
عندما لا يتبقى من هذه الحياة سوى بضعة أنفاس تُلتقط بشقّ الأنفس، حين يصبح الشهيق والزفير إنجازًا، حين تذوب الكرامة في عرق الأطفال المتصببين داخل غرف مظلمة، تتبخر المعاني، وتصبح الحياة مجرد صراعٍ عبثي لا طائل منه، نحن لا نطلب الرفاهية، بل فقط نسعى إلى أبسط الحقوق، نسعى إلى النور. الكهرباء، التي تمثل شريان الحياة لكل بيت، أصبحت عبئًا ثقيلًا في عدن، لا تُمنح لنا إلا أربع ساعات في اليوم، هذا إن جاءت، وكأنها منّة لا حق.
أما في لحج وأبين، فالظلام هو الأصل، والنور استثناء نادر، يغيب لأيام، تاركًا البيوت تحت رحمة الحر، والمستشفيات تصارع من أجل تشغيل أجهزة تنفس أو تبريد، والمحال التجارية تفرغ من محتوياتها بسبب فساد المواد، والناس يذوبون تعبًا وقهرًا، ووجوههم تشهد على صبرٍ بدأ يتآكل.
ما يحدث ليس عابرًا، ولا ينبغي أن يُؤخذ كأمر واقع، ما يحدث انهيار شامل، لا في الخدمات فقط، بل في الإحساس بقيمة الإنسان، الكهرباء ليست رفاهية، بل ضرورة، وكل دقيقة تمر بلا حل، هي خنجر جديد يُغرس في خاصرة الوطن، ويشطر قلب المواطن.
الجهات المعنية تلتزم الصمت، وكأنها لا ترى ولا تسمع، وكأن هذه المعاناة لا تعنيها، تنام على وسائد اللامبالاة، وتترك المواطن يصارع قسوة الواقع وحيدًا، بينما تتوالد الأسئلة في صدور الناس: إلى متى؟ من سيجيب؟ من سيتحرك؟
نحن لا نريد أن يكون المخربون هم من يقدمون أنفسهم كمنقذين، ولا نريد للفوضى أن تكون البديل. نحن لا نسعى إلى تحطيم ما تبقى، بل إلى البناء، لا نطلب سوى حل حقيقي، واقعي، عادل، نطلب الكرامة، نطلب الحياة.
الكهرباء هي البداية، لكن خلفها قائمة طويلة من الحقوق المنهارة، من الأمل المفقود، من صوت المواطن الذي يُخنق كل يوم، استمرار هذا الوضع لا يعني فقط مزيدًا من العذاب، بل خطرًا داهمًا يهدد ما تبقى من استقرار وسكينة.
أفيقوا، قبل أن تنفجر الصدور صراخًا، أفيقوا قبل أن تصبح الفوضى الخيار الوحيد للغاضبين، أفيقوا فالناس ما زالوا يتمسكون بالأمل، لكن حتى الأمل له حدود.