تساءل أحد كبار الأدباء المصريين:
ما المدى المتوقع أن نتغلب فيه نحن المثقفين التقدميين على هذه الجماعات الفاشية الإرهابية (جماعة الإخوان المسلمين) ومن لف لفهم من الوهابيين والسلفيين وكافة دعاة التخلف وأرباب التكفير، ونحكم فيه الحصار حولها، ونجردها من جميع الأسلحة التي تستخدمها في حربها المعلنة ، منذ نشأتها ، على الدولة والمجتمع والتقدم والحرية ، ونفرض على من يستمعون للقول من أعضائها أن يراجعوا أنفسهم، ويمتثلوا للدولة الوطنية المدنية الحديثة. وما تنهض عليه من أسس، وللنظام الديمقراطي المدني، وما يضمنه للمواطنين من حقوق وحريات عامة وشخصية ، وما يفرضه عليهم من واجبات والتزامات؟
ثم أكد الأديب المذكور في معرض إجابته أنه:
يجب علينا جميعاً نحن التقدميين أن نقف في وجه الجرائم التي ارتكبوها، والوعي الفاسد الذي نشروه، والحرب التي أعلنوها على الحاضر والمستقبل وما زالوا ، وإذا كانت السلطات الحاكمة في بعض الدول العربية قد انتبهت لخطرهم، وحاصرت نشاطهم حيناً، فقد استخدمتهم في بعض الأحيان وما تزال تداريهم في معظم الأحوال .
دروس التأريخ من مصر :
إذا كانت الدولة الوطنية المصرية بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر قد أعلنت الحرب على الإخوان المسلمين و جماعات الإرهاب السلفية وما في حكمها في الخمسينيات والستينيات فقد تحالفت السلطة الحاكمة معهم بعد ذلك، ونافستهم في خلط الدين بالسياسة، وتبنت بعض أفكارهم، وأفسحت لهم المجال في العمل السياسي، ومكنّتهم من العبث بالدستور، أو شاركتهم في العبث به، فهم يغيرون ، على سبيل المثال، المادة الثانية لتكون (الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع)، بدلاً من أن تكون مصدراً من مصادره وفي اليمن لم يكتفوا بذلك بل أصروا على أن تكون الشريعة المصدر الوحيد للتشريع . وهو أمر مستحيل كذلك فإن السلطة الحاكمة تغير الدستور بحيث تعطي رئيس الدولة الحق في الترشح لمدة رئاسية أخرى فتجعلها مدداً بلا عدد ( قلع العداد) بعد أن كان يتم تصفيره ؟! كما حدث في اليمن . من الواضح أن المسألة كانت سباقاً على السلطة بين طغاة عرب يحتلونها ويسعون للبقاء فيها، وبين طغاة آخرين في قاعة الانتظار يسعون لاحتلالها باسم الشريعة الإسلامية التي جعلوها سلماً للسلطة يعتلونه إليها، ليطبقوا أكثر الآراء الفقهية مجافاة للعصر ومنافاة للتطور ثم يرفعون السُّلم فلا يتبعهم أحداً.(1)
والثابت، تاريخيا،ً هو أن:
جماعة الإخوان المسلمين ورديفهم الأكثر بدائية وهمجية ، الجماعات السلفية والوهابية ، التي أعلنت وما تزال الحرب على الدولة والمجتمع والتقدم واغتالت خصومها من الساسة والمثقفين بأيدي وأسلحة أعضائها و حلفائها(2) - هذه الجماعات تمكنت احداها وهي (( جماعة الإخوان المسلمون )) من سرقة الثورة المصرية واحتلال البرلمان، والوصول إلى سدة الرئاسة. وتلفيق الدستور وتزويده بما يمكنهم من تحقيق حلمهم الكابوسي، الذي أفصح عنه بعضهم للفريق أول (عبد الفتاح السيسي) حين قال له: لقد وصلنا إلى السلطة، وسوف نبقى فيها خمسمائة عام!!
