وقيل بأن الأمانة المقصود بها العقل الذي هو ملاك التكليف أو مناط الثواب والعقاب، والبعض يرى أن الأمانة هي الأعضاء فالعين أمانة من الله يجب حفظها وعدم استعمالها إلا فيما يرتضيه الله تعالى وكذلك السمع واليد والرجل والفرج واللسان ـ وقيل عن الأمانة بأنها خلافة الإنسان على الأرض، وقيل بأنها التكاليف الواجب أداؤها من قبل الإنسان لكي ينال رضاء الله ودخوله الجنة أو عدم القيام بها يوجب دخول النار، وهناك من يرى أن الأمانة تعني معرفة الله أو كلمة التوحيد والعمل بمقتضاها، وهناك رأي يفسر الأمانة بأنها الكمال الحاصل للإنسان من جهة التلبس بالاعتقاد والعمل الصالح وسلوك سبيل الكمال بالارتقاء من حضيض المادة إلى أوج التكريم من الله لهذا الانسان بانه اختاره خليفة في الأرض لأن الله يعلم بأن السموات والأرض والجبال تأبى حمل هذه الأمانة وتشفق منها لفقدانها وافتقارها لصفتي الظلم والجهل الخاصتين بالانسان الذي يستطيع تصحيح الظلم بالعدل وتصحيح الجهل بالحلم والعمل لأن وجوده على الأرض من أجل الابتلاء والامتحان فإما يفوز في هذا الامتحان أو يفشل اثناء تحمل أمانة هذه الخلافة وهذه المهمة العظيمة التي أوكلها أو منحها العليم الحكيم للإنسان لكي يقوم بادائها وأبت السموات والأرض والجبال حملها بل واشفقن من ذلك.
أما الحديث في الفقرة الثانية من مقالنا هذا فهو عن الحكمة وهل ما يزال اليمانيون حكماء كما وصفهم سيد الخلق أجمعين أو ما تزال بلدنا بلد الحكمة؟
أم اننا في حاجة ماسة لاعادة التدرب على هذه الحكمة الغائبة عند بعضنا؟!!
فالحكم في اللغة: الصرف والمنع بقصد الإصلاح، ومنه سميت اللجام (حكمة الدابة) لأنها تمنعها من الجموح، واحكمتها جعلت لها حكمة، وكذلك حكمت السفينة واحكمتها.
ومن الحكمة وضع الاشياء في أماكنها الصحيحة بدقة وإحكام ومعنى الكلمة إصابة الحق بالعلم والعقل.
وقيل الحكمة فعل الخيرات ومعرفة الموجودات وهي العلم النافع المعبر عنه بمعرفة الحقائق على ما هي عليه بقدر الاستطاعة:((يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً).
ونجد الحكمة في الاجتهاد ببذل الوسع في صلاح العمل فالحكم على الإطلاق هو الله سبحانه وتعالى، وسائر الناس حكماء بقدر ادراكهم وقدرتهم على الصنع ـ ومن الحكمة اجتناب الكبائر، وعمارة الأرض أو البيوت وليس يرى الحكمة ولا يطلبها إلا من كان بصر عينه في قلبه، لا بصر قلبه في عينه فصاحب العقل يستهدي بالحكمة وصاحب الشهوة يستهوي بالحواس. والحكمة الحقيقية هي فهم كتاب الله والتمسك بسنة النبي (صلى الله عليه وسلم) بقي معنا التطرق لمعنى العقل أو ماهيته، فالعقل هو فعل القلب مثل السمع هو فعل الأذن والابصار هو فعل العين أو الباصرة قال عز وجل: (فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها..) ويقصد من ذلك التدبير والفهم والاستيعاب التي هي من خصائص العقل الذي ركبه الله في الانسان فصار به انساناً متميزاً عن الحيوان وهناك نوعان للعقل في الانسان: العقل النظري الذي هو موهوب لبني آدم خاصة، وبه استحقوا الخلافة على الأرض وهو الأمانة التي حملوها والعقل العملي الذي يكتسبه الانسان في حياته ويتعلمه من الخبرة والدربة، فهو بالأول يميز، وبالثاني يسلك ويعمل خيره وشره. فإذن العقل نور في القلب يعرف الحق من الباطل والحسن من القبيح.
وقيل إن العقل هو الروح التي نفخت في الانسان عند التسوية استناداً إلى الآية القرآنية: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) وقيل: العقل هو آلة التميز أو التمييز) أي العقل المدقق في أمور معاشة علماً وعملاً، ينظر إلى مبادئ الأمور ولوازمها وعواقبها فيميز بين الخير والشر والحق والباطل وقد ذم القرآن الكريم من لا يستخدم عقله.
وقد قيل بأن العقل والنفس والذهن واحدة، انها سميت عقلاً لكونها مدركة، وسميت نفساً لكونها متصرفة، وسميت ذهناً لكونها مستعدة للادراك فمتى سنرى كل من يحاول عرقلة أو إعاقة مسيرة التغيير في بلادنا، قد حاسب نفسه وراجع ضميره الوطني والانساني والديني واستجمع قواه وكرسها لخدمة وطنه وجمع بين الأمانة والحكمة والعقل ونال بذلك حسنات الدنيا والآخرة وأرضى ربه وشعبه وأمته واصبح من الذين سيخلدهم التاريخ ويسجل اسمه بأحرف من نور بدلاً من ان يهلك مع الهالكين اصحاب الصفحات السوداء المطلخة بدماء الأبرياء وفساد المفسدين وعبث العابثين والملعونين إلى يوم الدين من قبل كل اليمنيين.