واذا نظرنا الى طبيعة المنصب الكبير بتفهم ووعي لوجدنا انه تكليف بالمسؤولية وخدمة عامة وليس مبررا لاغراق صاحبه بالمظاهر والامتيازات التي لا تقتصر على السيارات الفاخرة ولكنها تشمل المكاتب الانيقة المبالغ في قيمة أثاثها هذا الى جانب الحراسة الشخصية في حدود عشرة اشخاص واكثر الواقفين منهم والجالسين على باب صاحب المنصب الكبير.. وما يحدث في البلاد المتحضرة التي سبقتنا بزمن الى الديمقراطية يختلف تماما عما يحدث في بلادنا فأصحاب المناصب الكبرى هناك سواء رؤساء الوزارات السابقة واللاحقة او الوزراء او من في مستواهم لا فرق يذكر بينهم وبين من يتولون المناصب الاخرى وكذا مشايخ البلاد الذين هم الآخرون وجدوا لهم شأنا مع ان غيرهم من المسؤولين في الخارج يسيرون في الشوارع في بلدانهم دون ان يشعر بهم احد ويرتادون المحلات العامة ويستخدمون وسائل الانتقال التي يستخدمها افراد الشعب.
ونتيجة لمبالغتنا في إحاطة المناصب الكبرى بالمظاهر تغير مفهوم ومدلول هذه المناصب من كونها تكليفا بالمسؤولية والخدمة العامة الى وسيلة للحصول ِِِِِِِِِِِِِِعلى الامتيازات والاستمتاع بما تتيحه وتوفره من رفاهية وحياة ميسرة وفشخرة حتى أصبح خروج الوزير أو غيره من شاغلي المناصب الكبرى في بلادنا يعتبر خسارة كبيرة لأفراد أسرته ليس لحرمانه من شرف الخدمة العامة ولكن لحرمانهم من الفشخرة والفخفخة والحراسة (والأبهة) والامتيازات كبدل الجلسات وغيرها التي كانوا يستمعتون بها والمظاهر التي تحيط بها الدولة أصحاب المناصب الكبرى وإلى جانب أنها نوع من التخلف الحضاري والبعد عن روح الديمقراطية وإهدار للمال العام فهي أيضاً تعتبر تحدياً صارخاً لمشاعر المواطنين وتفرقة لا مبرر لها بين الطبقات... وإثارة لغضب دافعي الضرائب من أفراد الشعب وتوليداً للحقد والكراهية في نفوس الفئات الفقيرة.
وطالما ونحن نسعى جميعاً إلى تحقيق عملية الإصلاح بخطى واسعة وثابتة وحتى نصل إلى جوهره علينا أن نتخلص من الإسراف في المظاهر فلن نستطيع أن نبلغ ما ننشده من إصلاح إذا سرنا في وقت واحد في طريقين متعارضين:
طريق الإصلاح وطريق الإسراف.
في الأخير رأيت أن أنهي موضوعي بتقديم نصيحتي لوجه الله انبه فيها هؤلاء أصحاب الأسماء والنزوات الصغيرة و أقول لهم بصوت خافت (همساً): إذا كانت الدولة توفر لكم الحماية فلا تفسدوها بالمظاهر الكاذبة واعلموا أن حراسكم (الجنود) هم جنود قتال والدولة تحتاجهم لتأمين سلامة الوطن ومطاردة اللصوص وقطاع الطرق والقتلة والخارجين على القانون ولم تنفق الكثير على تدريبهم وإعدادهم ليتحولوا في النهاية إلى اداة يتباهى بها المصابون (بجنون العظمة) أصحاب الفشخرة والفخفخة (المحروسون اسم الله عليهم).