والأهم أيضاً ان اقتلاع رجل موسكو من السلطة في كييف يحرّك الزلازل، ليس في الجمهوريات السوفياتية السابقة فحسب بل داخل روسيا عينها حيث تتململ معارضة متصاعدة ضد «قيصرية فلاديمير بوتين»، فقد انفجرت تظاهرات امام الكرملين عشية قَسَمه اليمين لولاية ثالثة، وها هو يضيق بمعارضة فرقة فنيّة نسائية فيلاحق أعضاءها بالجلد امام انظار العالم في سوتشي!
والأهم اكثر هو النتائج المخيفة للهوّة الاقتصادية العميقة التي تمثّلها ديون اوكرانيا البالغة اكثر من 600 مليار أورو ومعظمها لمصلحة المصارف الروسية، ففي موازاة الخوف المتزايد من نشوب صراع عسكري يثيره التدخل الروسي، ترتفع المخاوف من ان تتحول الازمة زلزالاً مالياً يضرب في الاقليم، في وقت ليس هناك من قابليات غربية اميركية او اوروبية لسداد هذه الديون الهائلة!
لقد بدا مبلغ الـ15 مليار دولار الذي حاول بوتين ان يدعم به حكومة يانوكوفيتش عشية الانهيار الدراماتيكي، أشبه بحصاة صغيرة لا تسند صخرة متدحرجة تتهدد الاقتصاد الروسي بالذات، ففي حديث مع صحيفة «التلغراف» البريطانية يقول لارس كريتنسن من مصرف «دانسكي» ان قصة اوكرانيا ستتحول من صراع وطني الى صراع جيوسياسي على خلفية آثارها المالية، ذلك ان قيمة الروبل الروسي تنخفض الى مستويات قياسية في مقابل الأورو، وهذه عدوى ستضرب في بولونيا والمجر ورومانيا، وما حصل من ذعر اقتصادي عشية التدخل الروسي في جورجيا ليس إلا جزئياً قياساً بالوضع الراهن، لهذا يمكن فهم الاخطار التي يطلقها زلزال كييف!
نيكيتا خروتشوف كان اوكرانياً، ولأنه كره سلفه جوزف ستالين الجورجي الاصل، والذي هجّر الجالية المسلمة من شبه جزيرة القرم، لم يتردد عام 1954 في منح الجزيرة لاوكرانيا، وقيل انه فعل هذا «في ليلة من الفودكا»، ومن منطلق تأكيد الاحساس في الكرملين بأن اوكرانيا هي فعلاً روح روسيا وأهراؤها. الآن بعد ستين عاماً تبدو اوكرانيا فالق الزلزال السياسي والمالي الذي يهدد مستقبل روسيا ودول المنظومة السوفياتية السابقة وصولاً الى القوقاز ومروراً بأذربيجان.
تقول الباحثة الروسية ايلينا شيفيستوفا من معهد كارينغي «ان ما حدث في كييف يثير الرعب والخوف والانزعاج في الحكومات المندرجة في اطار من الشراكة مع اوروبا الشرقية، التي يريد بوتين ان يجعل منها منظومة اقتصادية»... لكن ترددات الزلزال الاوكراني لن تتأخر!