
صحيح أن ظاهرة الغش لم تكن معروفة بهذا الشكل في الجنوب قبل عام 1994، حيث كانت المدارس تمثل صروحاً للعلم والانضباط، إلا أن السنوات التي أعقبت الحرب خلّفت نظاماً تعليمياً هشّاً تغلغل فيه الفساد وتدهورت فيه القيم، مما مكّن بعض الفاسدين من ضرب مصداقية الامتحانات، وأفقد كثيرين الثقة في مخرجاتها.
ومع ذلك، تظل هناك نماذج مشرّفة من الطلبة الذين خاضوا غمار الامتحانات بضمير حي، بعيداً عن وسائل الغش والتلاعب، وحققوا مراكز متقدمة رغم ضيق ذات اليد، وسوء الخدمات، والظروف الاقتصادية القاسية التي تعاني منها آلاف الأسر في عموم البلاد، هؤلاء هم الأمل الحقيقي، وهم الثروة التي ينبغي أن تُكرَّم وتُحتضَن، لا أن تُدفن تحت ركام الإحباط والاتهام الجماعي.
وفي المقابل، لا يمكن تجاهل وجود طلاب مجتهدين وملتزمين لم يحالفهم الحظ في تحقيق النتائج التي يستحقونها، إما بسبب ضعف التصحيح أو سوء تنظيم الامتحانات، أو ببساطة لأن الأوضاع المزرية في منازلهم منعتهم من توفير أبسط مقومات المذاكرة والتحصيل.
إن قراءة نتائج الثانوية العامة اليوم، تتطلب منّا أن نتحلّى بالعدل والموضوعية، فلا نُطلق الأحكام جزافاً، ولا نختزل المشهد في صور سلبية فقط بل علينا أن نميز بين من سعى بجهد ونال، ومن تسلّق على أكتاف غيره، وبين من حُرم رغم اجتهاده لغياب عدالة النظام.
إن ما تمر به البلاد من أزمات لا يبرر السكوت عن التلاعب بمصير الأجيال، كما لا يجب أن يكون ذريعة لتعميم السلبية على الجميع فالتعليم سيظل بوابة الخلاص، وأي أمة تسقط في ميدان التربية والتعليم، لن تنهض في أي ميدان آخر.