منذ بداية الوحدة لم يكن المواطن في المحافظات الشرقية والجنوبية يحمل لأخيه في المحافظات الشمالية كل هذه الأحقاد والضغائن لولا ذلك الشحن المستمر والمتراكم الذي سيتحول في يوم ما إلى اجتثاث لكل مواطن قدم من جهة الشمال إلى جهة الشرق والجنوب من أجل الرزق وربما يكون رد الفعل المعاكس أيضاَ أن يقوم الناس في شمال الوطن بإيذاء أو معاقبة إخوانهم المتواجدين بين ظهرانيهم في الشمال رداً على تصرفات إخوانهم في المحافظات الجنويية والشرقية وعليه نلفت عناية كل من له يد طولى في صنع القرار في بلادنا إلى القيام بواجبه وأن يسارع في عمل شيء ما تجاه هذا الفعل المنافي للأخوة وروح التسامح والتعايش والحياة المدنية المتحضرة التي عرف بها جنوب الوطن ومثلما هي رسالة موجهة لهؤلاء فهي أيضاً موجهة لأصحاب ( مطلع) على حد سواء وأن يعمل هذا المسؤول أو ذاك على تدارك حدوث مثل هذا الأمر والحد والحيلولة دون استفحاله وانتشاره بين الناس قبل أن يقع الفأس في الرأس ويتحول إلى وباء قاتل أو فيروس مزعج ينتشر في كل ناحية من جسد الوطن الغالي أو يتحول إلى مرض مزمن ميئوس علاجه أو مداواته أو تداركه أو التخلص منه ولينظر هذا المسؤول إلى المحرض لهذا لفعل المستنكر والمشين هل هو من داخل الوطن أم من خارجه فإن كان من الداخل فلتقم الحكومة والسلطة المحلية بواجبها تجاه هذا الأمر باتخاذ الإجراءات المناسبة وإيجاد السبل والوسائل المتاحة لمجابهة هذه الظاهرة اللاأخلاقية التي ستدمر النسيج الاجتماعي وتفكك اللحمة الوطنية وتجزئ الأرض اليمنية وتدخل البلاد في صراعات قد لا تنتهي وتسيل أنهار وبحار من الدماء وتزهق أرواح وتنتشر الأشلاء بين أبناء الوطن الواحد ونعود إلى أيام الجاهلية في داحس والغبراء التي كانت تتقاتل على أتفه الاشياء بسبب تراكم وتزايد وتضاعف الأحقاد والكراهية وتتحول البلاد إلى كتلة من اللهب تبحث عن حطب لتلتهمه فإن لم تجده أكلت نفسها وتلاشت.
وإن كان المحرض الذي يحرك الناس في الداخل هو من الخارج فيمكن أن تقوم الدولة والحكومة بإيقافه باستغلال العلاقات الدبلوماسية الطيبة بين بلادنا والبلدان المتواجد فيها ذلك المحرض الخارجي لبسطاء الناس وعوامهم لأنه عرف كيف يدغدغ عواطفهم ويستغل مشاعرهم المحتقنة تجاه إخوانهم في شمال الشمال أو جنوب الجنوب وعرف أنهم قد كابدوا وتجرعوا وأكتووا بنار المعاناة من قبل السلطة التي حكمتهم والنظام الجائر عليهم منذ بداية الوحدة وحتى بداية الاحتجاجات والمظاهرات السلمية ضد الظلم والتعسف والجور والتجاهل والتهميش وغياب العدالاة والمواطنة المتساوية.
إن أي عاقل منصف وعادل لا يلوم الناس هنا في الجنوب أو هناك ولا يستطيع أن يمنع تذمرهم وشكواهم واحتقانهم ضد إخوانهم بسبب المعاناة التي كابدوها من قبل أولئك المتنفذين والمستبدين الذين أشعروا هؤلاء بالغبن وجعلوهم يخرجون من وضعهم الطبيعي والسوي والمتزن إلى طبيعة النزق والتوتر والرفض وعدم الثقة بالآخرين بل والإساءة إليهم وإيذائهم والشعور بالعنصرية تجاههم ولأن الكيل قد فاض لديهم فعبروا عن حنقهم واحتقانهم هذا بما يشعرون به تجاه إخوانهم ( أصحاب مطلع) ولأن أغلبهم لا يدركون نتائج هذا السلوك في المستقبل لأن معظمهم بل جلهم من عوام الناس البسطاء الذين لا يعرفون اللف والدوران ومآلات الأمور وأغوار السياسة ولا يتكهنون بما سيحدث في المستقبل من خلال ما يحدث في الواقع الراهن. فإذا لم تقم الحكومة والسلطة والنظام بإيقاف هذا التدهور الهادف إلى نفور الأخ من أخيه والابتعاد عنه والقطيعة معه والاستقلال عنه فإن الورم سيتضخم ويؤدي إلى هلاك صاحبه بسبب قيام وسائل إعلامية مغرضة تعمل على تكريس هذه الفرقة وتختلق صوراً وأوصافاً ونعوتاً وسلوكيات سلبية ومغلوطة عند الأخ في الجنوب وفي وجدانه وعقله تجاه أخيه في الشمال وأنه متميز عنه بصفات إيجابية وحضارية ومدنية راقية وأن ذلك الشمالي متخلف وهمجي وخداع ومراوغ وفاسد وسارق .. الخ وهذه مبررات عنده تكفي للانفصال عنه أو الاتحاد معه .. ! وأنه جنس آخر غير جنسه وهويته التي عرف بها منذ الأزل .. وهذه والله حيلة ماكرة هدفها خلخلة وزعزعة أواصر القربة والرحم بين أسر وعائلات بكاملها داخل وطن واحد وكل هذا حدث بسبب مشاريع جهنمية صغيرة لبعض من لا يهمهم أمر الوطن والمواطن في جنوب البلاد أو في شمالها أو شرقها أو غربها ولا يهمهم أن تذهب هذه البلاد أو المواطن إلى النعيم أو إلى الجحيم بل يهمهم مصلحتهم الضيقة أو الانتقام من خصومهم فهل يعي مسؤولونا مرة أخرى هذا الشحن المتعمد والمستمر الحاصل في بلادنا بين أبناء الوطن الواحد؟!.
وليعلم الجميع بأن الخلاف الحقيقي ليس بين مواطن مسالم يعيش في أقصى جنوب الوطن وبين مواطن يعيش ويقطن في شمال الوطن ولا هو خلاف بين شعب وشعب أو مجتمع ومجتمع آخر بل الخلاف الحقيقي هو بين فئة قليلة وأطراف معينة كانت تتصارع على السلطة والثروة وجرت معها نصف المجتمع هذا على نصفه الآخر وأوصلتنا إلى هذه الأزمة وصنعت الكراهية والحقد والبغضاء على بعضنا البعض بعد ان ألف الله عز وجل بين القلوب والأرواح عام (90م) والعالم في ذلك الوقت يتفكك عدنا مرة أخرى ندعو إلى التفكك والتشظي والعالم يتكتل ويتوحد ويتعولم وكأننا نغرد خارج السرب إنها لمفارقة عجيبة وغريبة!!