ويفهم من الآية الكريمة أن الإرجاف في المجتمع سلوك اجتماعي سيئ وخطير لا يمارسه الا المنافقون الذين يلقون الكلام على عواهنه، دون التثبت من صحته، لغرض إثارة المجتمع وجعلهم يعيشون في خوف دائم، واضطراب مستمر، بما يبثونه من إشاعات وأخبار كاذبة، تثير مشاعر الناس، وتبلبل أفكارهم وتهيج الشعب للشغب، وتحدث الفتن والقلاقل والاضطرابات في صفوفهم، وتفقد المجتمع الهدوء والأمن والاستقرار، وهو ما حذر منه القرآن الكريم بقوله: «إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم» (النور، 15).
والإرجاف هو إذاعة الأخبار السيئة وإشاعة الأكاذيب التي يروجها ضعفاء الإيمان في أثناء الأزمات الاقتصادية أو في أثناء الصراعات السياسية، لتأجيج الخلافات وإثارة الفوضى.
ومن الإرجاف في المجتمع اليمني ما يشاع بين الحين والآخر أن هناك فئات في المجتمع اليمني مستهدفة من فئات أخرى، كالقول بان أبناء الشمال المقيمين في الجنوب مستهدفون من قبل الجنوبيين، أو العكس، بما من شأنه إثارة الضغائن والأحقاد في أوساط أبناء المجتمع اليمني الواحد ليقتل بعضهم بعضاً.
ومن الإرجاف ما قام به بعضهم يوم الثلاثاء الماضي حين استغلوا حادث التفجير الإرهابي الذي استهدف مبنى إدارة الأمن في محافظة عدن فجر ذلك اليوم، فأرادوا إحداث موجة من الخوف والفزع في أوساط طلاب كلية التربية في جامعة عدن، الذين أتوا للدراسة في ذلك اليوم ولم تثنهم الإشاعات المغرضة عن المجيء إلى الكلية لتلقي الدروس، فما كان من أولئكم المرجفين إلا أن يكلفوا أحدهم باعطاء طالبة من طالبات المستوى الرابع في قسم اللغة العربية منشورا مكتوبا بخط اليد فيه إنذار وتهديد بأن الكلية ستفجر خلال الساعات القادمة، ويطالب الطالبات بالفرار للنجاة بأنفسهن، ويفهم من المنشور أن الغرض منه هو إثارة الاضطراب والفوضى في أوساط الطالبات، حين طالبهن بالفرار من قاعة الدرس قبل حصول الانفجار.
ومن حسن الحظ أنني كنت أنا المحاضر في القاعة في ذلك الوقت، فأتتني احدى الطالبات لتستأذن لإبلاغ الطالبات بمضمون المنشور، فقلت لها: هاتي الورقة لأرى ما فيها، فلما قرأت ما فيها أخذت الورقة واحتفظت بها، ولم اخبر الطالبات بمضمونها، لعلمي أن الغرض منها فيه نوع من الإرجاف، فواصلت الدرس دون أي اكتراث بذلك المنشور، وانتهى الوقت ولم يحصل من ذلك التهديد شيء، وهو ما دفعني لكتابة هذا المقال وغرضي من هذا هو التحذير من خطر المرجفين على المجتمع، فهم يريدون تحطيم آمال الناس، ويبعدونهم عن طموحاتهم بما من شأنه تسريب اليأس إلى نفوسهم وإفقادهم الثقة بقدراتهم على تجاوز المحن والمصاعب.
ولذلك يقتضي الواجب الوطني والديني الحذر من الإشاعة التي يستخدمها المرجفون لإضعاف تماسك المجتمع، وقتل معنويات أفراده وزرع الفوضى في أوساطه، فلا ينبغي أن نصدق كل ما يقال، بل علينا التريث في كل أمر من أمورنا، ولا نسمح للإشاعات أن تجرنا للإضرار ببلادنا، بل علينا أن نحكم عقولنا قبل الانزلاق في ما لا تحمد عقباه جراء سماعنا لكل زاعق وناعق من المرجفين.