أوهام السلطان ( أردوغان ) والمرشد (بديع)
قد يظن البعض أن ما قاله القائد والإخوان للفريق السيسي نكتة أو مبالغة لفظية. فمن هو هذا الحاكم الأسطوري الذي يحلم في عصرنا بالبقاء هو وحلفاؤه في سلطة الحكم خمسمائة عام؟ غير أنها ليست نكتة ولا مبالغة، وإنما هي عقيدة ثابتة تظن بها هذه الجماعة الفاشية أنها ستصحح بها التاريخ وتعيد بها (الخلافة) الاستبدادية المتخلفة كما كانت قبل خمسمائة عام؟ نعم خمسمائة عام! لأن العالم ،في نظر هؤلاء المتوهمين ،لم يتغير عما كان عليه في العصور البدائية و الوسطى، والمرشد (بديع) الذي يبدو أنه لم يقرأ كتاباً واحداً في التاريخ يمكن أن يحل محل السلطان (قاتباي) ويستطيع السلطان التركي الجديد (أردوغان) أن يلعب دور (سليم الأول). أما الشعوب فليس لها ،عند هؤلاء النخاسين، إلا الدور الذي لعبه المظلومون أجدادنا في ظل الطغاة وهو دور الرعايا المستعبدين.(3)
التاريخ عند هذه الجماعات الفاشية المتخلفة ليس حركة للأمام وإنما هو عودة للوراء، والأعوام الخمسمائة التي اعتبروها حداً مناسباً لبقائهم في السلطة لن تحسب، طبعاً، بالجمع، ولن تحملنا إلى القرن الخامس والعشرين، وإنما ستحسب بالطرح، وتعود بنا إلى القرن الثالث الهجري ، وربما ، في أحسن الأحوال ، إلى العام الذي احتل فيه العثمانيون الأتراك العالم العربي واليمن في مقدمته، فحطموا استقلاله وأذلوا شعوبه . وبددوا ثرواته، وحوّلوه إلى مجرد ولايات في إمبراطوريتهم الهمجية الطغيانية ، التي يحلم رئيس الوزراء التركي (أردوغان) بإحيائها في هذه الأيام، وهذا هو (المشروع الإسلامي ) الذي تتحدث عنه هذه الجماعات الفاشية الإرهابية وتعدنا أو تتوعدنا به في مصر واليمن وكافة أنحاء العالم العربي ، وقد بدت بشائره في اليمن ، منذ فترة في عهد الرئيس السابق (علي صالح ) ، برفع علم المحتل التركي على نُصُب تذكاري في قلب العاصمة ( صنعاء) للجندي التركي الذي احتل اليمن واستعبد أهلها وبدد ثرواتها وعاث فيها هو والباشوات ظلماً وفساداً حتى تم طرده من البلاد .
العودة إلى العصور المظلمة
مشروع (الإخوان) و(السلفيين) وجماعات الإسلام السياسي بمختلف أسمائها ومواقعها وبؤرها الإرهابية الجغرافية والفكرية وأذرعتها الإرهابية المسلحة هو ،طبقاً لإجماع المثقفين التقدميين العرب ، العودة إلى تلك العصور المظلمة و:
إقامة سلطة رجال الدين الإستبدادية المتخلفة والحفاظ على مراكز القوى الطائفية المذهبية المتخلفة بدلاً من الدولة الوطنية المدنية الحديثة، كما أن مشروع هذه الجماعات الإرهابية هو الرعية المستعْبَدة على أنقاض الأمة الحرة، وهو الحكم المستبد المطلق على أنقاض الديمقراطية، وهو مجتمع التمييز والفصل والمنع والمراقبة والأمر والنهي والجلد والقطع والرجم والسمع والطاعة على أنقاض مجتمع الكرامة والحرية والمواطنة والتسوية الكاملة بين الرجال والنساء، وبين المسلمين وغير المسلمين . كذلك فإن مشروع الإخوان والسلفيين وجماعات الإسلام السياسي في الثقافة هو الحفظ والنقل والتسميع والتلقين والتقليد والتغييب على أنقاض ثقافة العقل والعلم والبحث والكشف والشك والنقد والخلق والإبداع.
