
لقد بلغنا قاع المعاناة.. بل تجاوزناه، بتنا نكتب ونصرخ وننادي، حتى بحَّت أصواتنا وجف الحبر في أقلامنا، ولكن لا يسمع أحد، ولا يبالي أحد، وكأن الكهرباء التي لا تصل قد فصلت أيضًا شرايين إنسانيتهم.
في مساء الجمعة سقط عاملٌ في مدينة المعلا.. قتله «ماطور» كهربائي لم يكن ضحية عبث أو إهمال، بل ضحية الفشل الذي أجبره على تشغيل ذلك الماطور بسبب غياب التيار لساعاتٍ طويلة، وكأن كل بيت في عدن صار مهددًا بالموت، لا من الجوع فقط، بل من العطش، والاختناق، والأمراض التي تفاقمها حرارة لا ترحم.
هل يدرك أحد أن في هذه البيوت أطفالاً لا يعرفون النوم، ونساءً يذرفن الدموع، وشيوخًا لا يحتملون ارتفاع الضغط والسكر؟ هل يعلم أحد أن الناس في عدن باتوا يعتمدون على الكهرباء الحكومية لأنهم بلا رواتب، بلا دخل، بلا خيار لشراء طاقات بديلة؟
ما يحدث في عدن ليس قدرًا هو نتيجة تقاعس، وفساد، وغياب الضمير. والحل وإن طال لا يأتي إلا من قائد شجاع، من قرار جريء، من تدخل ينقذ ما تبقى من حياةٍ من في مدينة تُحتضر يومًا بعد آخر، فعدن لا تطلب المستحيل. فقط بعض الضوء وبعض الضمائر الحية.