التي لم تراقب فتياتها أو كما قال أحدهم مستشهدا “اربطوا غنمتكم ما يجيها تيسنا”.كان أقل من 01 % سلطوا الضوء على من يدفع الأموال، أو الممول الحقيقي لهذا المشروع، والذي بدونه لن يجد الشيطان/الواعظ فرصة للعمل في هذا المجال ليقتل فقره الذي تغرب بسببه، ولا هن أي النساء اللاتي سيستغللن غياب الرقابة الأسرية ليفسدن.وكان تسليط الضوء بتساؤل عن شعور الشباب الذين يدفعون الأموال، أي لم يكن اتهاما صريحا بأنهم هم المسئولون عن تمويل هذا المشروع الفاسد، بقدر ما هو عتب.مع اعتراضي على صفة الشاب للممول الاقتصادي، فأغلب الشباب في الرياض يعرضون أنفسهم للمخاطر في الأسواق من أجل إعطاء رقم هاتفه، ولو كان قادرا على تمويل تلك السهرة التي تتجاوز 15 ألف ريال كما تقول المداهمة في الخبر: “ألقي القبض على الباكستاني وبرفقته خمس فتيات”، لما غامر في النزول للأسواق ليصبح عرضة لبوليس الآداب، وهذا يؤكد أن الممولين ليسوا شبابا بل أصحاب مداخيل عالية جدا.قلت: إن قراءة الردود على الخبر تكشف لك ليس مفهوم العدل والشرف فقط، بل وميزة أن تكون رجلا في مجتمع، عمليا لا أحد يحاسبك إن كنت تربط عنزك/ابنتك/أختك/زوجتك .يكشف لك كيف هو المجتمع مازال يرى أبناءه “عنزا وتيسا”، يمكن للشيطان/الباكستاني التغرير بهما إن فك الحبل.يكشف لك آلية عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، القائم على تخويف المجتمع لتبرير وجودها، مع أنها لا تحتاج لهذا، فالمجتمع أي مجتمع يحتاج لبوليس آداب، لأن أي مجتمع لديه فقراء يفشل بعضهم في اختبار الرغيف أو الجسد، ولديه أغنياء لا يقدمون أموالهم ما لم يأكلوا أجساد الفقراء.[c1]*عن موقع/ “العربية.نت”[/c]