الأمر الذي أثار غضب القوى التقليدية والجماعات الإرهابية المتشددة في المجتمع بالإضافة إلى التيارات الرجعية التي تنطوي تحت غطاء الإسلام السياسي والتي نشأت على ثقافة ذكورية ذات نظرة دونية اقصائية جاهلية للمرأة ونظرة تمييز عنصري بغيض مع أن النساء هن شقائق الرجال الصناديد وأن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة بل أعظم منه لأنها أنجبته وربته وعلمته وكبرته ورعته حق رعايته. وهذه المرأة اليوم قلقة خاصة المرأة الناشطة في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية للمرأة وخائفة من مصادرة حقوقها من قبل الرجل القامع والرجعي والمستبد ومازالت تحاول الانعتاق من ربقة هذا الرجل الذي مازال يعيش بعقلية متخلفة وعتيقة او بدائية او بدوية وقبلية متحجرة وفي الوقت نفسه تسمع في خطاباته شعارات الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية وحقوق الانسان والحداثة ويتحدث عن حياة المجتمع المدني المتطور.
إن مقالة الأستاذ الحبيشي انتصار وتحيز لحقوق المرأة ولقضاياها العادلة وصرخة في وجه من يزايد على المرأة من أجل كسب ودها وصوتها إلى جانبه وفي الوقت نفسه يرى فيها صورة الشيطان الآثم الذي يجلب العار والشرور وعظائم الأمور والسمعة السيئة لمن يرتبط بهذا الكائن الجميل الذي يسمونه المرأة وينبغي محاصرة هذا الكائن الرائع ووضعه في قفص الاتهام والتحرز عليه وسجنه حتى لا يرى النور والحياة لأنه سبب لآثام الأرض وشقاء البشرية.
لقد اعجبت أيما اعجاب بعبارات رائعة ومؤثرة تضمنتها مقالة الأستاذ الحبيشي من أمثال: «نقول لمن سرقوا من المرأة أحلامها وحقوقها في زمن أغبر مضى ولمن يريد أن ينزع عن المرأة خصوبة النماء في زمن العطاء... هكذا هي المرأة نهر يتسع في لجة العشق وتيار بارد يمتد بين الجراح وضوء يتسامق فوق الرياح وطفولة توزع البراءة بعد رحيل الليل.. حرية كالحلم كالفضاء حياة كالخبز كالمعتقد وشاهد كالأفق كالوطن.. انها الأمومة والحنان والوداعة، الجذور والكرامة والانتماء.
إننا نمقت ونكره كل الطغاة الجبابرة المجرمين دعاة الغباء والمذلة والمهانة والتحجر والانزواء والازدراء. النساء شموس الوجود ولسن رجسا من عمل الشيطان وليست المرأة كسقط المتاع تباع وتشترى في الأسواق مسلوبة الحرية والمكانة».
إن مقالة الأستاذ الحبيشي وتساؤله عن كره البعض للنساء يتناغم مع تكريم الإسلام الصحيح للمرأة باعتبارها إنسانا مكلفة تكليفا كاملا كالرجل لها حقوقها وعليها واجباتها. قال تعالى: «فاستجاب لهم ربهم أني لا اضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، بعضكم من بعض» (آل عمران، 195) أي الرجل من المرأة والمرأة من الرجل وهو يكملها وهي تكمله.
إن الإسلام يقرر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كل ما يتصل بالكرامة الإنسانية والمسؤولية العامة لأن (النساء شقائق الرجال). أما ما يتعلق بوظيفة كل منهما داخل الأسرة وداخل المجتمع فإن الإسلام يقرر مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات المتبادلة، وهو حقيقة العدالة: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف» (البقرة، 128).
إن الإسلام يرعى المرأة بنتا وزوجة وأما وعضوا في الأسرة وفي المجتمع ويفسح لها المجال لتشارك في العبادة وفي التعليم وفي العمل وخصوصا اذا احتاجت هي اليه أو احتاجت اليه أسرتها او احتاج اليها المجتمع بل ان الاسلام جعل المرأة شريكا للرجل في أعباء الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة الشر والفساد والظلم «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (التوبة، 70) وهذه هي الحسبة بعينها وهي من أمور السياسة الشرعية بين الراعي والرعية.