هذا هو مشروع (الإخوان) والسلفيين ومن تبع خطاهم ولفّ لفهم من قوى التخلف والإرهاب في مصر واليمن وغيرهما من البلدان العربية، ولذلك فإن السؤال المطروح بإلحاح: ماهو المدى الذي نتوقع فيه أن نتغلب عليهم ونأمن شرورهم ونستأنف السير في طريق التقدم والحرية؟ إن هذا هو التحدي الأكبر الذي نواجهه، ليس فقط منذ ظهرت فيه هذه الجماعة الفاشية الإرهابية قبل ثمانين عاماً وتبعها في الظهور السلفيون وغيرهم من الإرهابيين ، بل منذ فتحنا عيوننا على العصر الحديث، الذي ظللنا وما زلنا مترددين في دخوله نقدم رِجلاً ونؤخر أخرى، نندفع في طريق النور والحرية، ثم نرتد إلى عصور العبودية والظلام، ننعم سنوات بحكم الدستور والقانون، ثم نشقى عقوداً بحكم الفرد والطغيان ومراكز القوى الهمجية ، لم نخرج من الزمن البدائي و العصور الوسطى، ولم ندخل في العصر الحديث إلا متلصصين متطفلين، نلقي النظر أو نسترق السمع على إنجازات صناع الحضارة ، ثم نَفٍرُّ هاربين مذعورين إلى جحور عصورنا المظلمة، أو إلى تلك المرحلة الضبابية، أو الرمادية الفاصلة بين ليل الماضي وفجر المستقبل، مرحلة الأعراف القبلية والآراء الفقهية المتخلفة التي ظللنا واقفين فيها طوال القرنين الماضيين، وغادرتها مصر في ثورة الثلاثين من يونيو بينما لم تستطع اليمن حتى الآن ، مغادرتها رغم القرابين البشرية التي قدمتها ولاتزال منذ سبتمبر عام 1962 مرورا بانتفاضة 2011م - 2012م وحتى الآن .
الخلاصة:
الإجماع لدى المفكرين والمثقفين العرب من أنصار الحرية والتقدم هو أن :
(جماعة الإخوان المسلمين ) و ( السلفيين) و ( الوهابين) والقوى المرتبطة بهم برباط المصلحة و حبل الإرهاب السري المسلح ، ليست مجرد تهديد أمني، أو عنف مادي في الأرض اليمنية وغيرها ، وإنما هي، قبل كل شيء، خطر عقلي، وجنون رجعي ، يشدنا إلى الوراء، ويغلق في وجوهنا والأجيال القادمة أبواب المستقبل، ويحكم علينا بالبقاء الأبدي في الظلمة والجهل والتخلف واليأس والعبودية، ونحن لن نتغلب على هذه الجماعات الفاشية الإرهابية وذراعها العسكري (( القاعدة)) بقوات الجيش وبأجهزة الأمن وحدها، صحيح أن هذه تستطيع أن تحاصر هذه الجماعات، وتقضي على وجودها المادي أو تحجمه كما حدث في (مصر) وبعض أجزاء من اليمن.
لكن الحرب المسلحة والنُخَب الخائنة الفاسدة لا تستطيع أن تقضي على نفوذ قوى التخلف والإرهاب المعنوي وتأثيرها الفكري المدَمِّر، الذي تعتمد فيه على ما ورثناه من أوهام وأغلال وخرافات لن نتخلص منها إلا بنخب وطنية ثورية جديدة و بثقافة حديثة تشيد صرحها جميع قوى التقدم في النور والحرية.
هوامش
1 - أحمد عبد المعطي حجازي ، صحيفة ( المصري اليوم ) ، العدد (3357) ، وتاريخ 23 /8 /2013م .
2 - راجع حول بعض الأدلة على التحالف بين الإخوان المسلمين في اليمن (( التجمع اليمني للإصلاح )) والإرهابيين من أعضاء (القاعدة) و ( الجهاد ) :
الأستاذ : نايف حسان ، (( علاقة تجمع الإصلاح بالإرهاب )) ، صحيفة الشارع ، العدد المؤرخ 13 نوفمبر 2013م .
3 - م . س .
* أستاذ علوم القانون الجنائي - جامعة صنعاء
فيس بوك: http://www.facebook.com/drhasan.megalli
بريد إلكتروني: [email protected]
الموقع الإلكتروني: http://hasanmegalli.com//ar/index.php