دون أن يُتعب الإنسان نفسه فى البحث عن إجابة منطقية لهذا السؤال يكفيه أن يلقى نظرة متفحصة لما يحدث فى ليبيا هذه الأيام.
الحالة الليبية هي نموذج يدرّس لحالة جيش ضعيف، يواجه ميليشيات قبلية أو مناطقية أو دينية فى ظل مرحلة ما بعد سقوط نظام استبدادي وقيام قوى ميليشيات تطلق على نفسها «قوى ثورية» يجب أن تبقى خارج سلطة الدولة كي تحمي مكاسب الثورة.
علّمنا التاريخ، وهو خير مُعلم، أن أي نظام لا يمكن أن يستقر فى ظل وجود ازدواجية للقوى التى يجب لها ممارسة العنف.
وحدها سلطات الدولة الشرعية التى يجب لها ممارسة القوة فى ظل دولة القانون، أما ظهور قوى تحمل السلاح وتعطي لنفسها حق استخدامه بهدف فرض أمر واقع مخالف لإرادة السلطة الشرعية فهو كارثة بكل المقاييس.
فى الحالة الليبية، الحالة صارخة ومخيفة؛ فالجيش المركزي ضعيف ومنقسم وأضعف من قوى الميليشيات المناطقية والدينية التى تحتمي بميراث ترسانة سلاح أسطورية تركها نظام العقيد معمر القذافى.
حينما تصبح الميليشيات أقوى من الجيش وتصبح قبيلة أو جماعة أقوى من الحكومة الشرعية، فإن ذلك يصبح بمثابة وصفة حالة من الفوضى والهلاك الأمني والسياسي.
وتزداد خطورة الأمر إذا علمنا أن ليبيا دولة شاسعة المساحات، المدن فيها مترامية الأطراف، لديها 4 آلاف كيلومتر من الحدود البرية وألفا كيلومتر من الحدود البحرية، ما يستدعي -بالضرورة- وجود جيش مدرب ومسيطر وفاعل ومسلح بشكل مناسب.
تصوروا السيناريو الكابوس لو كان جيش مصر هو جيش ليبيا!
تصوروا لو كانت جماعة الإخوان أقوى من الشرطة والجيش، وأن عناصر الجماعة أكثر تأثيراً من سلطة الحكومة وأجهزة الدولة.
هذا الخطر المخيف هو جزء من أحلام اليقظة التى تستحوذ على عقل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان بالنسبة لمصر.
للأسف الشديد، إضعاف الجيش وإسكات الشرطة وسقوط سلطة الدولة وأجهزتها لصالح جماعة الإخوان، كل ذلك هو الهدف النهائي للعمليات التى تتم هذه الأيام فى شوارع وميادين وجامعات مصر.
إنها جريمة بكل المقاييس.